محمد العجمي علي البلهاسي: تمر المنطقة العربية بمنعطف خطير أمام إصرار الولاياتالمتحدة وبريطانيا واسبانيا على ضرب العراق وهو ما يلحق خسائر فادحة بالاقتصاديات العربية ويؤدي إلى تراجع مؤشرات أداء الاقتصاد العربي، حيث يرى الخبراء أن فشل الاقتصاد العربي في إقامة تكوينات اقتصادية قوية تواجه التكتلات العالمية والأزمات سيؤدي إلى زيادة هذه الخسائر وقدر البعض خسائر القطاع المصرفي في الحرب القادمة بنحو 60 مليار دولار وخسائر النفط العربي بنحو 80 مليار دولار إلى جانب توقف مراكز التجارة والنقل والسياحة مما يصيب الاقتصاد بشلل «الجزيرة» استعرضت الآراء حول الآثار الاقتصادية للعدوان الامريكي على العراق في هذا التحقيق: يقول الدكتور أحمد جويلي الامين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية إن المنطقة العربية طاردة للاستثمارات بما فيها استثمارات مواطنيها وان الاقتصاد العربي يعد من الاقتصاديات الهشة التي تواجه تحديات داخلية أكبر من الخارجية، فالعرب على مدار ال 50 سنة الماضية لم ينجحوا في إقامة تكوينات اقتصادية قوية تستطيع مواجهة التكتلات العالمية كما لم تنجح الدول العربية في تنويع مصادرها الانتاجية حيث مازال البترول يشكل 70% من الصادرات العربية ويصل حجم التجارة العربية 400 مليار دولار منها 100 مليار واردات والباقي صادرات بالاضافة إلى ارتفاع الفجوة التكنولوجية نتيجة لانخفاض حجم الانفاق على التطوير والتدريب. وأشار جويلي إلى خطورة ارتفاع الفجوة الغذائية التي وصلت إلى 15 مليار دولار سنوياً وانخفاض نسبة العرب من المياه، حيث ان المنطقة العربية تعد من أفقر مناطق العالم في المياه، نصيبها 0 ،5% من نصيب العالم وأوضح ان مجلس الوحدة وضع 4 آلاف فرصة استثمارية في 15 دولة عربية من المملكة العربية السعودية على الانترنت لخدمة المستثمرين في الدول العربية وترى الدكتورة نجوى خشبة أستاذ الاقتصاد ان ضرب العراق سيؤثر على المنطقة العربية كلها ويصيبها بحالة من عدم الاستقرار خاصة ان معظم الدول العربية تستورد من الخارج السلع الغذائية الأساسية والتي تصل في المتوسط 40% مما تستورد الدول، كما ستعاني المنطقة من عدم الاستقرار واضطرابات قد تنعكس على قطاعات السياحة والنقل، حيث سيزيد الاحساس لدى الناس بالعجز والغضب نتيجة لاعتداء امريكا على دول عربية مما يدفعهم إلى اثارة الاضطرابات في كل مكان وهذا سيخلق نتيجة سلبية على المنطقة وتضيف ان نسبة البطالة سترتفع نتيجة للكساد بالاضافة إلى انخفاض مستويات المعيشة وارتفاع التضخم. 60 مليار دولار خسائر الدكتور فؤاد شاكر امين عام اتحاد المصارف العربية يرى ان الخسائر المتوقعه تفوق بكثير حجم الخسائر التي منيت بها الدول العربية في حرب الخليج الثانية، فالقلق يتمثل في عائد الربح في الجهاز المصرفي بعيدا عن أوضاع البنوك ولن تتأثر أموال المودعين بصورة كبيرة في حالة حدوث الضربة العسكرية ضد العراق والتقديرات المبدئية للخسائر المتوقعة تشير إلى انها ستصل إلى أكثر من 60 مليار دولار. وأضاف أمين عام اتحاد المصارف أن الاتحاد يقوم حاليا بتحديد الخسائر على البنوك نتيجة للحرب الامريكية المحتملة ضد العراق بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الاسكوا»، مؤكداً ان أموال المؤدعين بالبنوك العربية لن تتأثر بالحرب وعلى المودعين الاطمئنان على ودائعهم، فالبنوك المركزية