سقى الله الأيام الخوالي وسقى الله الزمن البعيد ذهبت الى غير رجعة.. ذهبت بكل آلامها وآمالها.. ذهب ذلك الزمن بكل ما يحمله من ذكريات سعيدة ومؤلمة.. بعد ان كنت شابا اتوقد طموحا وكبرياء وانظر للمستقبل نظرة اعتزاز وفخر وأمل.. بعد ان كنت ابني احلاما جميلة وتطلعات اجمل.. بعد ان كنت مؤهلا في درجات عليا ومكانة مرموقة.. بعد ان كانت لي تطلعاتي واحلامي التي بلا حدود او قيود والتي بلا نهاية.. كنت احس انني كلما حققت شيئا منها تظهر لي اشياء أخرى كثيرة وباصراري وعزيمتي ودأبي المتواصل وسهر الليالي.. سوف احقق كل ما اصبو اليه بعد ان كنت شابا يمتلىء حيوية ونشاطا اريد كل شيء واسعى وراء كل شيء مشروع.. ذهبت احلامي ادراج الرياح وتلاشت آمالي مع اول نسمة هبت عليها وتحطمت طموحاتي وتكسرت جميع المجاديف التي كانت تحملني بكل عزيمة وقوة الى بر الامان.. في يوم ما ولا ادري ما السبب. هل هو الركود اللامتنا هي والملل الدائم والسير على وتيرة واحدة الى ما شاء الله وخصوصا بعد الحصول على وظيفة والتخرج من الجامعة قبل ذلك ونظام مكانك سر.. ام ان روح الشباب في سن الدراسة قد انطفأت ولم تعد تتوهج كما كانت عليه سابقا.. وهل لتقدم العمر سبب في ذلك.. هل حماس ايام الدراسة والشباب كفيل بأن يصنع المعجزات وهل لفترة المراهقة دور في ذلك هل ممكن ان تصنع المعجزات حتى وان كانت فوق طاقات البشر وتفوق امكاناتهم وقدراتهم.. هل انطفأ الحماس بكل معانيه والقدوم الى الحياة بكل قوة. هل حققت كل ما اصبو اليه وهذا مستحيل طبعا ولكن قد اكون حققت معظم ما اتطلع اليه ولكن ليس جميعه.. وهذا كاف جدا ورضا كبير.. وبعد ذلك لم اعد افكر في شيء اي شيء خصوصا اذا كان يفوق مقدرتي وتطلعاتي بمرحلة بسيطة ففاقد الشيء لا يعطيه غالبا. هل لأن الامكانيات التي كانت كفيلة بأن توصلني الى ما اريد ذهبت الى غير رجعة وبالتالي أسقط في يدي وداخلني اليأس ولم اعد اريد شيئا من الحياة الا الحياة فقط. هل هناك اسباب اخرى دفعتني الى هذا اليأس وفقدان الامل في ان احقق اي شيء يذكر بعد ذلك وانا الآن قابع خلف كرسي الوظيفة؟ الروتين صعب وممل ولكن اذا لم تتماش معه قد تجد نفسك على رصيف العمر وبين الازقة منبوذا لا احد يقدم لك المساعدة ولا احد يريدك وبالتالي سوف تفقد كل شيء حتى لقمة العيش اذا اردتها لابد وان تتبع خطا معينا في الحياة حتى وان كنت لا ترغبه ولا تحبذه.. لتشبع نفسك ناهيك اذا كنت من الاشخاص الذين يتولون مسؤولية ورعاية اناس آخرين عندها لن تعيش لنفسك فقط ولكن يجب ان تعيش لهم.. المهم هم وانت لا.. ويجب عليك ان تعمل ليل نهار حتى وان كنت غير راض عن عملك ذاك ولكن هذا ليس مهما.. المهم رضاهم فقط حتى وان كان على حساب نفسك وسعادتك الشخصية.. قد لا تحقق الكثير من احلامك وطموحاتك وتضحي بالكثير من آمالك وتطلعاتك في سبيل تحقيق الكثير من احلامهم وتوفير سبل العيش الرغيد لهم بالرغم من ذلك لا تجد جزاء ولا شكورا احيانا.. بل ربما اذا قصرت يوما ما اكيلت لك الشتائم واتهمت بالاهمال وعدم الاحساس بالمسؤلية واصبحت في موقف لا تحسد عليه وذلك لأنك عجزت يوما ما ولأي سبب من الأسباب قد يكون خارجا عن ارادتك وفوق امكانياتك ان تحقق رغبة لأحدهم بالرغم من انك طوال سنين عمرك وانت تكد وتكدح وتخدمهم وتسعى من اجلهم.. ولكن لا للتقصير ولا للاعتذار .. ولا للتعب حتى وان كان رغما عنك وبغير رضاك.. المال والمادة هما كل شيء في هذا الزمن الغريب فما دمت تأتي بالمال وتخدم مصالحهم فأنت منهم وفيهم وما عدا ذلك فأنت الملوم وليس لك عذر.. وبما انك اصبحت موردا ماليا وبنكا متحركا فأهلا بك واذا سقطت يوما فالكل يتخلى عنك ويتهمك بالكسل والتواني والخذلان.. المادة هي التي اصبحت القاسم المشترك الاعظم في الحكم على الافراد عجبا لزمن كهذا يتساوى فيه المقصر وغير المقصر.. الطيب والبطال. الانسان صاحب المبادىء والقيم الاسلامية والانسانية والآخر عكس ذلك. فما دمت تخدم المصالح وتدر الارباح المادية وتحقق احلام غيرك كنت رجلا حتى وان كنت لا تحمل من الاخلاق الا مسماها وأحرفها فقط.. واذا كنت غير ذلك فلست انساناً ما دمت لا تملك المال الذي يسخر الجميع لخدمتك فلا تكفي الاخلاق ولاتكفي الطيبة ولا المبادىء الانسانية الاسلامية.. المهم ماذا سنجني منك وماذا سنستفيد منك وماذا ستقدم لنا.. وما عدا ذلك لا نريد اي شيء سواه.. عجبا لهذا الزمن فهو يختلف كثيرا عن الزمن الماضي في كل شيء.. كل شيء بدون استثناء في ناسه وخيره وشره وطبيعته وخيراته.. صحيح ان كل ماض يحمل آلاما كثيرة ولكنه ايضا يحمل آمالا اكثر وطيبة اكثر وتواضعا اكثر واناساً طيبين كثيرين لم تغيرهم المدنية ولم تؤثر فيهم المادة ولكن هيهات ان يعود الماضي بكل ما يحويه من ايجابيات وحتى سلبيات كنا راضين عنها تمام الرضا لانها كانت كزبد البحر لا تبقى في النفوس الا لحظات معدودة ومن ثم تزول ويرجع كل شيء الى سجيته.. لن يعود ذلك الزمن ولن نستطيع نحن ان نرجعه وليس لنا الا ان نحيا حياتنا كما يريدها الجميع وليس كما نريدها نحن شئنا ام ابينا.. المهم ان يتمسك الانسان بمبادئه وقيمه الانسانية والاسلامية لأنها هي التي ستبقى وغيرها الى زوال لا شك في ذلك وهذا هو عزاؤنا الوحيد.