سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
من المتوقع أن يبلغ إجمالي الإيرادات 170 بليون ريال مقابل التقديرات المعدلة للإيرادات التي بلغت 204 بلايين ريال خلال عام 2002 بقلم : د: عبدالعزيز محمد الدخيل*
أعلنت حكومة المملكة العربية السعودية ميزانية الدولة لعام 2003 في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت بمكة المكرمة يوم 27 نوفمبر 2003م. وقد قدرت الإيرادات لعام 2003 بمبلغ 170 بليون ريال بينما قدر إجمالي المصروفات بمبلغ 209 بلايين ريال مما يتيح لوزارة المالية استدانة مبلغ يوازي مبلغ العجز المتوقع وهو 39 بليوناً. وإذا تحققت التقديرات الحكومية لعام 2003 فإن ذلك يعني أن العجز سيحدث للسنة الثالثة على التوالي بعد عام 2000 الذي حقق فائضاً بسيطاً، فمنذ عام 1982م، لم يسفر الأداء الفعلي عن تحقيق فائض في الميزانية إلا مرة واحدة فقط في عام 2000 وقد أدت العجوزات المتتالية الى تفاقم الدين الحكومي ليصل إلى 675 بليون ريال أي ما يقرب من نسبة 94% من الناتج المحلي الإجمالي (695 بليون ريال). لقد جاء عرض الميزانية في وقت يمر فيه الاقتصاد العالمي بصعوبات جمة وتتقدم فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية ببطء شديد للخروج من الركود الذي يهيمن على اقتصادها وفي وقت يلوح فيه شبح الحرب على العراق. إن وزارة المالية لم تكن على قدر كبير من الشفافية في افتراضاتها في أثناء إعدادها للميزانية، وقد حاولنا الوصول إلى افتراضات عادلة من خلال استخدام نماذج رياضية، وسنلقي نظرة عن كثب على العناصر والافتراضات التي استخدمتها الحكومة لإعداد الميزانية. استعراض ميزانية عام 2003 (انظر جدول 1 و2) إن تقديرات ميزانية الحكومة السعودية يهيمن عليها في المقام الأول النفط حيث تشكل الايرادات النفطية نسبة تتراوح بين 75% و80% من إجمالي الايرادات، وحتى الايرادات غير النفطية نجدها بدرجة كبيرة يحركها النفط إذ تتكون أساساً من الإيرادات المتحققة من قطاع البتروكيماويات الذي يعتمد بدوره على القطاع النفطي، وعليه فإن جزءاً مهماً جداً من إيرادات ميزانية المملكة العربية السعودية يتأتى من النفط وبناء على ذلك فإن اتجاهات أسعار النفط واتجاهات إنتاج النفط تشكل أهم المصادر للتنبؤ بالوضع المالي للمملكة العربية السعودية. ويمكن أن نرى ارتباطاً واضحاً بين أسعار النفط وإنتاج النفط والايرادات النفطية، فخلال الفترات التي ترتفع فيها أسعار النفط، تزداد الايرادات النفطية الحكومية بينما تنخفض هذه الايرادات بشكل حاد خلال فترات انخفاض أسعار النفط، وبهذا الفهم، فإن الإدارة المالية تطرح مشكلة خطيرة نظراً لأن أسعار النفط تعدّ إلى حد كبير خارج سيطرة المملكة الكاملة على رغم أن المملكة تمارس تأثيراً في هذه الأسعار من خلال مشاركتها في منظمة الأوبك. لقد ظلت المملكة، خلال السنوات القليلة الماضية، تلعب دوراً نشطاً جداً ومباشراً في محيط الأوبك، وقد ظل أعضاء الأوبك يحاولون إيجاد نوع من التوازن بين العرض والطلب من خلال عمليات السيطرة على الانتاج وممارسة الضغوط على المنتجين من خارج أوبك لخفض إنتاجهم تمشيا مع ما تقوم به أوبك بهدف تحقيق الاستقرار في الاسعار، وهكذا فإن النتيجة النهائية لعام 2003م ستعتمد