العربية تدرك هذه المشكلات ولديها احتياطات تؤمن مستحقات المودعين. وأوضح ان لهذه الحرب جوانب اقتصادية مختلفة على موارد السياحة والبترول والتحويلات بسبب حالة عدم الاستقرار التي ستحدث في المنطقة نتيجة للحرب. كارثة للتجارة يقول مصطفى زكي رئيس شعبة المستوردين ان تداعيات الحرب تظهر على اسواق المال العالمية التي انخفضت في كل الدول تقريباً والبورصات الاجنبية الامريكية والاوروبية باستثناء اليابان التي شهدت انخفاضاً حاداً خلال فترة التهديدات الامريكية المستمرة كما ارتفعت أسعار البترول المحرك الأساسي للصناعات وارتفعت أسعار الذهب ليصل سعر الأوقية إلى 356 دولاراً ويضيف ان أغلب التجارة الخارجية تكون عن طريق الملاحة وهو ما سيتأثر بالحرب سواء من حيث تكلفة النقل والتأمين على البضائع والمراكب، بل قد يدفع الشركات إلى عدم المرور في قناة السويس والاتجاه إلى طرق أخرى بعيدا عن مسرح الاحداث حتى لا تتعرض السفن لخسارة أو تدمير وهو ما يعد كارثة على التجارة الخارجية العالمية، حيث ارتفاع التكلفة التي ستضاف على أسعار الواردات وبالتالي على المستهلك. فشل أمريكا ويرى الدكتور أحمد السيد النجار محرر تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ان تأثيرات أي عدوان استعماري على العراق يتوقف على احتمالات فشله أو نجاحه في تحقيق الأهداف الامريكية والتي تتمثل في احتلال العراق وإسقاط نظامه وحكمه بشكل مباشر أو من خلال حكومة ألعوبة والتحكم في نفطة وتوظيفه لاحداث انهيار طويل الأجل في أسعار النفط فإذا فشل العدوان الامريكي في تحقيق أهدافه فإن اقتصاد العراق سيكون في وضع أفصل حتى لو استمر الحصار خاصة إذا خرج قرار الحرب من مجلس الأمن فسوف يكون رفع الحصار معدوماً ويضيف ان فشل الغزو الامريكي سيحافظ على أسعار النفط عند مستويات مرتفعة أو معتدلة حيث لن تستطيع امريكا توظيف نفط العراق في احداث انهيار للأسعار كنوع من استعادة عصر النفط الرخيص كصورة للنهب الاستعماري للثروة العربية الطبيعية خاصة ان واردات امريكا النفطية بلغت 10 ،8 ملايين برميل يوميا عام 2001 في حين ان انتاجها 6 ملايين برميل يومياً وقد ارتفعت قيمة الواردات الامريكية النفطية من 50 ،3 مليار دولار عام 1998 في المتوسط إلى 67 ،2 مليار دولار في عام 1999 في ظل سعر بلغ 17 ،5 دولاراً للبرميل وارتفعت إلى 119 ،3 مليار دولار عام 2000 عندما كان متوسط السعر 27 ،6 دولاراً أي ان الزيادة في قيمة الواردات الامريكية من النفط في مجموع عامي 1999 , 2000 بلغت 85 ،9 مليار دولار عما كانت ستدفعه بأسعار 1998. استفادة العرب ويشير أحمد السيد النجار في تقريره إلى ان البلدان العربية المصدرة للبترول ستستفيد بشدة من فشل الولاياتالمتحدة في تحقيق أهدافها من غزو العراق حيث ان تحرك سعر النفط صعودا أو هبوطاً يؤدي إلى تحرك الايرادات العربية بأكثر من 6 مليارات دولار في العام حيث إن الصادرات العربية من النفط تبلغ في المتوسط 17 ،5 مليون برميل يوميا ففشل الولاياتالمتحدة في السيطرة على نفط العراق يحمي ثروة العرب خاصة ان ايرادات البلدان العربية من النفط ارتفعت من 82 ،1 مليار دولار عام 1998 كمتوسط سعر 13 ،3 دولاراً للبرميل عام 1998 وإلى 118 ،1 مليار دولار عام 1999 عندما بلغ متوسط سعر البرميل 17 ،5 دولاراً وارتفع إلى 179 ،5 مليار دولار عام 2000 عندما كان متوسط سعر البرميل 27 ،6 