من هو المثقف؟ سؤال لم يتفق على إجابة محددة له، وقديماً قيل إن الثقافة هي أخذك من كل علم بطرف، وعلى هذا الأساس وفي عصرنا الحاضر عصر التخصص وتطبيقاً لهذا التعريف يصعب ان يقال ان فلانا مثقف، فأستاذ الجامعة مثلاً ليس مثقفاً ولكنه متخصص في علم ازدادت معارفه فيه عمقاً دون توسع، ولكن يبدو ان التعريف سالف الذكر فقد معناه وأصبح المثقف هو من وصل إلى مستوى من التعليم وان كان في فرع من فروع العلوم والمعرفة، هل المثقف هو من ينتمي إلى نخبة المتعلمين؟ إذاً ما مستوى التعليم الذي يجب ان يصل إليه المثقف؟، هل التعليم الجامعي مثلاً هو الحد الأدنى؟ وإذا أخذنا بهذا الاتجاه فسيأتي من يجادل بأنه مثقف وان كان لا يحمل مؤهلاً جامعياً، فالعبرة في نظره هي في مستوى المعرفة، والمشكلة هنا من يحدد مستوى المعرفة؟ أعتقد لا أحد، وعليه فمن حق كل من يقرأ ويكتب ان يدعي انه مثقف فليس هناك اختبار تأهيل ولا مقياس عالمي معروف لذلك. وواضح ان المدى الذي يدخل ضمنه الإنسان الذي يعتقد انه مثقف هو مدى واسع بل واسع جداً، وقد رأينا كيف ان مجموعة من أبناء هذه البلاد تسمي نفسها بالمثقفين قد ردت على تساؤل ورد ممن يعتبرون أنفسهم مثقفين أمريكيين كان عددهم ستين مثقفاً ورد عليهم أكثر من هذا العدد من المثقفين السعوديين، وقد قيل ان نسبة ستين مثقفاً أمريكياً إلى عدد سكان أمريكا لا تتفق مع عدد مثقفينا مقارنة بعدد سكان المملكة، ولكن وكأن هذا العدد الكثير من مثقفي المملكة لا يكفي فقد رد عليهم مثقفون آخرون يزيد عددهم عن الأولين خطّأوا الرد برد مختلف، وانتقد الردود مثقفون آخرون غير أولئك، وحتى لا يفهم من مقالي هذا انني انتقد الردود أو ان لي وجهة نظر مختلفة، فأنا حسب التعريف آنف الذكر قد لا تنطبق عليّ مواصفات المثقف فأنا شخص متخصص إلا إذا تغير مفهوم المثقف، ولكن الذي أود قوله ان موقّعي الردود استناداً على توجهاتهم العلمية والمعرفية يدل دلالة واضحة ان مفهوم المثقف غير معروف، فلا يجمعهم مستوى محدد ولا تخصص ولا حتى ممارسة في الحياة العملية، وهذا يؤكد اختلاف مشاربهم وعدم الاتفاق على تعريف المثقف. قد يكون من المناسب إذاً ان يتسمّوا بمسمى يجمع بينهم بحيث لا يحق لأي دعي ان يدخل بينهم أي لو كان هناك صفة توحد هؤلاء وتجعل الانتماء إليهم محدداً مثلما هو واضح في جمعية المهندسين المدنيين أو المحاسبين أو غيرهم ذلك كفيل بتقديم المثقف لنفسه لدى الآخرين دون لبس أو غموض. السبب في هذا كله ان المثقفين يضطلعون تطوعاً بمسؤوليات هامة بل وحتى مصيرية، تتعلق بمصلحة الأمة الإسلامية والعربية والوطنية، هذه المسؤوليات في اعتقادي تحتاج إلى مستوى من العلم والدراية والحكمة وحتى الدهاء، لذا لا يجب ان يكون الباب مشرعاً لكل مدع للثقافة ان يلج من خلاله إلى عالم المسؤولية فيه كبيرة وقد ينوء الكثيرون بحملها. أقول هذا بعد ان قرأت أو سمعت عن بيانات كثيرة للمثقفين بتوجيهات مختلفة وعن مواضيع متعددة، بعضها لم يوفق لا في الطرح ولا في التوقيت، كما ان كثرة هذه البيانات أو المذكرات أفقدها قيمتها حتى أصبح العرض أكثر من الطلب كما يقول الاقتصاديون، أخشى ان يكون مصيرها إلى عدم الاكتراث حتى من معديها، كما انها للأسف، وبوجود الفضائيات وخاصة المغرضة منها قد تستفيد من هذه المذكرات في اخراجها من إطارها الصحيح واظهارها بمظهر لم يقصده من عرفوا انفسهم بالمثقفين، وهذه الفضائيات للأسف لا تهمها المصلحة العامة ولا الاصلاح وإنما تحركها أحقاد على المملكة وأهلها وتجد في مثل هذه المذكرات ضالتها للنيل من المملكة وقادتها، كنت أتمنى لو ان هذه المذكرات درست بعناية ليس في محتواها وإنما في توقيتها وأسلوب ايصالها لتحقق أهداف ذوي النوايا الحسنة من أبناء هذا الوطن، معروف ان هناك أولويات فهناك الأهم والمهم ومتوسط الأهمية والمستحسن، فأين يقع مكان هذه المذكرات؟ قد يقول قائل انها هامة جداً، وأنا لا أجادله في ذلك لكن أهميتها قد تتحدد أيضاً بتوقيتها، فهل درس التوقيت بعناية؟ لا أدري، ولكن في يقيني ان النية الخيرة موجودة والاختلاف بين الناس وخاصة من غير المثقفين مثلي وارد وقابل للنقاش، هل يرجع السبب إلى عدم دقة تعريف للمثقفين أم ان لا علاقة لذلك بالأمر. أعتقد ان الموضوع يتعلق بالتوجه الصحيح عند إعداد مثل هذه المذكرات والحاجة الماسة إلى تغليب العقل على العاطفة وعدم التسرع واختيار الوقت والظرف المناسبين ودراسة ما يمكن ان يضمن وما هو ممكن وغير ممكن، آخذين في الاعتبار طبيعة المجتمع وخصوصيته، فالمطالبة مثلاً بشيء يمكن تحقيقه أسهل وأكثر احتمالاً للاستجابة له من أمر يصعب الأخذ به أو تبنيه إما لأن وقته لم يحن بعد أو لأن الطموحات تتعدى الإمكانات، وهنا نعود ونقول ان مجرد كلمة مثقف قد لا تكفي للمشاركة في إعداد المذكرة بل ان هناك مؤهلات أخرى يلزم توفرها. وأمر آخر قد لا يقل أهمية عن التوقيت الصحيح والممكن وهو المصداقية التي يجب ان تتوفر فيمن يتحمل مسؤولية المطالبة بشيء أو نقد وضع أو تبني موقف معين، فكثير ممن يصفون انفسهم بالمثقفين خارج المملكة لهم مواقف متناقضة فيشجبون اليوم ما سكتوا عن مثله بالأمس ويتهمون الآخرين بأعمال غضوا الطرف عنها في السابق لا لشيء إلا ان المصالح الشخصية للأسف اختلفت، كما انهم يحاولون معالجة الأعراض لكن ينسون العلة الأساسية، من هنا يصعب تبني مواقفهم لأنها تتغير بتغير الظروف، وقد رأينا كيف ان المملكة لم تشفع لها مواقفها الايجابية على مدى خمسة عقود ووفائها بالتزاماتها المالية والدولية من ان تشكك بعض تلك الفضائيات بموقف مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز رحمه الله من القضية الفلسطينية في الوقت الذي تلتزم الصمت حيال من تحوم حوله الشبهات، المصداقية هامة وضرورية وبدونها يفقد أي موقف مرتكزه، المواقف المتناقضة والمبادئ التي يغيرها أصحابها كما تغير الملابس قد يصدقها بعض الناس لفترة قصيرة، لكن الواقع يفضح أصحاب هذه المواقف ويعريها مهما حاولوا التخفي بأردية الاصلاح والغيرة على الأمة، كيف يمكن لنا ان نصدق مثلاً ان أحد من يصف نفسه بالمثقف من أحد الأقطار العربية وفي إحدى القنوات التي تجد في نقد المملكة بضاعتها الرابحة وهو يقول ان المملكة تسعى إلى صهينة العالم العربي بالكامل، هل هذا المثقف لديه أدنى درجات المصداقية؟ بالطبع لا لكنه مع ذلك كان ضيفاً عزيزاً على تلك المحطة أما مثقفونا بالمملكة فأنا من أربأ بهم ان يشكك في مصداقيتهم واخلاصهم لوطنهم ولكنني في الوقت نفسه أتمنى عليهم ان يكونوا أكثر حرصاً على المصلحة العامة وان يقدروا الظروف ولا يعطوا للآخرين من خارج المملكة الفرصة للنيل من البلاد وقادتها. الثقافة وحدها لا تكفي لكي يتحمل الإنسان مسؤولية الافراط في التنظير وبناء قصور على الرمال، بل لابد من الواقعية وحساب كل خطوة بحرص وتأن واجادة فن الممكن والمصداقية وإلا فإن اطلاق صفة المثقف قد تكون قدحاً لا مدحاً.. فانتبه عزيزي القارئ وإياك ان يخدعوك فيقولوا لك انت مثقف بمعنى أنت لا تعي ما تقول. والله من وراء القصد..