ردت إسرائيل بحذر على هجوم كفار سابا في ضوء نجاح رئيس الوزراء الفلسطيني المكلف محمود عباس ابو مازن بفرض حكومته المقترحة على الرئيس ياسر عرفات تحت ضغوط دولية واقليمية هائلة، فيما شرع المسؤولون الإسرائيليون بمطالبة أبو مازن بعدم التحاور مع التنظيمات الفلسطينية المعارضة والبدء فوراً بنزع أسلحتها. ولاحت بوادر التحديات التي تواجه أبو مازن في المرحلة المقبلة، ليس فقط بسبب تبني "كتائب شهداء الاقصى"، الجناح العسكري لحركة "فتح" الهجوم المشترك مع "كتائب ابو علي مصطفى" التابعة ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بل بسبب تعاطي المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة، من سياسيين وعسكريين، مع أول رئيس حكومة فلسطيني محاولة تقديمه على انه "كارازي" الفلسطينيين قبل ان تتاح له الفرصة لعرض استراتيجيتة المستقبلية. وقالت مصادر اسرائيلية ان واشنطن ستستقبل ابو مازن الشهر المقبل بعد زيارة وزير الخارجية الاميركي كولن باول للمنطقة مطلع الشهر ذاته "بعد ان يتأكد ان ابو مازن يعمل فعلا ضد الارهاب وينظم اجهزته الامنية" على هذا الاساس. نفى مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون ان تكون حكومته التزمت حماية الرئيس ياسر عرفات، في مقابل موافقته على تشكيلة حكومة محمود عباس ابو مازن المقترحة، فيما صعد المسؤولون الاسرائيليون انتقاداتهم للرئيس الفلسطيني وجددوا التأكيد انه لا احتمال للمضي قدماً في العملية التفاوضية طالما بقي عرفات في الصورة، علماً أن اسرائيل تتهم اوروبا بالضغط من اجل رفع الحصار عن عرفات. وجاء النفي الاسرائيلي الذي لاقى صدى له أيضاً في تصريحات مشابهة لوزير الخارجية سلفان شالوم، رداً على ما تردد بقوة عن تعهد قدمه رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان، باسم اسرائيل والولايات المتحدة، لعرفات برفع الحصار المفروض عليه والسماح له بالتنقل داخل الاراضي الفلسطينية وخارجها مقابل تمريره حكومة ابو مازن المرحب بها اسرائيلياً وأميركياً وأوروبياً. وجاء في بيان لمكتب شارون ان اسرائيل "لم تقطع اي تعهد يتعلق بمكان وجود عرفات ولا بظروف ادائه مهام منصبه او مكانه المستقبلي". وقال شالوم ان عرفات "اثبت مرة اخرى انه يشكل عقبة امام العملية السلمية بمحاولته عرقلة حكومة ابو مازن". وكان شارون نفسه عقب بحذر مساء الاربعاء على انتهاء الأزمة بين عرفات وابو مازن قائلا انه "من الأهمية بمكان ان تقف على رأس الفلسطينيين شخصية تريد وقف الارهاب وتحقيق السلام. اسرائيل وحكومتها ومواطنوها واليهود عموما يريدون السلام"، نافيا ان تكون تل ابيب تعرضت لأي ضغوط دولية لتقديم تنازلات. وكان عرفات وافق على الشخصيات الاساسية في حكومة ابو مازن، خصوصا اسناد منصب امني لرئيس جهاز الامن الوقائي السابق في قطاع غزة محمد دحلان الذي تساند ترشيحه اميركا واسرائيل، وذلك بعد اسبوع من الشد والجذب وتفاقم الازمة التي نشبت بينه وبين رئيس وزرائه المكلف، في ما بدا واضحا انه تنازع على الصلاحيات الامنية في السلطة الفلسطينية. واتفق الرجلان على ادخال تعديل "طفيف" على صلاحيات دحلان الذي سيسند اليه منصب "وزير دولة للشؤون الامنية" بدل "الشؤون الداخلية"، الأمر الذي سيحد من صلاحياته بعض الشيء. وقالت مصادر اسرائيلية ان رئيس الاستخبارات المصرية الذي نزعت وساطته في الدقيقة ما قبل الاخيرة فتيل الأزمة، حذر عرفات من ان أحداً لن يحرك ساكناً لحمايته اذا ما قرر شارون ارسال دبابتين الى المقاطعة حيث يقيم الرئيس ويطرده من وطنه اذا لم يقبل بوزارة ابو مازن كما يريدها الاخير. وقالت المصادر ان الرئيس جورج بوش اتصل هاتفيا بالرئيس حسني مبارك وطلب منه نقل هذه الرسالة الى عرفات. وكان الرئيس المصري على اتصال متواصل مع الرئيس الفلسطيني طوال ساعات ما بعد ظهر امس الاول الى ان تم الاتفاق. مقتل اسرائيلي في هجوم كفار سابا وفي الوقت الذي اعلنت مصادر عسكرية وامنية اسرائيلية "فرحتها" من تثبيت ابو مازن رئيسا للحكومة الجديدة "والى جانبه دحلان" حسب ما نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن مصادر امنية اسرائيلية، دعا تومي لبيد زعيم حزب "شينوي" المشارك في حكومة شارون الائتلافية الى عدم الرد على عملية كفار سابا التي وقعت صباح امس بعد ساعات قليلة على انتهاء الدراما الفلسطينية في رام الله بتدخل مصري