رغم اعلان كوريا الشمالية لبرنامجها النووي والتسليحي إلا ان تعامل امريكا مع الموقف الكوري جاء مختلفاً عن تعاملها مع الموقف العراقي الأمر الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ازدواجية المعايير التي تتعامل بها الولاياتالمتحدة ففي حين اتبعت في تعاملها مع كوريا الاسلوب الدبلوماسي وتذكيرها بالاتفاقات السابقة مع التلويح فقط بالعقوبات الاقتصادية دون ان تأتي من قريب او بعيد الى ذكر لتدخلات عسكرية، بينما تتحين كل الفرص لتوجيه ضربة عسكرية للعراق تحت مجرد شبهه ان العراق يحاول انتاج اسلحة دمار شامل. ردع نووي ويأتي تصعيد الموقف الكوري بعد ان دأبت كوريا الشمالية طوال السنوات الماضية على تجنب الاعتراف المباشر بامتلاك اسلحة نووية والاكتفاء بتأكيد حقها في حيازتها، وفاجأت كوريا الشمالية العالم في منتصف هذا الشهر بالاعتراف رسمياً ولأول مرة بامتلاكها اسلحة نووية لمواجهة التهديدات الامريكية وذلك في اعقاب اعترافها الشهر الماضي بان لديها برنامجا لانتاج اليورانيوم المخصب الذي يعد مكوناً أساسياً في تصنيع الأسلحة النووية، وذكرت اذاعة بيونغ يانغ الرسمية ان كوريا الشمالية تمتلك اسلحة ردع قوية من بينها النووية للتصدي لتهديدات الولاياتالمتحدة النووية وحماية سيادة البلاد وحقها في الوجود. وتزايدت الاتهامات داخل كوريا الشماليةلامريكا بمحاولة عزلها عن العالم بالادعاء بان الحكومة الشيوعية في بيونج يانج انتهكت الاتفاق المبرم عام 1994 الخاص بتجميد برنامجها النووي مقابل الحصول على مساعدات من المجتمع الدولي و اعتبرت ان هذا الاتهام محاولة لتشويه سمعة البلاد، ويرى المحللون ان الاعتراف الكوري بامتلاك الاسلحة النووية يشير الى وصول العداء الكوري للولايات المتحدة الى مراحل متطورة الى الحد الذي تتحدى فيه بيونج يانجالولاياتالمتحدة باعلانها هذا في الوقت الذي تزعم فيه امريكا انها تسعى لتخليص العالم من امتلاك بعض الدول التي وصفتها بالمارقة الاسلحة النووية التي تمثل خطرا على أمن الدول الاخرى وكانت الولاياتالمتحدة قد ادرجت كوريا الشمالية ضمن دول محور الشر وتبرز نبرة التحدي الكورية في الوقت الذي تسعى فيه الجهود الامريكية لضرب العراق احدى دول محور الشر كما تزعم امريكا بدعوى امتلاكها لاسلحة دمار شامل. قنبلة نووية ومن ناحية اخرى هددت كوريا الشمالية باستئناف تجاربها الصاروخية التي اعلنت طواعية وقفها حتى عام 2003 اذا قررت اليابان المضي قدما في تطوير نظام الدفاع الصاروخي مع الولاياتالمتحدة بحجة التصدي لخطر الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى الموجودة في ترسانة بيونغ يانغ ويغطي مداها كل المناطق اليابانية تقريباً وانتقدت كوريا الشمالية اعتزام طوكيو تعزيز تعاونها المشترك مع واشنطن لتطوير درع الصاروخ معتبرة ان ذلك يلحق الضرر بالجهود المبذولة لتحسين وتطويع العلاقات بين البلدين. الى ذلك اعربت الولاياتالمتحدة عن قلقها من ان كوريا الشمالية ستكون قادرة على انتاج قنبلة نووية مستخدمة اليورانيوم المخصب بحلول عام 2004 وذكرت مصادر ان الولاياتالمتحدة بنت هذا التطور استنادا على حصول بيونغ يانغ على عدد من اجهزة الطرد المركزي التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم ويعتقد ان باكستان هي مصدر تلك الاجهزة وذكرت المخابرات الامريكية انه تم شحن 2000 جهاز طرد مركزي على الاقل الى كوريا الشمالية وليس 1000 كما كان يعتقد من قبل. وعلى الرغم من لغة التهديدات الامريكية الموجهة لكوريا الشمالية الا ان المراقبين يرون ان هذه اللغة لاتعدو كونها تعبيرا عن الرغبة في الحوار مع بيونغ يانغ وان مبعث هذا الحوار حسبما يرى المراقبون هو تخوف واشنطن من الانتاج المتزايد لكوريا من اسلحة الدمار الشامل: حيث تطالب واشنطن بخفض انتاج كوريا الشمالية على الاقل في البداية، وحسب تقدير الكوريين الجنوبيين فان كوريا الشمالية تمتلك 25005000 طن من الاسلحة البيولوجية والكيماوية، وصواريخ يصل مداها الى جميع