أخيرا تخرجت وتخصصت وتعينت بمستشفى حكومي وأصبحت دكتورا استشاريا قد الدنيا ولكن المشكلة هي نفس المشكلة «المهية مش قوي» الراتب لا يفي بمتطلبات الحياة التي تحولت فيها الكثير من الكماليات إلى ضروريات. ما الذي يجب أن تفعله لتحسين وضعك؟ بحيث تصبح قادرا على الصمود في حرب الاستنزاف التي تخوضها ضدك المدام وأركان حربها أبناؤها البررة. إليك عدداً من الطرق المجربة لزيادة الدخل لعلها تفلح في حل مشاكلك. الشغل على قدر الراتب: أنت تعمل في الجهة الحكومية «ألف» براتب وقدره «سين» من الريالات وزميلك بنفس الشهادات ونفس سنوات الخبرة ونفس ساعات العمل يعمل في الجهة الحكومية «باء» براتب وقدره «اثنين سين» أنت لسبب أو لآخر لا تستطيع أن تنتقل من المستشفى «ألف» إلى المستشفى «باء» . الحل هو أن تعمل نصف ساعات الدوام تأتي الضحى التاسعة صباحاً وتغادر الظهر الواحدة أو الثانية ظهراً وبذلك يكون الأمر عدلا وإذا كان غيرك يستمتع بدخل أعلى فأنت تستمتع بوقت أطول تمضيه مع عائلتك. وبدلا من غداء جامد «أكل مرضى» داخل المستشفى تتناول غداءك مع العيال وبدلا من نكد المناوبات الليلية هناك الكثير من المتع والمباهج المسائية التي يمكن أن تملأ بها فراغك، فمن مشاهدة الدوري الايطالي إلى لعب البلوت مع شلة الأنس داخل خيمة في حوش المنزل إلى آخره مما يطول سرده وشرحه. والرأي عند هؤلاء الزملاء هو: أنا يا جماعة ما قصرت أعطيتكم من الشغل على قد قروشكم. المشكلة هي أن الإنسان قد يعطي النفس هواها فبدلا من الحضور التاسعة صباحاً قد يتدرج الأمر إلى الحضور قبيل الظهر، بل أحياناً الغياب بالكامل لأنك كنت سهران البارحة، بل أحياناً الغياب يكون في أوقات حساسة مثل وقت العيادة أو وقت العمليات والتي تترك ليصرف أمرها من هو تحتك من الأطباء وتصبح الحاضر الغائب، حاضر في الأوراق فتحت اسمك يدخل المريض وتجرى الكشوفات ولكن الغائب دائماً. وداعاً أيتها السماعة: ما دام الراتب نص ونص فهنا أنا ملزم بالعمل الإكلينيكي داخل المستشفى؟ العمل الإداري أكثر وجاهة وهيبة، أيهما أفضل أن يقال مدير مستشفى أو رئيس قسم، أو أن يقال استشاري أو استشاري أول والمثل الشعبي يقول: «الحكم فرحة ولو على فرخة». وبدلا من أن لا تجد ماصة صغيرة تكتب عليها التقارير اليومية، سيكون لك مكتب وسكارتارية، وبدلا من أن يتعذب الناس في الاتصال بك، سيكون لك خطك التليفوني المباشر، وبدلا من أن تقف في طوابير الكافتيريا، سيصلك الأكل ساخن إلى مكتبك، انه يا عزيزي العز بدلا من الكرف وضنى المناوبات والسهر والابتعاد عن البيت والأصدقاء. ليس المال كل شيء في الحياة، شيء من الوجاهة والسمعة لا يقل أهمية عن المال بل قد يفوقه كثيرا، حتى المرضى ان تخرج بعد اليوم معهم أو تعتذر بضغط العيادة وكثرة المراجعين، هناك ألف إكلينيكي يأتمرون بأمرك، ويفحصون مرضاك ويقومون نيابة عنك بعلاجهم، التعب على ظهر غيرك أما المعروف فهو في وجهك الذي سيبقى أبيض دائماً. المرافق الإكلينيكي: المرضى أنواع وأشكال وبالتأكيد يوجد من بين مرضاك من هو ميسور الحال أو وجيه أو مسؤول أو كبير في قومه «أقرب من السعيد تسعد» لماذا لا تتحول إذا العلاقة من علاقة طبيب بمريض إلى علاقة أوثق لتصبح مرافقاً إكلينيكياً تسافر معه إذا سافر وتشرف على برنامجه الصحي إذا عاد، وتجمل مجلسه في ساعات الراحة، أعرف أطباء سلكوا هذا المسلك وأغدق عليهم أرباب نعمتهم بالمال والاحترام. ولكن