تتمتع العمارة الحديثة في الشرق الأقصى عموماً وفي اليابان خصوصاً بخاصية متميزة وهي ارتباطها بشكل خاص بمفاهيم وأفكار ترتبط بأبعد من حدود التصميم الفراغي للمباني، ومن ذلك ان المعمار الياباني المعاصر - شأنه شأن المعمار في العالم - يجتهد في ربط الأفكار والمعتقدات للثقافة التي ينتمي اليها، وبذلك فالعمارة تتمحور ناتجاً ومفهوماً حول الأفكار التي تنبع من الثقافة اليابانية ذات الخصوصية والارتباط بالطبيعة والفلك والعوامل الطبوغرافية والتكنولوجيا الحديثة التي تتبارى اليابان مع أقرانها من دول الحديثة في الاستباق إليها وقيادة العالم في مجالها. وانطلاقا من هذه المقدمة فليس من المدهش ان تتميز العمارة في اليابان بتقديم مفاهيم وطروحات جديدة تعكس التكنولوجيا من جهة، والمفاهيم الفلكية أو الثقافية من جهة ثانية. وقد بزغ مع النصف الثاني من القرن العشرين مجموعة من المعماريين اليابانيين الذين يجسدون هذه الفكرة وحيث قاموا بتقديم العديد من المباني بطابع ومفهوم يسهل تبين خصوصيتهما للثقافة اليابانية قالبا ومضموناً. ومن هؤلاء المعماريين اشتهر Tadao Ando، ToyoIto، Takasaki Masaharu، ItsukoHasegawa، Kiko Mozuna وغيرهم. وتمثل أعمال akasaki Masaharuنماذج متميزة عن المألوف بالعمارة اليابانية من حيث انها ليست تقليدية، اذ تقدم مفاهيم ترتبط بما هو غير مألوف من المعتقدات والأساطير والأشكال الغريبة. وقد تمددت أنماط المباني التي تعامل معها هذا المعماري من البيوت السكنية إلى عمارة المتاحف والمراصد الفلكية، ولكن ما يربط بينها جميعا هو تحدي العادي والمحاولة في كل من مشاريعه تقديم مفاهيم جديدة وحلول مبتكرة باعتقاده، وتنبع هذه الاشكال لا من عقلانية مرتبطة بنمطية واحدة في التفكير بل تشكل كل منها تحديا للأخرى من جهة وتجسيدا لعقلية مرنة مطاطة تتعامل مع «عمارة الحداثة أو العمارة في المستقبل» كما يتصورها، بل وتشكل بعض المفردات التي تلتصق بالمباني أو تعلوها وكأنها أنتينات تستقبل العمارة أو تتخاطب مع الفضاء الخارجي. ومن هذه المباني التي تعامل معها بهذه الطريقة بعض المتاحف مثل المرصد الفلكي بمدينة Tamana، أو المتحف والمرصد الفلكي بمدينة Kihoku، وفي هذه المشاريع يحاول المعماري التعامل مع لا محدودية الفضاء والتي تجسدها فكرة الاستكشاف والرصد الفلكي أو الفضاء ذاته، وتنتشر هذه المراصد في مجموعة من المدن الأخرى والتي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من اليابان والمطلة على مجموعة من الجبال البركانية والتي تجسد حركية الاقليم بما فيها من إثارة وسلسلة من الأحداث الطبيعية بين الفينة والأخرى والتي تتناسب مع الطبيعة التكوينية - على الأقل من ناحية الشكل - لعمارة المراصد الفلكية. ومن هذه المدن مدينة Kagoshima والتي تتضمن موقعا يحلو لبعض المعماريين اليابانيين ان يطلق عليه «فلكيات نقطة الصفر» أو Zero Cosmology والتي تتعامل مع الماضي والحاضر كعنصرين ضمن سلسلة تتحرك باتجاه المستقبل. من هذا العرض السريع لهذه المفاهيم والطروحات في الفكر المعماري الياباني نتبين الإطار الذي يتحرك من خلاله والذي ينبع من الثقافة والحضارة اليابانية ذاتها والذي يشكل خصوصية وتميزا عن غيرها فكرا وناتجا.