مباشرة على هذا الموضوع المهم. إن الافتراض الضمني لأسعار النفط في ميزانية عام 2003 يبدو أنه يتراوح بين 5.19 و20 دولاراً للبرميل لخام النفط العربي الخفيف، وخلال السنة الحالية، تشير تقديرات المركز الاستشاري الى أن متوسط أسعار النفط العربي الخفيف ستكون 23 دولاراً للبرميل حتى أكتوبر 2002 مما يعكس وضعاً جيداً لأسعار النفط خلال العام، وربما يكون ذلك قد جعل الحكومة تكون متفائلة في افتراضاتها للعام 2003 مقارنة بتقديراتها خلال السنة السابقة. وبما أن نسبة 80% من إيرادات المملكة تتأتى من النفط، فإن إنتاج النفط وأسعار النفط يصبحان أهم متغيرين في هذه المعادلة على الاطلاق. سيناريو أسعار النفط بلغ متوسط خام برنت، وهو أهم خامات النفط القياسية التي يسترشد بها بشكل واسع في الصناعة النفطية 69.24 دولاراً للبرميل لعام 2002 حتى تاريخه. إن سيناريو أسعار النفط لعام 2003 من المحتمل ان تكون في أحد أقصى طرفين فإذا وقعت الحرب وسيطرت أمريكا على منشآت النفط العراقية، فإن الأسعار ربما تهبط، أما إذا طال أمد الحرب فإنه من المحتمل أن تكون هناك ضغوط على جانب العرض مما سيدعم أسعار النفط، وفي حالة عدم نشوب الحرب، فإنه من المحتمل أن تستقر الأسعار في مستوياتها الحالية ما يترك الأمر للأوبك للتحكم في الأوضاع. إنتاج النفط على صعيد الانتاج، فإن حصة الانتاج الحالية للدول العشر الأعضاء في الأوبك (باستثناء العراق) تبلغ 7.21 مليون برميل في اليوم مقابل 2.23 مليون برميل/ اليوم خلال بداية السنة، ومن المحتمل ان يظل انتاج الأوبك على ذلك المستوى طوال عام 2003. إن مستوى إنتاج بهذا الحجم يشير إلى أن حصة إنتاج المملكة سوف تبلغ 061.7 ملايين برميل/ اليوم. وحتى إذا افترضت حدوث بعض حالات عدم التقيد بالحصص (وهو أمر مألوف في أوساط جميع المنتجين)، فإن أقصى إنتاج للمملكة سيبلغ 5.7 ملايين برميل في اليوم خلال عام 2003، وهو المتوسط نفسه لعام 2002 حتى تاريخه. وبينما نعلم أن أسعار النفط وإنتاج النفط لهما تأثير مباشر في تحديد الايرادات النفطية، فإن هذه العلاقة ليست خطية، وبناء عليه فقد أعد المركز الاستشاري نموذجا احصائيا لما يسمى بتحليل التراجع أو الانحدار بهدف تحديد أثر العلاقة بين أسعار النفط وإنتاج النفط على الايرادات النفطية، وقد تم استخدام البيانات منذ عام 1985 لهذا الغرض، وعليه، ووفقا للنموذج الاحصائي الذي أعده المركز الاستشاري، فإن إيرادات النفط ستبلغ، على الأرجح، 125 بليون ريال إذا كان متوسط سعر خام النفط العربي الخفيف يتراوح بين 5.19 و20 دولاراً للبرميل لعام 2003 وكان الانتاج 06.7 ملايين برميل في اليوم (الحصة المقررة من أوبك). وبالنسبة للاتجاه في الايرادات غير النفطية فقد ظل كما هو تقريباً في السابق، والاستثناء لهذا الوضع هو أنه خلال فترات انخفاض أسعار النفط (وبالتالي انخفاض الايرادات النفطية) ترتفع حصة الايرادات غير النفطية. إننا نفترض ان الايرادات غير النفطية ستظل كما هي تقريبا لعام 2003 عند مستوى 45 بليون ريال. (انظر جدول 3). المصروفات سمحت ميزانية 2003 بمستوى إنفاق بلغ 209 بلايين ريال بعجز يبلغ 39 بليون ريال أو ما يعادل نسبة 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي الحالي «695 بليون