في الانتفاضة الأولى في زمن الاحتلال كان العملاء هم المطاردون وفي الانتفاضة الثانية في زمن السلطة الفلسطينية أصبح قادة الانتفاضة هم المطاردون بلا هوادة من قبل العملاء وجنود الاحتلال، ولا همّ لهم سوى النجاة بأنفسهم..!! لم تسلم من القتل الصهيوني المنظم للفلسطينيين عجوز في الخامسة والتسعين من عمرها ولا وليد عمره شهر واحد..!! لم نسمع كلمة استنكار اسرائيلية واحدة على مقتل النساء والاطفال، ومع ذلك فقد سئم الفلسطينيون من كلمات الاستنكار والشجب والادانة التي تصدر من المسؤولين في السلطة الفلسطينية عند مقتل كل اسرائيلي..! ونستغرب كيف لم يطلب هؤلاء من الفلسطينيين في الداخل والخارج والمنافي وفي الشتات وفي مناطق (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(ه) وفلسطينيي 1948 وفلسطينيي 1967 واللاجئين والنازحين والقائمين والقاعدين ان يرفعوا الأعلام السوداء حدادا على (أبرياء اسرائيل)!! نحن لا نتهم احداً.. فهذه مهمة التاريخ..!! وقد علَّمنا التاريخ انه لا يتآمر.. لكنه يسجل المؤامرات..!! ولكننا نستغرب ان يظل الذين ادخلونا في متاهات وزواريب (أوسلو) يواصلون السير بنا في متاهات جديدة.. تارة في مفاوضات سرية وأخرى علنية تؤدي بنا في نهاية المطاف الى (أوسلو) جديدة ومذبحة جديدة وكأن سقوط اكثر من الفي شهيد وخمسين ألف جريح وألفي معاق وأكثر من 10 آلاف اسير ومعتقل خلال عامين لا تكفي..!! ونستغرب أيضاً كيف لم يستدع احد من الذين اداروا المفاوضات السرية في (أوسلو)، وأصدروا مذكراتهم الشخصية التي يتبجحون فيها بانجازاتهم الباهرة في تحقيق ما عجز الأولون والآخرون من زعماء الجهاد الفلسطيني من تحقيقه طوال قرن من الزمان..! كيف لم يستدع احد منهم حتى ولو في مناظرة تلفزيونية ليصارح شعبه كيف أوصله الى طوابير النعوش اليومية..!! ونستغرب أيضا وأيضا وأيضا بأن أحداً منهم أو من أبنائهم لم ينضم الى قوافل الشهداء..!! ونصاب بالذبحة عندما يخرج علينا (عراب أوسلو) ويتهم شعبه بعسكرة الانتفاضة ويبرئ الاحتلال..!! فهذا الرجل وجد في نهاية مطاف (أوسلو) بأن مشكلته الحقيقية لم تعد مع عدوه السابق، بل مع شعبه الحالي..!! واسرائيل تدرك ذلك جيدا، وهي تحاول مساعدته بكل يد حانية..!! وعراب (أوسلو) استقر في محطة لا يرى من نافذتها غير مشهد واحد يتعلق بالخلافة..!! اذن فلا معنى للسلام بدون عراب السلام..!! انه سر من أسرار أوسلو..!! ما أكثر الأسرار.. وما أصغر أوسلو..!! بعد توقيع (أوسلو) أعلن العراب بأن هذا الاتفاق إما أن يؤدي الى قيام دولة فلسطينية مستقلة أو يكرس الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا وذلك حسب تعاملنا معه! لأن آلية الاتفاق تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة..!! إذن فالشعب الفلسطيني هو الذي يحاصر تل ابيب ويحتل اجزاء منها في الليل وينسحب في الصباح بعد تدمير منازل الإسرائيليين وقتل اطفالهم وإجهاض نسائهم وطردهم في العراء..!! والشعب الفلسطيني هو الذي اعاد احتلال المدن والمخيمات والقرى الإسرائيلية وقتل أبناءهم ودمر مؤسساتهم وحاصر مقر رئاستهم..!! والشعب الفلسطيني هو