حاسم. وطالب لبيد باعطاء فرصة لحكومة ابو مازن الجديدة، مضيفا: "يجب على اسرائيل ان تقدم لابو مازن فرصة ليثبت نياته بوضع حد للعمليات الهجومية ونزع اسلحة التنظيمات الفلسطينية". وقالت مصادر سياسية اسرائيلية انه "من السابق لاوانه تحديد ما اذا كانت العملية عبارة عن خطوة استراتيجية ضد حكومة ابو مازن"، مضيفة: "اول خطأ يمكن لابو مازن ان يرتكبه هو الشروع بمفاوضات مع تنظيمات مثل حماس والجهاد الاسلامي". وكان الشاب احمد الخطيب 19 عاماً من مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين فجر نفسه في الساعة السابعة من صباح امس امام محطة القطارات الجديدة في كفار سابا جنوب المثلث المحاذي ل"الخط الاخضر" الفاصل بين الضفة الغربية واسرائيل، عندما استوقفه احد افراد الامن الاسرائيليين بعد ان اثارت الملابس التي ارتداها شكوكه في يوم حار. وقام الشاب الفلسطيني بحركة توحي بأنه يهم باخراج بطاقة هويته للحارس الاسرائيلي وفجر العبوة الناسفة التي كان يحملها على جسده والتي تزن نحو خمسة كيلوغرامات، ما ادى الى استشتهاده ومقتل الحارس واصابة 13 اسرائيليا آخرين وصفت جراح نصفهم بأنها خطيرة. وأعلنت "كتائب شهداء الاقصى" فتح و"كتائب ابو علي مصطفى" الشعبية عن مسؤوليتها المشتركة للعملية في بيان وصل الى وسائل الاعلام. وسارعت اطراف عدة الى الربط بين توقيت العملية وتثبيت ابو مازن في منصبه الجديد ووصفت بأنها رد عملي من التنظيمات الفلسطينية، خصوصاً تنظيم "فتح" على هذه الوزارة التي روجت اسرائيل منذ اسابيع انها ستكون بمثابة حكم "كارزاي" وان مهمتها تنحصر في قمع التنظيمات الفلسطينية المعارضة والمقاومة الفلسطينية المسلحة. ولا يخفي ابو مازن معارضته لما يسميه "عسكرة الانتفاضة" ودعا مراراً الى وقف الهجمات التفجيرية داخل اسرائيل وفي الضفة الغربية، معتبراً أنها تشكل حجة للتصعيد العسكري للاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين. وقال النائب الاسرائيلي عضو لجنة الخارجية والامن في الكنيست ان هجوم كفار سابا "يثبت ان المجموعات الفلسطينية لن تلقي سلاحها وستتعثر عملية السلام. مكافحة الارهاب واجب ملقى على ابو مازن ودحلان وطالما ان عرفات يمسك بزمام السيطرة فلن يحل السلام في المنطقة". وقال وزير الخارجية الاسرائيلي ان العملية تشير الى ان "على الحكومة الفلسطينية الجديدة ان تثبت عزمها على محاربة الارهاب من دون هوادة"، مضيفاً ان وقوع العملية يعزز موقف اسرائيل القائل بأنه "لا يمكن التقدم على مسارين متوازيين في الوقت نفسه، مسار الارهاب ومسار التفاوض السياسي". وقال ان على اسرائيل ان تقوم "بخطوات لبناء الثقة لا تعرض امن اسرائيل الى الخطر وتساعد حكومة ابو مازن". "حماس" والحكومة الجديدة وكان احد قادة "حركة المقاومة الاسلامية" حماس السياسيين محمود الزهار اكد معارضة التنظيمات الفلسطينية نزع اسلحتها في المرحلة المقبلة، وصرح بأن "احدا لا يقبل في الشارع الفلسطيني ان نجرد من الاسلحة الخفيفة التي ندافع فيها عن انفسنا من الاجتياحات والهجمات الاسرائيلية. لماذا لا يطلب من الجيش الاسرائيلي ان يسحب قواته من المناطق الفلسطينية؟". وتابع ان قضية نزع السلاح الفلسطيني "انتهت ولا أحد قبل بها لا الشارع الفلسطيني ولا المسلح. لن نقبل تجريد انفسنا من سلاحنا الذي ندافع به عن انفسنا في مقابل وعود خائبة وأوهام يعرضها المحتل الاميركي للعراق". وأضاف ان "حماس ليست حماس 1996 و 1998"، في اشارة الى الاجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطة في ذلك الوقت ضد الحركة من اعتقالات ومطاردة وتقييد لعمل الحركة. لكن المسؤول الفلسطيني استدرك ان حركة "حماس ستعمل كل جهدها لعدم تمرير ما تريده اسرائيل في هذه المرحلة وذلك يتطلب الحكمة من قبلنا ومن كل الاطراف". شهيدان في الضفة وبعيدا عن الديبلوماسية السياسية والتصريحات التي تتحدث عن "فتح صفحة جديدة" بين الفلسطينيين ومحتليهم، استمرت اعمال التنكيل والقتل ضد الفلسطينيين، اذ قتلت قوات الاحتلال الاسرائيلي تلميذاً وعاملاً فلسطينيين في قرية قراوة بني زيد قضاء رام الله صباح امس، فيما اجتاحت قواتها طولكرم وجنين مجددا وواصلت عمليات الدهم والاعتقال. وقال شهود ان الفتى قتل بنيران الجيش اثناء توجهه الى مدرسته في القرية في ساعات الصباح بينما قتل العامل الذي كان يقود سيارته اثناء مروه في المنطقة.