مناطق كوريا الجنوبية، وتقول واشنطن بأن لديها من الأدلة ما يجعلها تضم بيونغ يانغ ل«محور الشر»، تلك المقولة التي حدت بالرئيس الشمالي «كيم جونغ إيل» لوضع قواته في حالة تأهب مستمرة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، متهما واشنطن بالسعي للسيطرة الكاملة على العالم، وكان اول فريق لوكالة الدولية للطاقة النووية قد زار منشآت نووية كورية شمالية في 12002/1/5 بعد سبع سنوات من انسحاب بيونغ يانغ من عضوية الوكالة التي تقول بانها تحتاج الى مراقبة تدوم 3 سنوات حتى تعلن انها قد فتشت جميع برنامجها، ايضا ما يثير التخوف الامريكي هو تصدير الاسلحة والتقنية لدول عربية واسلامية وهو ما يهم و اشنطن اكثر من مجرد امتلاك بيونغ يانغ لهذه الاسلحة فهي تستهدف بالدرجة الأولى قطع الطريق امام استفادة هذه الدول من مصانع بيونغ يانغ، واعتبرت ذلك ضمن اولوياتها في مرحلة ما بعد افغانستان، ويأتي في هذا السياق القلق الامريكي من تعاون نووي باكستاني كوري شمالي، كما ان سحب القوات من الحدود مع كوريا الجنوبية هو هدف امريكي ويطالب به بوش، غير ان بيونغ يانغ من جانبها ترفض سحب قواتها التي يقدر مجموعها بمليون جندي و60 الفا من القوات البحرية و110 الاف من القوات الجوية «حسب تقرير المعلومات العسكرية الكورية الجنوبية الصادر يوم 31/12/2001م، وترى واشنطن في التوتر على جانبي الحدود الكورية خطرا على استقرار منطقة شرق آسيا بالدرجة الاولى، بل ان بوش قد يتبنى مقترحاً قدم له مؤخرا يتضمن ربط استئناف المفاوضات بتقليل حجم القوات الشمالية، كما يدفع هذا الساسة الجنوبيين على اختلاف توجهاتهم الحزبية للاعتماد على ابقاء القوات الامريكية في بلادهم «37 الفا منهم بشكل دائم» كإحدى دعائم أمنهم بعد موافقتهم على رفع انفاقهم على هذه القوات هذا العام بنسبة 104% «نسبة الزيادة السنوية السابقة كانت 6%» لتبلغ 490 مليون دولار، وقد ارتفع حجم القوات الجنوبية من 600 الف عام 1988 الى 700 الف حاليا، وارتفعت الميزانية الدفاعية الخاصة بهم الى 12 مليار دولار في السنة المالية الحالية، كما ستحصل سيؤول في آخر صفقاتها على صواريخ امريكية يصل مداها الى معظم الاراضي الشمالية «300كم» بحلول عام 2004م. وقفات تاريخية احتلت شبه الجزيرة الكورية من قبل اليابان مابين عام 1910 و 1945 حيث تحررت وانقسمت الى شمالية «عاصمتها بيونغ يانغ» وجنوبية «عاصمتها سيؤول»، وفي الايام الاخيرة من الحرب العالمية الثانية تدخل السوفييت، واعادوا القائد كيم ايل سونغ «كان في الاتحاد السوفيتي بين عام 1941 و 1945» زعيماً للدولة الشيوعية الشمالية، وفي المقابل عملت الولاياتالمتحدة خفية لترشيح «رجل امريكا في الجنوب» سينغمان رهي. حاول القوميون الجنوبيون اعادة توحيد شبه الجزيرة، لكن رهي وشكوك الولاياتالمتحدة افشلا المساعي، ثم حدد الفاصل رسميا بين الكوريتين عندما اعلنت جمهورية كوريا «الجنوبية»، وبدأ الجانبان البناء العسكري للمواجهة، راح ضحية المناوشات الآلاف وقد ظلت لخمس سنوات «1945 1950» والمشهور تاريخيا ان الحرب بدأت عام 1950 عندما غزا الشماليون اجزاء من الجنوب، ثم تدخلت واشنطن لدعم الجنوبيين تحت راية الأممالمتحدة، ولأنها دفعت القوات الشمالية الى الحدود الصينية تدخل جيش المتطوعين الصينيين لوقف التقدم الامريكي، وبعد ثلاث سنوات قتل خلالها مليون كوري وصيني وامريكي، وانتهت الحرب لتعود الكوريتان للتوقف عند الحدود التي كانت قبل الحرب! منذ عام 1953 ظلت الحدود الكورية قابلة للاشتعال في اي وقت في اجواء الحرب الباردة التي حولت الحرب الى اشكال اخرى ابقتها متأزمة، مع استمرار الحرب الدعائية والدبلوماسية وعمليات التسليح المستمر والحرب الاقتصادية للتضييق دوليا على الشماليين، ولا تزال الحكومة الشمالية تنفق نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي على التسلح والجيش فيما ظل الجنوبيون يلقون دعماً تسليحياً وحضوراً عسكرياً امريكيين. وتتصف طبيعة الصراع بين الكوريتين