تحقيق: مسفر القحطاني ومنصور السعيدان: يتميز المعلم عن غيره بأنه ذو رسالة تربوية، فهو إنسان يتعامل مع فلذات الاكباد بالتربية والتوجيه، لذلك كانت له مكانته الخاصة في نفوس أفراد المجتمع وفي نفوس النشء الذي يتطلع لأداء دوره المستقبلي في بناء الوطن وتنميته. ولخصوصية الدور الذي يؤديه المعلم تجاه أبنائه الطلاب، ولما لوحظ من وجود جفوة بدأت تظهر اثارها مؤخراً في علاقة الطالب بأستاذه.. يجيء هذا التحقيق عبر لقاءات ببعض المعلمين والطلاب داخل الميدان لاستطلاع آرائهم، ومحاولة ردم الهوة حتى لا تترك آثارها على التحصيل العلمي لأبنائنا. الجفوة ملاحظة في البداية التقينا مع الأستاذ: محمد بن فهد الصولة الذي أقر بأن هناك جفوة قد حدثت مؤخراً بين المعلم والطالب، وقال إن الأمر مشترك بينهما، بمعنى أن التنافر أن حصل فإنه يرجع لتعامل المعلم مع الطالب وللردة العكسية من قبل الطالب لذلك والتي تزيد الجفوة بينهما. وأورد الصولة بعض الأمور التي تقع من قبل المعلم ولها تأثير كبير في ذلك منها: إخلاص العمل لله سبحانه وتعالى، فللأسف نجد أن الحاصل في وقتنا الحاضر من إخواننا المعلمين من أخذ مهنة التعليم على أنها وظيفة تؤدى ونسي أو تناسى أنها رسالة سامية تتعدى هذه الحدود بكثير قال تعالى: { يّرًفّعٌ اللهٍ الذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وّالَّذٌينّ أٍوتٍوا پًعٌلًمّ دّرّجّاتُ}، كذلك مطابقة القول للعمل بحيث يكون المعلم قدوة لأبنائه من الطلاب وان يكون حديثه معهم وتوجيهه مطابقاً لواقعه وحاله لكي يكون تأثيره بليغاً في طلابه. قال تعالى: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا لٌمّ تّقٍولٍونّ مّا لا تّفًعّلٍونّ كّبٍرّ مّقًتْا عٌندّ اللهٌ أّن تّقٍولٍوا مّا لا تّفًعّلٍونّ}. يقول أبو الأسود الدؤلي: يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم كذلك العدل والمساواة بين الطلاب ومعاملتهم معاملة واحدة. قال تعالى: {إنَّ اللّهّ يّأًمٍرٍ بٌالًعّدًلٌ وّالإحًسّانٌ وّإيتّاءٌ ذٌي القٍرًبّى" وّيّنًهّى" عّنٌ لفّحًشّاءٌ وّالًمٍنكّرٌ وّالًبّغًيٌ يّعٌظٍكٍمً لّعّلَّكٍمً تّذّكَّرٍونّ}. فاختلال ميزان العدل عند المعلم كفيل بأن يخلق التوتر وعدم الانسجام والعداوة والبغضاء بين الطلاب وكفيل كذلك بان يجعل هوة واسعة بين المعلم وطلابه الآخرين، لذا على المعلم أن يحرص على تحقيق العدل والمساواة بين طلابه لكي تشيع اجواء الإخاء والمحبة بينهم. كذلك الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة لهما اثرهما الايجابي على النفوس وتأليف القلوب، وذهاب الضغائن والأحقاد من الصدور. وكذلك الابتسامة التي يظهرها المعلم في وجوه طلابه لها المردود الإيجابي لدى الطلاب. وتواضع المعلم أيضاً طريق سهل لكي يحقق أهدافه التربوية المرسومة. لأن الطلاب لا يرتاحون إلى المعلم المتكبر والمتغطرس فلا يصدقونه مشاعرهم وأحاسيسهم وما يواجهونه من صعوبات مما يجعل الفائدة التي يحصلون عليها من مثل هذا المعلم قليلة جداً. بالإضافة إلى ضرورة البعد عن الغضب والتحلي بالصبر. قال تعالى: { إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ}. كما أن قوة الاحتمال من الأمور المهمة التي يجب أن يتحلى بها المعلم مع تجنبه الكلام الفاحش. وختم الصولة حديثه بضرورة ظهور المعلم بالمظهر اللائق حتى يستطيع أن يكون قريباً من طلابه ومؤثرا فيهم. فواقع معلمينا الآن يشير إلى وجود بعض الذين قد لا يتحلون بتلك الصفات والأخلاق، ومن هنا نشأت هذه الفجوة بين المعلمين والطلاب. بعض الامور.. وحول الأمور التي يمكن أن تزيل الجفوة بين المعلم والطالب يقول الأستاذ خالد بن