هذا الطبيب الذي كان يعلم المئات ويعالج الألوف أصبح طبيباً خاصاً لعدد محدود من المهمين بدأ يذوي ويفقد بريقه تماما مثل الزهرة تكون نضرة وجميلة وهي في التراب ولكنها تموت رغم انك تضعها في إناء فاخر عالي الثمن. يا معاشر الأطباء قدركم أن تعالجوا المحتاجين والضعفاء، فبهم تنصرون وزكاة علمكم أن يناله هؤلاء، أما أن تقصروه على قلة تستحق منكم كل الاهتمام فهذه أنانية وأثرة عاقبتها في نهاية الأمر غير محمودة. الرحيل الرحيل: ذكرنا سابقا أن بعض المستشفيات الحكومية تدفع لأطبائها ضعف ما تدفعه مستشفيات حكومية أخرى والحل بكل بساطة هو الهجرة إلى حيث الماء والكلأ تماما كما كان أجدادك يفعلون بحثا عن مرعى خصيب لأنعامهم، الفكرة رغم منطقيتها سهلة في القول صعبة في التنفيذ. أولا يجب أن تتأكد من وجود وظيفة شاغرة لدى المستشفى ثم بعد ذلك يجب أن تتأكد من أنهم على استعداد لقبولك في تلك الوظيفة فمعايير القبول أحيانا يكون فيها شيء من العدالة وأحياناً أخرى لا تخلو من النذالة، من أنت ومن هو أبوك وما هي واسطتك وكأننا سنزوجه بدلا من تعيينه. وإذا قدر ونجحت مع الجهة المستقبلة، فإن رحلتك مع الجهة المودعة عذاب ما بعده عذاب، نحن صرفنا عليك سنوات ولا بد أن نقطف الثمرة، لا نستطيع إعطاءك إخلاء طرف. أعرف طبيبا عاد بعد سنوات طويلة من التخصص إلى المستشفى تكرمت عليه إدارة المستشفى بعد عدة أشهر بفتح عيادة واحدة ونصف يوم عمليات وعندما حصل على عرض وظيفي في مستشفى آخر اكتشفوا أهميته، نحن نحتاجك، هناك حالات كثيرة بانتظارك. العيادة الخاصة: لماذا يكون كل دخلك من جهة واحدة، هل من الحكمة أن تضع بيضك في سلة واحدة، لماذا لا تقدم خبرتك من خلال عيادة خاصة وما أكثر المراكز والمستشفيات التي هي على استعداد لاستقبالك مساء وتوفير الجو الملائم لك؟ إنه التقليد المتعارف عليه عالميا أن يعمل كبار الأطباء في أكثر من مكان. المشكلة أن غيرنا سبقنا في تنظيم العلاقة بينما نحن ما زلنا نراوح بين الرفض والقبول. أفلحت هذه الطريقة في تحسين الوضع المادي للكثير من الأطباء الناجحين والذين يملكون مواصفات العمل الخاص من طول البال وسعة الصدر ووضوح الرؤية والمهارة الفائقة في الاتصال بالمرضى والقدرة على تكوين فريق كفء وفعال. ولكن المزالق التي قد يقع فيها أصحاب هذه الطريقة هي تضييع الكثير من المصالح الاجتماعية والأسرية الضرورية، لكن يمكن الجمع بين هذه الالتزامات التي تحتاج إلى وقت كثير بينما اليوم لا يوجد به إلا أربع وعشرون ساعة. ومن المزالق إهمال العمل العام على حساب العمل الخاص لدرجة. القناعة كنز لا يفنى: أصحاب هذه الطريقة لديهم نظرة مختلفة، زيادة الدخل لا تعني بالضرورة تحسين الوضع المهم ان تصطلح مع نفسك وأن تعيش سعيداً وتقنع بما قسم لك، لماذا كل الجري المسعور وراء المزيد من المال، هل نحن نعيش بثياب مرقعة وإدامنا الخل والزيت، إننا نركض بجنون وراء مزيد من المال لشراء كماليات لا تقدم ولا تؤخر في حياتنا، ما هو الفرق بين سيارة جيدة ومتينة وسيارة فخمة، كلاهما يؤدي المهمة، وما هو الفرق بين فيلا 700 م2 وفيلا 200 م2 أنت لا تنام ولا تجلس إلا في غرفة واحدة. من الخطأ أن تقارن نفسك بغيرك فالله قد قسم بين الناس أرزاقهم، ومن الخطأ أن تعتبر مستوى الدخل مقياساً وحيداً للنجاح، دعونا نمضي في رحلة الحياة القصيرة وقد طرحنا من صدورنا هذا الهم. * المشرف العام على مركز النخبة الطبي