اشتهر العرب منذ القدم بالشجاعة والجود والكرم.. كما اشتهر عنهم بخفة الظل وروح الدعابة وحضور البديهة. تجد من الطرائف والنوادر الأدبية قديماً ما لا تجده في هذه العصر فهناك كتاب الحمقى والمغفلين لابن القيم الجوزي وكتاب المستطرف لشهاب الدين الأبشيهي وكتاب البخلاء للجاحظ وغيرها الكثير من كتب الأدب والطرافة. يذكر شهاب الدين في كتابه المستطرف: «رأيت جماعة من ذوي الهمم، جمعوا أشياء كثيرة من الآداب والمواعظ والحكم، وبسطوا مجلدات في التواريخ والأخبار والحكايات واللطائف ورقائق الأشعار، وألفوا في ذلك كتباً كثيرة، وتفرد كل منها بفرائد لم تكن في غيره من الكتب محصورة، فاستخرت الله تعالى، وجمعت من مجموعها هذا المجموع اللطيف، وجعلته مشتملاً على كل فن ظريف، وسميته «المستطرف في كل فن مستظرف». يقول ابن اسحق ابراهيم بن علي الحصري القيرواني صاحب «زهر الآداب» و«ذيل زهر الآداب» ويعرف كذلك باسم «جمع الجواهر في الملح والنوادر». وكم ظريفة من الخطاب ومليحة من الجواب خلصت من الهلاك من نصبت له الاشراك، وسلمت من الحتوف من أصلتت له السيوف.. وكم صرفت الملح من مخوف، وانقذت من ملهوف.. وهل يستغني أهل الأدب وألوا الأرب عن معرفة ظريف المضحكات، وشريف المفاكهات، إذا لاطفوا ظريفاً، أو مازحوا شريفاً؟ قالوا: لا بأس بالمزاح بغير ريبة.. وكان يُقال: المزاح من أخلاق ذوي الدماثة!. يرى الجاحظ ان «الجد مبغضة والمزاح محبة». ضروب الشعر والنثر الفكاهي التراثي متعدد، فمنها السخرية من الذات او التهكم ونقد المجتمع وفضح المسكوت عنه، هناك من يتناول المحظور الجنسي فيما عرف باسم شعر الخلاعة والمجون، وبعض الطرائف فيها إفصاح بذكر عورة او ما يستقبح ذكره. يقول ابن قتيبة «ت 276ه»: سينتهي بك كتابنا هذا الى باب المزاح والفكاهة، وما روي عن الاشراف والأئمة فيهما، فإذا مرّ بك ايها المتزمت حديث تستخفه او تضحك منه او له، فاعرف المذهب فيه وما أردنا به.. وإذا مرّ بك حديث فيه افصاح بذكر عورة او وصف فاشحة فلا يحملنك الخشوع او التخاشع على ان تصعر خدك وتعرض بوجهك، فإن اسماء الأعضاء لا تؤثم، وإنما المأثم في شتم الأعراض وقول الزور والكذب وأكل لحوم الناس بالغيب. وما روي عن كبار الأدباء والكتاب ومشاهير الحكماء العرب في الأدب الفكاهي كثير، وسنذكر لك أيها القارئ العزيز بعض هذه الطرائف والفكاهات: - سمع مؤذن حمص يقول في سحور رمضان تسحروا فقد أمرتكم، وعجلوا في أكلكم قبل أؤذن فيسخم الله وجوهكم. - قال بعضهم رأيت مؤذناً أذن ثم غدا يهرول فقلت له: إلى أين فقال: أحبّ أن اسمع أذاني أين بلغ. - وقف سائل على باب فقالوا: يفتح الله لك. فقال: كسرة، فقالوا مانقدر عليها، قال: فقليل من برّ، او فول، او شعير. قالوا: لا نقدر عليه: قال: فقطعة دهن، أو قليل زيتٍ، او لبن قالوا: لا نجده قال: فشربة ماءٍ قالوا: وليس عندنا ماء قال: فما جلوسكم ههنا، قوموا فاسألوا فأنتم أحق مني بالسؤال. - وقع بين الأعمش وبين امرأته وحشة فسأل بعض أصحابه من الفقهاء ان يرضيها ويصلح بينهما فدخل إليها وقال: إن ابا محمد شيخ كبير فلا يزهدنك فيه عمش عينيه، ودقة ساقيه، وضعف ركبتيه، ونتن ابطيه، وبخر فيه، وجمود كفيه، فقال له الأعمش: قم قبحك الله فقد أريتها من عيبي ما لم تكن تعرفه. - عاد بعضهم نحوياً فقال: ما الذي تشكوه؟ قال: حمى جاسية، نارها حامية منها الأعضاء واهية، والعظام واهية، والعظام بالية، فقال له: لا شفاك الله بعافية ياليتها كانت القاضية. - ومن الطرائف قصة «حمار شهيد الهوى»: قال المتوكل لمضحكه ابي العنبس الصيمري وكان قد انشده قصيدة طريفة في رثاء حماره مستفسراً عن سبب موته، وما كان من شعره في الرؤيا التي رآها. قال الصيمري متظاهراً بالحزن على موت حماره: نعم يا أمير المؤمنين، كان أعقل من القضاة، ولم يكن له جريرة ولا زلة، فاعتل علة على غفلة فمات منها، فرأيته فيما يرى النائم فقلت له، يا حماري ألم ابرد لك الماء، وانقل لك الشعير، واحسن اليك جهدي؟ فلم مت على غفلة؟ وما خبرك؟ قال: نعم، لما كان في اليوم الذي وقفت على فلان الصيدلاني تكلمه في كذا وكذا، مرّت بي أتان حسناء، فرأيتها فأخذت بمجامع قلبي، فعشقتها واشتد وجدي بها، فمت كمداً متأسفاً. فقلت له: يا حماري، فهل قلت في ذلك شعراً؟ قال: نعم، وأنشدني: هام قلبي بأتان عند باب الصيدلاني تيمتني يوم رحنا بثناياها الحسان وبخدين أسيلي ن كلون الشنفراني فيها مت ولو عش تُ إذن طال هواني قال: قلت يا حمار، فما الشنفراني؟ فقال: هذا من غريب الحمير «أي من غريب اللغة عندهم» فطرب المتوكل وأمر الملهين والمغنين ان يغنوا في ذلك اليوم بشعر الحمار، وفرح في ذلك اليوم فرحاً شديداً، وسر سروراً لم ير مثله. «الشنفراني: كلمة لا معنى لها. والأتان أنثى الحمار».