دولاراً اي ان الدول العربية حققت زيادة في ايراداتها النفطية في عامي 1999, 2000 بقيمة 133 ،4 مليار دولار عما كان من ايرادات عام 1998 وأوضح ان قطاعات السياحة والطيران والفنادق والصناعات الصغيرة للتذكارات السياحية في البلدان العربية المستقبلة للسياح ستتأثر سلباً بالحرب وان كان قطاع السياحة والقطاعات المرتبطة به في المنطقة العربية في حالة معاناة أصلا منذ وقوع احداث 11 سبتمبر حيث كانت المنطقة تستقبل 30 مليون سائح في العام قبل أحداث 11 سبتمبر ولكن تراجع ففي مصر انخفض من 5 ،51 ملايين سائح عام 2000 إلى 4 ،65 ملايين عام 2001 وتراجعت الايرادات من 4 ،35 مليارات دولار إلى 3 ،8 ملياراً دولار كما في حالة فشل العدوان فلن تتأثر حركة العمالة العربية وان كان هذا الفشل سيدفع الادارة الأمريكية اليمينية المتطرفة إلى التوسع في عمليات المراقبة او التجميد للأموال العربية . نجاح العدوان ويضيف محرر التقرير الاستراتيجي الاقتصادي ان في حالة نجاح العدوان الامريكي في إسقاط النظام العراقي والسيطرة على الحكم في العراق بشكل استعماري مباشر أو من خلال حكومة دمية تحركها واشنطن فستعمل على رفع الطاقة الانتاجية إلى حدودها القصوى لتصل إلى أربعة ملايين برميل يومياً خلال شهور قليلة بل إن الشركات الامريكية تستطيع ضخ استثمارات لرفع الطاقة الانتاجية إلى ستة ملايين برميل يوميا في الأجل القصير من عام إلى ثلاثة اعوام ويتجاوز إلى عشرة ملايين برميل يومياً في الأجل الطويل وتوظيف ذلك لخفض الاسعار إلى المستوى المقبول امريكياً البالغ 15 دولاراً للبرميل بما يمكنها من إعادة حقن الآبار الامريكية بالنفط لزيادة الاحتياطي النفطي الامريكي الذي لا يتجاوز حجمه 21 مليار برميل لاطالة عمره الافتراضي الذي يقل عن عشر سنوات في ظل مستوى الانتاج الامريكي الذي يبلغ 6 ملايين برميل يومياً وبعدها ستضطر امريكا لاستيراد أكثر من 17 مليون برميل يومياً بافتراض ثبات استهلاكها النفطي الحالي، كما توظف نفط العراق لتمزيق منظمة الأوبك من خلال اختراقه لكل قواعدها خاصة نظام الحصص ويوضح ان الدول العربية ستفقد 80 مليار دولار من الصادرات النفطية اذا انخفض السعر من 28 دولاراً في المتوسط في الربع الأخير من عام 2002 إلى 15 دولاراً وهذا الانهيار في الأسعار سيؤدي إلى تدهور مستويات المعيشة واحتمالات تصاعد اضطرابات سياسية واجتماعية وستصل الخسارة السنوية للمملكة العربية السعودية من هذا الانخفاض 35 مليار دولار في العام وهذا الانهيار في الاسعار سينعكس على الاستغناء عن اعداد كبير من العمالة العربية وتراجع أعداد السياح وسيكون لها آثارها السلبية على مؤشرات أداء الاقتصاد العربي خاصة نمو الناتج المحلي الاجمالي ومعدل البطالة والموازين الخارجية وسيتيح نجاح العدوان لأمريكا التعسف وفرض نموذجها الاقتصادي على المنطقة العربية وستضغط لتحطيم مشروع التكتل الاقتصادي العربي لصالح إدماج اسرئيل في اقتصاد المنطقة وهذا مرفوض من الدول والشعوب العربية باستثناء دولة صغيرة وإمارتين أصغر. وينتهي النجار إلى ان المصلحة الاقتصادية العربية تقتضي العمل بكل الوسائل من أجل منع العدوان الاستعماري الامريكي المحتمل ضد العراق وعلى الدول العربية الرئيسية العمل على إصدار قرار يلزم كل الدول العربية بعدم تقديم اية تسهيلات أو مساعدة أو فتح أراضيها للولايات المتحدة في أي عدوان محتمل ضد العراق.