«هيئة الترفيه» يكثر الحديث حول أنشطتها، وبرامجها، بل يرى من يرى عدم حاجة المجتمع إليها، مع أننا عقود من الزمن ينشد فيها الجميع أن تُنشأ برامج ترفيهية تعنى بجميع الطيوف، وفئات المجتمع العمرية، إذ لا تكفي «ملاهي ألعاب الصغار» المنتشرة، ولا مطاعم الأكل الفائضة، التي لا تقدم سوى المأكولات للمعدة، وليس الأطباق الخاصة بالنفس المشوقة لأن تتنفس بعد عناء يوم في عمل، أو جهد مربٍّ في محضن، أو كفاح بانٍ في التكوين، وكان من البدهي أن تشمل رؤية التغيير، وتطوير قطاعات المجتمع إلى جانب الثفافة، والسياحة، والمبادرات المبتكرة، والنهوض بسواعد قطاعات المجتمع باختلافها، أن تعنى هذه الرؤية في شمولها أيضًا بأمر الترفيه، فهو وسيلة الترويح عن النفس البشرية مفردة، وجمعًا باختلاف مضامين ما يقدمه هذا القطاع الحيوي في المجتمع، الذي كان وجوده ضرورة كأي مجتمع بشري، ولأنه لم يكن ضمن قطاعات المجتمع الخدمية للأفراد، فقد سادت «هجرة» الأسر في الصيف، وفي أي الإجازات القصيرة إلى خارج الوطن لحضور حفل، وللتنزه في مدن، ولارتياد فنادق فاخرة، وللتسوق، ما يهدر الدخل الفردي من اقتصاد الوطن هباءً خارج رصيدنا، ومن لا يتمكن من السفر يبقى متذمرًا، ضائق الصدر، كثير الهدر لوقته لما لا يجدي، فانتشرت عادة السهر، وسطحية الاهتمام، والميل إلى الهوامش، ولهثت الناشئة إلى القتيات من الفراغ، كل هذا جعل شأن «الترفيه» إحدى الأوليات في تفاصيل برامج «الرؤية» بحيث تشمل برامجها أبجديات احتياجاتهم فردًا فردًا، وجماعة وفئات ليجدوا ما يشاؤون بين أيديهم، قريبا منهم، متاحًا في مدنهم.. إذن «فهيئة الترفيه» مؤسسة منظمة، وداعمة، ومهيّئة، ومخطِّطة، ومنفذة لما يحتاج إليه المجتمع، بما يعطل عند الأفراد حجة البحث خارج الوطن عما يرفه عنهم، ويسدد فراغات أوقاتهم، أو يشتت الناشئة إلى أين يذهبون فيجدون ما يروح عنهم في ساعات فراغهم، ويجدد حيوتهم.. فعملها جزء ذو اعتبار في أي مجتمع بشري لضرورة ما يحتاج إليه الإنسان من الترويح عن النفس، كسرًا لجدية تطغى فتعطل القدرة على الإنجاز، والتجديد، والإحساس بالراحة، وتصد تدفق الطاقة، وروح النشاط في المرء.. مع كل ذلك يضطرب مفهوم «الترويح» لدى كثيرين، تحديدًا لأن بعض أنشطة الهيئة تجيء على غير ما اعتاد الناس، ما يعزز الضرورة لأن يأخذ الكتاب على أنفسهم الإسهام في تفنيد أهمية الترويح الذي تضطلع به مهمة هذا القطاع الحيوي في المجتمع، والخبيرون بالشأن الديني تركيزًا على صراحة الإباحة بالترويح بما لم ينكر على المرء حاجته إليه، ولم يعطل السبيل إليه، ففي الأثر ما بلغنا عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «روحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت»، ولئن جاء بأن هذا النص ضعيف، إلا أن ما ورد في كتاب التوبة، باب «فضل دوام الذكر» في صحيح مسلم عن الترفيه ما يؤكد السماحة بإفصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جواز ترويح النفس ساعة، وساعة، فعن حنظلة بن الربيع الأسيدي رضي الله عنه، وكان أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة [حتى] كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافسنا الأزواج، والأولاد، والضيعات، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر رضي الله عنه: فوالله إنا لنلقي مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج، والأولاد، والضيعات، نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرُشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة -ثلاث مرات-). ثلاث مرات يؤكد فيها رسول الهدى حاجة النفس للترويح.. ولعل هذه الهيئة تتمكن بعد تجربة انطلاق برامجها من حصر حاجات جميع أطياف المجتمع، وتسديد ثغرات الاختلاف بينهم، وتمكينهم بمرونة تنظيم أوقاتهم، مع «فعالياتها»، وجذبهم إلى منافعهم باستفادة جميعهم، وبمختلف قدراتهم المادية نظير «فعالياتها» المختلفة، ولعلها أن تتجه إلى الأنشطة الجمعية التي تجذب أفراد الأسرة ضمن ضوابط المجتمع، على سبيل المثال في الحدائق العامة وذلك بإعدادها، وإضافة الألعاب المختلفة إليها، وإعدادها بالوسائل المختلفة التي يحتاج إليها وقت قضاء ساعاتهم فيها، والاستمتاع بوجباتهم الخاصة التي يعدونها بأنفسهم، كذلك ابتكار سبل جديدة لهذا الغرض يستفيد منها سكان الأحياء التي لا يجد فيها الشباب غير كرة القدم، أو التنافس في سياقة السيارات، فهي الجهة النظامية الوحيدة التي تضطلع بالعمل على تسديد جوانب احتياجاتهم، وتوجيه طاقات الشباب منهم، وإتاحة التأمل للكبار فيهم بالسبل المختلفة لإسعاد كل فرد بوسائلها المقاربة، ومضامينها المسددة.