ريال». وبينما نجد أن المصروفات أقل بنسبة 7% عن التقديرات المعدلة للسنة السابقة التي بلغت 225 بليون ريال فانها لا تزال تركز أكثر على المصروفات الجارية التي تسيطر عليها فاتورة الرواتب والأجور ودفعات الفوائد المستحقة عن الدين المتنامي. وتشكل المصروفات الجارية ما يقرب من نسبة 89% في حين يشكل الإنفاق الرأسمالي نسبة 5.11% فقط من إجمالي المصروفات. مخصصات الميزانية حسب القطاعات لقد أدت الميزانية الحالية لعام 2003 إلى زيادة مخصص تنمية الموارد البشرية بدرجة كبيرة ليصل إلى 57 بليون ريال مسجلا قفزة بنسبة 22% عن السنة السابقة. كذلك شهد مخصص الخدمات الصحية تحسناً مماثلا إذ بلغ 23.23 بليون ريال. وهناك تحسن كبير أيضا شهده مخصص قطاع النقل والمواصلات بنمو بنسبة 20% مقارنة بميزانية العام السابق. أما بقية القطاعات فقد تلقت مخصصات أقل من مخصصاتها في ميزانية العام السابق. وبينما نجد أن البيانات الخاصة بتنمية الموارد البشرية والاتصالات والخدمات الصحية والخدمات البلدية متوفرة للجميع، فان بقية المخصصات «كما في الجدول التالي» قد تم تقديرها على أساس اتجاهها على مدى فترة من الزمن. أنظر جدول «4». استعراض الأداء 2002 نظرا لأسعار النفط العالية، فقد أثبتت سنة 2002 أنها سنة أفضل للمملكة. فقد بلغت الإيرادات لعام 2002 حوالي 204 بلايين ريال مقابل الإيرادات المقدرة بمبلغ 157 بليون ريال بزيادة بنسبة 30% . ومقابل إجمالي المصروفات المقدرة بمبلغ 202 بليون ريال، فقد كانت المصروفات الفعلية أعلى بنسبة 10% حيث بلغت 225 بليون ريال. ونتيجة لذلك، فقد بلغ العجز الفعلي 21 بليون ريال مقابل العجز المقدر ب 45 بليون ريال. وقد أمكن تحقيق ذلك بسبب المجهودات الكبيرة التي بذلتها المملكة لمواصلة الضغط على سوق النفط بالتنسيق مع منظمة الأوبك للمحافظة على نطاق الأسعار الذي تم تحديده في بداية السنة وهو الذي يتراوح بين «22 و28 دولاراً للبرميل». وعلى صعيد المصروفات، فان حصة المصروفات الجارية لا تزال مرتفعة بنسبة تبلغ حوالي 90%. تحليل الاتجاه العام للميزانية نقدم أدناه ملخصاً لإحدى عشرة سنة من تقديرات الميزانية والأداء الفعلي خلال فترة تمتد من عام 1992 إلى 2002م. «انظر جدول 5». وكما يتضح فان تقديرات الحكومة للإيرادات اتسمت بالتحفظ باستثناء عامين هما 1993 و1998. وأكثر ما يهمنا هنا هو استراتيجية الحكومة المتعلقة بالتحكم في نفقاتها المتزايدة. فالمصروفات الفعلية تجاوزت تقديرات الميزانية في إحدى عشرة سنة. وقد أصبح تفاقم المصروفات سمة أكثر من كونه استثناء حيث تجاوزت المصروفات ما هو مقدر لها في أربع سنوات متعاقبة «انظر جدول 6». هذا، وقد ظل نمو الاقتصاد السعودي منخفضاً خلال السنوات القليلة الماضية مع تجاوز التوقعات الحكومية للإيرادات حاجز المائتي بليون ريال مرة واحدة فقط في عام 2001م أما العجز الفعلي فقد كان أقل من العجز المقدر في الميزانية نظراً لأن أسعار النفط كانت أعلى مما هو متوقع لها. فبالنسبة لعام 2002م بلغ متوسط سعر العربي الخفيف 23 دولاراً حتى اكتوبر «تقديرات المركز الاستشاري»، وهو سعريزيد بكثير على توقعات الحكومة. هل كان على الحكومة ان تتفاعل مع الوضع خلال كامل السنة اعتماداً على أسعار النفط؟ لا شك انه قد آن الاوان لتوسيع قاعدة الإيرادات: انظر الرسم البياني لقد قمنا باستعراض المخصصات الحكومية لمختلف القطاعات خلال اثنتي عشرة سنة «1992 - 2003»، ويتضح أنه قد حدث نمو كبير خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية في مخصصات الصحة والخدمات الاجتماعية بالإضافة الى تنمية الموارد البشرية. وكلا المخصصين شهدا معدل نمو سنوي مركب يزيد على 5% في حين شهد اجمالي مصروفات الميزانية معدل نمو سنوي مركب لا يتجاوز 32.1% هذا وقد انخفضت مخصصات الميزانية للنقل والمواصلات، الإدارة العامة والخدمات بالإضافة الى مؤسسات الإقراض الحكومية والإعانات المحلية. جدول «6» الدين الحكومي يبلغ الدين الحكومي، كما أعلنته الحكومة، 675 بليون ريال أي 97% من الناتج المحلي الاجمالي (695 بليون ريال «معدل») لعام 2002، وفي وقت من الأوقات خلال عام 1998 تجاوزت هذه النسبة 100% وهي نسبة مرتفعة للغاية من حيث خدمة الدين. وبالرغم من ان أرقام دفعات الفوائد غير متاحة من مصادر حكومية إلا أنها يفترض ان تمثل أكثر من 10% من اجمالي المصروفات. خاتمة إن أكثر ما يهمنا هو العجوزات المرتفعة خلال السنوات، فمنذ عام 1999 ظلت أسعار النفط مرتفعة بشكل معقول ولكن النمو الاقتصادي ظل متقلباً. وفي عام 1998 هبط النمو الاقتصادي بنسبة 53.11% ، وفي العامين التاليين نهض مرة أخرى عندما استعادت أسعار النفط نشاطها لينمو بمعدل 5.10% و17% ولكن في عام 2001 هبط ثانية بنسبة 9.3% ثم نما بمعدل 35.2% في العام الماضي. إن هذا النمو غير المتساوق يحول دون التخطيط المستقبلي للأعمال. وحالة عدم التيقن هذه لا شك مزعجة. ومقارنة بالسنة الماضية، فإن انخفاض العجز عن مستواه المرصود في الميزانية بمبلغ 24 بليون ريال يمثل مؤشراً جيداً في الساحة الاقتصادية السعودية، ولكن العجوزات المتعاقبة منذ عام 1982 «باستثناء عام 2000» اسفرت عن دين حكومي مرتفع يمثل هاجساً رئيسياً. لقد شهد اجمالي المصروفات الحكومية معدل نمو سنوي مركب بلغ في متوسطه 32.1% خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية. وفي حين ان المصروفات تجاه الاحتياجات المدنية امر مقبول فإن مصروفات الموارد البشرية والدفاع والأمن ينبغي الوقوف عندها. فمصروفات الموارد البشرية والدفاع والأمن تشكل أكثر من 60% من اجمالي المصروفات. وقد ارتفعت مخصصات الدفاع والأمن بمعدل نمو سنوي مركب بلغ في متوسطه 65.1% ، وعندما يكون الاقتصاد في حالة من التقلب والميزانية في حالة عجز مستمر واجمالي الدين الحكومي متزايداً بشكل سريع فإن على الحكومة ان تهتم بأمرين أساسيين هما: 1- تحجيم الإدارة الحكومية التي تلتهم مصروفاتها الجارية جزءاً كبيراً من الميزانية. 2- إعادة هيكلة المصروفات على الدفاع والأمن. لقد دأب المركز الاستشاري على تأييد توخي الحصافة والحكمة في الإدارة المالية بشكل يضمن الاستقرار الاقتصادي والمالي للمملكة. ونستمر في التأكيد على أهمية اتخاذ الخطوات اللازمة لتقليل الاعتماد على النفط الذي يستأثر بحوالي 75 - 80% من إجمالي الإيرادات، وزيادة المصروفات الرأسمالية مع تخفيض المصروفات الجارية التي تتسبب في تراكم العجز (انظر جدول «7»). * رئيس المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل