في كل مرة أكتب فيها مقالاً أتساءل بيني وبين نفسي أي القضايا سأطرح، وكيف سأناقشها وما أهميتها للقارئ، وهل هي لشريحة معينة، أم لقطاع واسع من القراء، وكيف يتسنى لشخصي ادراك قيمة ما كتبته، ثم هل وفقت في صياغة الموضوع المطروح وأوصلته كما يريد القارئ؟ في السابق كنت أتساءل ما هي مواصفات الكتابة الصحفية الجيدة، من حيث العبارات والألفاظ وحجم المقال.. وهكذا..، وصل للقارئ مشاركة الكاتب انفعالاته الشخصية ومشاعره، بمعنى هل يحق للكاتب أن يسجل تجاربه الشخصية كنوع من البوح أو أحيانا التشهير بآخرين أو الطعن فيهم أو استغلال زاويته للقدح في فلان، ومدح آخر لتصفية حسابات شخصية. أمور كثيرة تتعلق بمسألة الكتابة الصحفية، يدركها تماماً من يلج هذا الميدان، فالزاوية التي تمنح للكاتب من قبل الصحيفة التي يكتب فيها، هي مساحة اقتطعت ثقة به وبقلمه، ليتدرج فيها الكاتب في التفاعل مع قضايا مجتمعه، ويتمرس فيها قلمه على الكتابة الصحفية، ولابد أن تكون هذه المساحة جديرة بتلك الثقة التي منحته اياها الصحيفة التي يكتب فيها. ولكن كما يلاحظ بعض القراء فإن بعض الزوايا وعلى مستوى الكتابة الصحفية في الوطن العربي بشكل عام تتحول إلى زوايا تبث بين جنباتها مشاكل وردود فعل شخصية لا علاقة للقارئ بها ولا فائدة يجنيها من قراءتها، وفيها استغلال كبير للثقة، ولعل متابعة دقيقة للمقالات التي تنشرها الصحف سوف تجعلنا نقف على مثل هذه النماذج. إن الكاتب الصحفي هو شخص مكلف بتقديم ما يمس حياة الناس يتلمس مشاعرهم بالدرجة الأولى، وينقل قضاياهم، ويناقش همومهم، ويطرح أفكاراً ورؤى عامة، لأن الكتابة الصحفية هي هم جماعي لا فردي، والدليل أن أنجح الكتاب هم أولئك الذين لا مسوا قضايا عامة وطرحوها بشكل عملي. إن المطلوب في الكتابة الصحفية هو البعد عن ا لذاتية المفرطة، وكذلك التهويمات والألغاز والهمز واللمز، والإيمان بأن المساحة التي تتاح للكاتب هي منبر للتحاور والتخاطب، وتقديم ما يساعد على حل المشكلات ومؤازرة ما يدعم التوجه نحو اصلاح المجتمع وتطويره ورقيه.