سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة حفظه الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد .. قرأت يوم الثلاثاء الموافق 15 محرم 1424ه في الملحق «مجلة الجزيرة» في الصفحة رقم «23» الخلافات الأسرية وتأثيراتها السلبية على الطفل .. حاضراً ومستقبلاً.. ولي تعليق على هذا الموضوع وآمل قبوله بقبول حسن.. وتعليقي عن العنف الأسري، من المتسبب فيه الزوج أم الزوجة؟ أم البيئة المحيطة؟ أم المغروس في النفوس منذ الطفولة؟.. وأقول: إن الحياة الزوجية مسرح يمثل عليه الأزواج ما تعرضوا له في طفولتهم، فمن شب على عداء لا شعوري لوالديه، كان أدنى أن يصب عداءه على شريكه في الزواج.. من شاهد أمه تهين والده شب وفي نفسه شيء ضد المرأة، والطفلة إذا شاهدت والدها يهين أمها ويضربها، غرست تلك المناظر وتعمقت في نفسها وكرهت الرجل، فإذا كبر الطفل والطفلة وكون كل منهما أسرة، كانت تلك المناظر تعيش في لا شعورهما «العقل الباطن» حتى إذا ما حدث أي خلاف أو مشكلة وهذا طبيعي أن يحدث داخل الأسرة ظهرت على مسرح الأحداث تلك الشخصيات التي ما زالت تعيش في العقل الباطن. فالزوجة ترى في زوجها شخصية والدها الذي كان يضرب أمها، والزوج يرى في زوجته شخصية والدته التي كانت تهين والده، وقد يكون العكس صحيحاً، ومن هنا يبدأ كل منهما في التهيؤ للدفاع عن نفسه، وما زالت تلك المناظر من الماضي البعيد ماثلة أمام أعينهما، فهي لا تريد أن تُضرب مثل أمها، وهو لا يريد أن يهان مثل أبيه، كل ذلك إذا ما وصلت المناقشات إلى حد الصياح ورفع الأيادي. كذلك سنجد الطفل الذي نشأ مدللاً مسرفاً في الاتكال على والديه سنجده إن لم يجد في شريكه ذلك فسيثور ويغضب ويتمرد كما كان يفعل في طفولته. أما الطفل الذي لم يذق طعم العطف في صغره عزّ عليه أن يشعر به فيما بعد، واستحال أن يهبه لغيره. أما من شب شاعراً بالنقص حقيقي أو وهم ضعيف الثقة بنفسه كان شديد الغيرة في زواجه، شديد الحساسية لأية ملاحظة أو نقد. أما من شب أنانياً مسرفاً في حبه لنفسه، عاجزاً عن حب غيره، كان زواجه ناقصاً يعجز عن التضحية التي يتطلبها كل زواج سعيد، وإن رزق الزوجان بأطفال كان هؤلاء الأطفال هم أكباش الفداء. وهنا نتعرف على الأسباب التي تتسبب في حدوث المشاحنات والعنف، وان منشأها نفسي، ونتبين ان لحياة الطفولة أثرها الفعّال وللأسرة دورها الخطير في حياة الأفراد والمجتمع، فالأسرة لها التأثير في تعيين شخصيات أفرادها وتشكلها وتوجهها الى الخير والشر والى الصحة أو المرض. وقد يكون سبب العنف والمشاحنات والخصومات من البيئة المحيطة بالزوجين، أما أهل الزوجة بتدخلاتهم وعدم رضا الزوج عن ذلك، وإما بتدخل أهل الزوج وعدم رضا الزوجة عن ذلك ومن هنا تنشأ الخلافات والمشاحنات التي قد تصل الى مد الأيادي. وقد يعود الزوج من عمله متعباً محملاً بهمومه ولا يجد الراحة في البيت ويجد زوجته بانتظاره، وبدلا من تهيئة الجو المريح له لينسى هموم ومتاعب العمل، يجدها سببا آخر في متاعبه مما يجعله يقوم بأفعال وسلوكيات لا إرادية قد تصل لحد العنف، ولم تتصرف الزوجة بحكمة عندما شعرت بتعب زوجها فكانت السبب المباشر لحدوث الخصام والكلام الذي قد يصل للعنف كما قلت مسبقاً. وللمعلومية فان العنف وتوتر العلاقة بين الوالدين تؤثر في سلوك الأبناء، حيث أثبتت الدراسات والأبحاث ذلك. حيث إن الخلافات والمشاحنات والعنف الحاصل بين الزوجين تؤثر على سلوك الأبناء كما ان تربيتهم لن تصل الى الطريقة المثلى، وتخلق في البيت جوا من التوتر يؤثر في حياة الأبناء تأثيراً بالغاً وتحدث صعوبات في التكيف، وإذا الخصام أو العنف أدى الى انقطاع كامل أو الى ما هو قريب منه في العلاقة بين الوالدين وأصبح البيت متصدعاً ومتهدماً غدا البيت جحيماً في نظر الأبناء .. وان عاش الزوجان معا مراعاة لجمع أبنائهما، لكن ليس بينهما أي مودة أو اتصال أو تقارب، عاش الأبناء أجواء الطلاق النفسي والذي هو أشد وقعاً وتأثيراً على نفسياتهم من الطلاق الحقيقي. وحتى يجنب الآباء والأمهات الأبناء مثل تلك الأجواء والبيئات الموجودة فعليهما التنازل عن بعض المطالب، والتفاهم والابتعاد عن الأطفال أثناء المناقشة. كما يجب الابتعاد وتجنب الأسباب التي تؤدي بهما الى الخصام والمشاحنات ومن ثم مد اليد والعنف. وليعلم الزوج والزوجة انهما في هذه الحياة امتداد للجنس البشري ولهما رسالة في الحياة ستنتهي بنهايتهما وسيحملها غيرهما من بعدهما فليتركا لهما ذكرى حسنة وحميدة كما أنني أرى أن الأسرة المبنية على الأسس الصحيحة لتكوين الأسرة الإسلامية لن يحدث فيها العنف، لأن الزوج الموصوف والمتسم بالأخلاق والدين لن تمد يده الى زوجته وأبنائه، وتلك الزوجة التي اختيرت على أساس دينها لن تمتد يدها لتضرب زوجها، ولن ينطق لسانها بما يؤذي زوجها، وسيمنعها حياؤها ودينها من ذلك. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». وقال عليه الصلاة والسلام: «أيّما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة». والله أعلى وأعلم.