الذي يستخدم طائرات ال إف 16 والأباتشي الامريكية الصنع وقنابل الغاز المحرمة دوليا ضد المدنيين الإسرائيليين العزل، ويقطع الماء والكهرباء عن المستوطنات الإسرائيلية لأشهر طويلة..!! والشعب الفلسطيني هو الذي يقتحم المدارس وقاعات العلم الإسرائيلية مستخدما الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع.!! وهو الذي يحاصر المدن والمستوطنات الإسرائيلية مستخدما حرب التجويع وتخريب الممتلكات الزراعية وإغلاق المعابر الحدودية ومنع دخول المواد الغذائية والإمدادات الطبية والمحروقات الى المدنيين الآمنين الإسرائيليين..!! لهذا فشل (أوسلو) في إقامة الدولة الفلسطينية لأننا لم نعرف ان نتعامل معه..!! إنه مرض أكبر منه مؤامرة..!! إنها عقدة نقص اكبر منها مسايرة لمناخ بات يرى العلاقة مع العدو طبيعية والعلاقة مع الاخ مسألة فيها نظر! مواطن فلسطيني دمر منزله مؤخرا في رفح عندما سمع عراب (أوسلو) يتبجح بإنجازاته على صعيد إقامة الدولة الفلسطينية في المحاضرة التي ألقاها مؤخرا في غزة قال: ليتها لم تزن ولم تتصدق!! إن على (عراب أوسلو) وزمرة المتساقطين الذين يكيلون التهم للانتفاضة في محاولة يائسة لكسب رضا العدو الاسرائيلي أن يدركوا جيدا شرعية المقاومة في ممارسة حقوقها وواجباتها، تلك الحقوق التي كفلتها كل الأنظمة والشرائع وهي حقوق تولدت من معاناة طويلة لآثار احتلال طارد زعماء وقادة وكوادر المقاومة وقتلهم امام عائلاتهم وأطفالهم، وانتقل بكل هذه الجرائم من صف الدولة إلى صف العصابة. إن الشعب الفلسطيني هو شعب النضال والتضحيات، لم يهن ولم يستسلم منذ أكثر من قرن من الزمن، ولم يتوقف شلال الدم على أرض فلسطين على الرغم من كل التسويات والتنازلات والانهيارات، كان الشعب الفلسطيني يخرج دائما من تحت الانقاض كطائر الفينيق فيعيد الروح ليس فقط إلى الانتفاضة بل والى كل الأمة العربية وإلى كل الشعوب المحبة للسلم والعدالة. لقد استخدم الشعب الفلسطيني وطوال قرن من الزمن، كل أشكال ووسائل النضال المعروفة وغير المعروفة، حتى تلك التي لا يتخيلها بشر.. من وفود الى المحافل الدولية، الى جمعيات إسلامية مسيحية، إلى إضراب واعتصام، إلى عصيان مدني دام ستة أشهر (1936)، إلى التسلل الفردي عبر الحدود لرؤية القرية والبيارة والمنزل، إلى طعن بالسكاكين، الى بيع حلي الزوجة لشراء بندقية، إلى كفاح مسلح لم يعرف العالم له مثيلاً، الى حرب الجيوش النظامية على الحدود، إلى العمليات الاستشهادية، الى.. والى.. الانتفاضة حيث الحجارة هي السلاح، والطفل داوود يواجه الوحش متسلحاً بالمقلاع.. ولا يوجد قوة في العالم تستطيع أن تنزع عن هذا الشعب حقه في الجهاد والمقاومة والحياة الحرة الكريمة فوق أرضه. المهم أن لا تضيع الإنجازات والتضحيات ولنتذكر مقولة: (إن الإنسان لا يموت إلا حين يموت حلمه)، فلنعمل جميعا على إبقاء الحلم حياً في عيون الأجيال القادمة.. في عيون اطفال الحجارة.. ابطال النصر، رجال الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لأن هذا الحلم يلخص كل القيم الإنسانية في العدالة والحرية والاستقلال. (*) كاتب وصحفي فلسطيني الرياض