حمد المهيني: ان مما يتوجب على المعلم القيام به تجاه طلابه أن يعاملهم وكأنهم أبناء له كي يعاملوه كأنه أب لهم، فإن الطباع اللازمة للطلاب انهم يحبون من يتحبب لهم ويميلون إلى من أحسن إليهم ويأنسون بمن يعاملهم بالرفق ويقابلهم بالبشاشة والبشر والحرص على مبادلتهم السلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم». فما لم يشعر الطلاب أن معلمهم يحبهم ويحب الخير لهم فلن يقبلوا على التلقي منه ولو أيقنوا أن الخير عنده وأي خير يمكن أن يتم بغير حب، فواجب المربي الحاذق والمخلص إذا أراد أن يصل إلى نفوس طلابه من أقرب طريق أن يصلح نزعاتهم بأيسر كلفة، وأن يحملهم على طاعته وامتثال أمره بأسهل وسيلة بأن يتحبب إليهم ويقابلهم بوجه متهلل، ويبادلهم التحية بأحسن منها ويحادثهم بلطف وبشاشة ويظهر لهم من الحنان والعطف ما يحملهم على محبته، فإذا أحبوه أطاعوا أمره ووصل في توجيههم في الصالحات إلى ما يريد، وتمكن من حملهم على الاستقامة وطبعهم على الخير والفضيلة. فإذا ملك نفوسهم بهذه الطريقة حبب إليهم المدرسة والقراءة والعلم. جولة مدرسية.. وفي جولة داخل إحدى المدارس ومن خلال اللقاء مع بعض الطلاب لاستطلاع الرأي حول هذا الموضوع التقينا مع الطالب فهد بن عبدالرحمن الشايع الذي أوضح أن وجود الجفوة بين المعلم والطالب يرجع بالدرجة الأولى إلى المعلم، فالملاحظ الآن في المدارس أنه يوجد العديد من المعلمين ولكن نجد أن هناك نخبة منهم يشار إليها بالبنان ونجد أن أغلب الطلاب يثنون عليهم ويكنّون لهم كل تقدير واحترام وذلك ناتج بلا شك من معاملتهم الحسنة وتقديرهم لشخصية الطالب داخل المدرسة ومعاملتهم للطلاب معاملة تليق بهم بعكس بعض المعلمين وللأسف والذين لا يراعون مشاعر الطلاب وأحاسيسهم فلا نجد منهم إلا الاستهزاء والازدراء وهذه سلوكيات لها آثارها السلبية في العلاقة بين المعلمين والطلاب مما يؤثر على تقبل الطالب للمعلم ومادته التي يقوم بتدريسها بالإضافة إلى كره المدرسة.. يقول الشاعر ارض للناس جميعا مثلما ترضى لنفسك غير ظعدل أن تَوخّى وحشة الناس بأنسك فلهم نفس كنفسك ولهم حس كحسك البعد والتنافر.. أما الأستاذ خالد الجذمي فيرى أن أسباب الجفوة تعود لعدم استحضار بعض المعلمين فضل العلم والتعليم والمكانة والأمانة الملقاة على عاتقهم: يقول الله تعالى: {إنَّا عّرّضًنّا الأّمّانّةّ عّلّى السَّمّوّاتٌ وّالأّرًضٌ وّالًجٌبّالٌ فّأّبّيًنّ أّن يّحًمٌلًنّهّا وّأّشًفّقًنّ مٌنًهّا وّحّمّلّهّا الإنسّانٍ إنَّهٍ كّانّ ظّلٍومْا جّهٍولاْ}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». فالمعلمون رعاة وهم مسؤولون عن رعيتهم وهم بناة والباني مسؤول عما يقع في البناء من زيغ وانحراف. فإن كان تكوين المعلم صالحاً كانوا رعاة صالحين لأمتهم ولانفسهم وإن كان فاسداً ساءت آثاره في الأمة. قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله -: «فالمعلم مأجور على نفس تعليمه، سواء أفهم المتعلم أو لم يفهم، فإذا فهم ما علمه، وانتفع به بنفسه أو نفع غيره - كان الأجر جارياً للمعلم مادام النفع متسلسلاً متصلا». مما سبق من فضل العلم والتعليم ووجوب استحضار ذلك من قبل المعلمين، نستطيع أن نعالج تلك الجفوة الحاصلة بين المعلم والطالب بل نستطيع أن نعالج جميع الموضوعات التربوية التي تعتري المعلمين والطلاب في المعترك التربوي. شخصية المعلم وحول شخصية المعلم ودورها ذكر المرشد الطلابي الأستاذ عبدالرحمن بن عمر الجلال أن هيبة المعلم داخل المدرسة وخارجها تعد من أهم المكتسبات التي تساعد على تميز الشخصية ونضوجها والتي بدورها تساعد على كسب ثقة الطلاب واحترامهم، وقال إن هناك ضرورة