بالدولية.. فالانقسام كان بتدخل خارجي، والحرب اشتعلت بين قوى خارجية على ارضهما، والتسليح والدعم لكل منهما تدفق من طرف ثالث، وللحرب امتدادات خارجية تمثلت في اشهر عملين ارهابيين»، تتهم فيهما بيونغ يانغ، اولاً بالهجوم على وزراء سيؤول خلال زيارة لهم الى ميانمار«بورما سابقا» عام 1983، وثانياً بتفجيرطائرة تابعة لكوريا الجنوبية عام 1987 التي قتل فيها 115 عاملا، هذا بالاضافة الى الانقسام الواضح للجالية الكورية في اليابان بين الشمالين والجنوبيين. ومع بداية عقد التسعينيات الماضي اخذ الاهتمام الدولي بكوريا الشمالية منحى جديداً بالتركيز على برنامجها لاسلحة الدمار الشامل، الامر الذي كان على وشك اشعال حرب عام 1994، ثم اثارالشماليون قلق واشنطنوطوكيو وسيؤول، عندما اطلقوا ما قالوا بانه قمر صناعي فشلت محاولة تثبيته في مداره عام 1998 بالقرب من اليابان، فزاد قلق واشنطن من امكانية بيع هذه التقنية لدول غير صديقة لها، مع تعهدهم بالاستمرار في برنامجهم لتطوير تقنية الصواريخ حتى 2003 وبعد 6 اشهر من مراجعة ادارة بوش لسياسة بلاده التي اتبعها سلفه كلينتون، اعلن البنتاجون في يوليو 2001 ان بيونغ يانغ تشكل التهديد العسكري الاول لامريكا، وهو ما زاد التأزم بين الكوريتين، وعكر صفو سياسية التقارب بينهما. معاناة أمريكية ويشير المحللون الى ان كوريا الشمالية اصبحت تمثل صداعا مزمنا في رأس الولاياتالمتحدة في الوقت الذي تحشد فيه كل قواتها لضرب العراق ويقول المحللون انه مع كل العقد الدبلوماسية التي تكبل الازمة العراقية فربما يثبت في النهاية ان التعامل مع صدام حسين اقل تعقيدا بكثير من التحديات التي طرحها امكانات الاسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية في شبه الجزيرة الكورية. ويرى البعض ان المتشددين في الادارة الامريكية سيدعون لاتخاذ مواقف متشددة بل تهديدية لكوريا الشمالية التي تقر بانتهاكها سرا لاتفاقية عام 1994 التي هدفت الى وقف كوريا الشمالية من الحصول على اسلحة نووية ويعتقد البعض ان الولاياتالمتحدة ربما تتعامل مع كوريا الشمالية طبقاً لما ورد في الصياغة التي حاولت تضمينها في قرار الاممالمتحدة الخاص بالعراق والذي تعتقد واشنطن انه يشكل اساسا لاستخدام القوة، غير ان المحللين يقولون ان هناك فوارق عديدة بين العراقوكوريا الشمالية وان ظروفا مختلفة تجعل ايضا من تهديد الولاياتالمتحدة باستخدام القوة في شبه الجزيرة الكورية امرا اكثر صعوبة.اما عن الفارق بين الحالة العراقية والحالة الكورية وازدواجية المعايير الامريكية في التعامل معهما يقول الخبير الاستراتيجي اللواء طلعت مسلم ان الفرق بين الحالة العراقية والكورية فيما يتعلق بموضوع اسلحة الدمار الشامل يكمن في ان الولاياتالمتحدة لا ترى في حالة كوريا الشمالية اسبقية وأولوية بالنسبة لها، وانه من الممكن تأجيل هذا الامر الى وقت لاحق، اما العراق فهو بالنسبة لها يمثل اولوية ملحة وترى ان من مصلحتها التعامل السريع مع هذا الملف، اي ان المشكلة ليست في موضوع اسلحة الدمار الشامل ولكن في النفط وفي تهديد العراق لجيرانه الذين يمثلون اهمية قصوى لهما، كما ان هناك اسرائيل حليفتها والتي ترى نفسها مسؤولة عن حماية امنها ومساعدتها في ان تصبح هي القوة العسكرية الأكبر والنووية الأوحد في المنطقة ومن هنا فهي تجيش الجيوش بالنسبة للعراق الذي لم يثبت الدليل القطعي امتلاكه لهذه الأسلحة في حين تغض الطرف تماما عن موضوع اسرائيل ولا تقبل حتى من الآخرين اثارته. واضاف: ولكن هذا لا يعني ان الولاياتالمتحدة فيما يتعلق بكوريا الشمالية انها ستتركها تماماً فهي سوف تلتفت اليها مستقبلاً عندما ترى ان مصالحها تستدعي التدخل للتعامل مع هذا الملف وعندها سوف تستخدم كل الاوراق المتاحة لديها من ضغوط اقتصادية وزيادة لقواتها في كوريا الجنوبية الى محاصرتها دبلوماسياً وحتى ترضخ في النهاية لمطالبها وتضع برنامجها النووي تحت التفتيش بل من الممكن ان تدفعها للخلاص وتدمير منشآتها النووية.