في استغلال العديد من المناسبات التي تمر طوال العام من مثل يوم المعلم العالمي من خلال تكريم المعلمين وتركيز وسائل الإعلام على ذلك ومحاولة إشراك الطلاب فيه بغية خلق جو صحي وتآلف بين الطالب والمعلم. وأكد على أهمية النشاط المدرسي ودوره الرائد من حيث عمل المهرجانات والمسابقات التي تقام داخل المدرسة ومشاركة الطلاب في ذلك لما له من أثر بالغ في التآلف والمحبة بين المعلمين وطلابهم. ويضيف الأستاذ خالد بن إبراهيم العييناء أن مما يزيد الجفوة والبعد بين الطالب والمعلم غياب القدوة الصالحة والمؤثرة، ولقد وضع القرآن الكريم قواعد محكمة حتى لا يغيب أثر الدعوة في المدعوين ولا يقل أثر المعلمين في التلاميذ وعن أثر الدعوة في المدعوين يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {أّّتّأًمٍرٍونّ الناسّ بٌالًبٌرٌَ وّتّنسّوًنّ أّّنفٍسّكٍمً وّأّّنتٍمً تّتًلٍونّ الكٌتّابّ أّّفّلا تّعًقٌلٍونّ}. لها أسباب.. وحول الأسباب التي تسبب البعد بين الطالب والمعلم يقول الأستاذ محمد بن علي الجريان: إن هناك عدة عوامل منها بعض وسائل الإعلام العربية التي تناولت المعلم وللأسف بالسخرية والاستهزاء والانتقاص من حقه مما ينتج عنه ضياع هيبته في المجتمع. كذلك تشارك في ذلك الجهات المسؤولة عن التعليم وذلك من خلال قلة التوجيه السليم للمعلمين وعدم عقد الدورات والندوات المتخصصة بغية إعداد المعلم الكفء في جميع النواحي. كذلك ولي الأمر الذي يغفل عن دوره في غرس حب المعلم واحترامه وإيضاح دوره في التربية والتوجيه. كما أن إغفال مدير المدرسة لدوره في تهيئة المدرسة والمعلمين وتوجيه الطلاب التوجيه السليم له دوره في بناء شخصيات المعلمين والطلاب. كما يضيف الطالب: عبدالهادي بن حمد الودعاني حول هذا الموضوع بأنه قد يرجع لعوامل عديدة فللأسف نلاحظ المدارس بمبانيها المستأجرة وغير المهيأة ذات التكييف السيئ ناهيك عن ضغط الحصص والحشو الموجود فيها بالإضافة إلى عدم تأهيل بعض المعلمين والذي اتخذ من التعليم مهنة يأتي للمدرسة من اجل أن يشحن الطلاب بمعلومات المنهج المدرسي فقط بعيداً عن التأثير الإيجابي في السلوك. فهذه الأمور السابقة وغيرها لها أثرها في نفوس الطلاب مما يجعل التقبل لديهم ضعيفاً. وحول الحلول المقترحة لإزالة الجفوة بين المعلم والطالب يذكر الأستاذ: فيصل بن علي دغريري أن قدوتنا في ذلك حبيبنا المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان أرفق الناس بالناس. وكان صلى الله عليه وسلم يراعي نفسياتهم وأحوالهم، كيف لا وهو الذي قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه»، وقال عليه الصلاة والسلام:«إن الله عز وجل يحب الرفق في الأمر كله» والنفس البشرية تميل إلى الرفق ولين الجانب وطيب الكلام وتأنس به، وتنفر من الجفوة والغلظة. لذا كان حرياً بالمعلمين والمربين أن يعوا هذا الجانب ويطبقوه على تلاميذهم وطلابهم ولقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حسن تعليمه ورفقه بصحابته رضوان الله عليهم.. كما في الحديث المروي عن أنس بن مالك رضي الله قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم: مَهْ مَهْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزرموه، دعوه» فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله والصلاة، وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء فسنه عليه. فنلحظ هنا رفق النبي عليه الصلاة والسلام بالاعرابي وحسن تعليمه له، فلم يعنفه ولم يوبخه بل دعاه وعلمه برفق الأمر الذي يجهله. وهنا نلحظ ما ينبغي على المعلم القيام به حيال طلابه من الرفق وحسن التعليم ليظهر تأثيره فيهم.