الدولار يرتفع عند أعلى مستوى في عام    مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية يحقق جائزة الإنجاز الإنساني العالمي    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    وزير الداخلية يرأس اجتماع الدورة ال50 للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    بإشراف من وزارة الطاقة الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    الوداد تتوج بذهبية وبرونزية في جوائز تجربة العميل السعودية لعام 2024م    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    رقمنة الثقافة    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    أفراح النوب والجش    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    استعادة التنوع الأحيائي    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    بوبوفيتش يحذر من «الأخضر»    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    أجواء شتوية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيانات وموسوعات وثقافة هشة
ماجد الحجيلان
نشر في الجزيرة يوم 14 - 11 - 2002

أتيحت في المدة القريبة الماضية فرصتان نادرتان لقراءة وجه الثقافة المحلية الراكد مثل بحيرة، واحتاجت هذه القراءة إلى تأمل بصير واستحضار لعوامل عديدة لمعرفة ما تنطوي عليه هذه الثقافة من هشاشة وسطحية.
الفرصة الأولى برز من خلالها حجم الركاكة الذي تستند عليه أطروحات عدد من التيارات الثقافية غير المؤسسة وتتمثل في فترة يمكن تسميتها بفترة «هَوَس البيانات» التي بدأت منذ ما يقارب العام ونصف العام، وهي مستمرة حتى الآن، على أنها تخفت في أوقات حسب الموضوعات التي تثيرها.
لقد كانت تنبت بين حين وآخر في مواقع الانترنت بيانات في صياغتها الأولية للتوقيع ثم لاتلبث ان توزع في المنتديات بوصفها بياناً للمثقفين السعوديين، بل ان بعضها «بياناً خاصاً بفلسطين» وصل إلى وكالات أنباء ومحطات اخبارية، وقد وصف أحد الكتاب هذا البيان بالبيان الفضيحة، إذ انطوى على أخطاء لغوية وأسلوبية وثقافية وسياسية، ولم يلبث ان انسحب منه عدد من الموقعين عليه لأسباب مختلفة.. توالت بعد ذلك أعداد من البيانات عن فلسطين والإرهاب وأمريكا والعراق، ومنها بيان بعنوان «معاً في خندق الشرفاء» ولم يتضح بعد أي خندق وأي نوع من الشرفاء قصد بالضبط. ولكن المتابع يكتفي أحياناً بقراءة بعض أسماء الموقعين ليتأمل بذهول حجم التباين والاضطراب الذي أصاب هذه البيانات، التي كان معظمها مكتفياً بفضيلة البوح وتسجيل الموقف لا أكثر ولا أقل.
أعقب ذلك البيان ذائع الصيت «على أي أساس نتعايش؟» الذي وضع رداً على بيان المثقفين الأمريكيين «على أي أساس نقاتل؟» الذي أعلنه في شباط من هذا العام ستون مثقفاً وأكاديمياً أمريكياً من واشنطن، وللانصاف فقد كان هذا البيان على أي أساس نتعايش؟ أكثر أشقائه تماسكاً رغم الملحوظات التي ليس هذا مكانها، غير أن ما أثار حنق الكثير من المتابعين ان البيان كان باسم المثقفين السعوديين جميعاً مع أن الكثير ممن لهم أسماء مهمة جداً جداً ويمثلون تيارات مختلفة ومهمة تحفظوا عليه أولم يستشاروا فيه، ليس هذا فحسب بل إن البيان كان محسوباً على تيار واحد ساد ثم باد، لكنه احتفظ بخطابه الأساسي مع بعض التحسينات التي تناسب روح العصر، وكان المدهش أن عدداً من الأسماء التي تبنت البيان كانت حتى الأمس تقمع معظم الموقعين عليه، ثم قفزت هكذا فجأة للحوار مع أمريكا، وهو الأمر الذي أثار عدداً من المتابعين؛ إذ إن فكرة الحوار حينما جرى الاقتناع بها لم تكن مع خصوم الداخل وإنما مع أعداء الخارج، ما يذكر بقصة النخلة العوجاء في المثل الشعبي، والأمر برمته يشير إلى اضطراب في المنهج وخلل في الأولويات لم يملك أحد الباحثين معه إلا ان يعلق بمرارة: «هل نحتاج إلى جنسية أمريكية ليتحاوروا معنا؟» غير ان هذه الورقة لا تستهدف الحديث عن البيان فالكلام حوله يطول، وبخاصة ان المتابعين ينتظرون إجابة الموقعين عن الأسئلة التي طرحها البيان الأمريكي الأخير، وهي مأزق يعاني منه التيار الذي كان أغلب الموقعين يمثلونه، وقد حاول البيان «على أي أساس نتعايش؟» ان يهرب من الإجابة عليها ولابد له من مواجهتها الآن.
وإنه من المهم هنا أن يكون واضحاً ان هذه الورقة لا تصادر حق الموقعين في كتابة ما يشاؤون ساعة يشاؤون، ولكنهم مطالبون إذا مثلوا الجميع بأن يستقصوا أكثر وان يواجهوا الأسئلة الحقيقية أولاً.
بقراءة هذه البيانات أو الرسائل وردود الفعل عليها في منتديات الانترنت بوجه خاص يمكن لمن يرغب من المتابعين الحكم على الوسط الثقافي المهزوز الذي تركت فيه وعبرّت عنه.
أما الفرصة الثانية التي يمكن الاستشهاد بها هنا فهي خاصة بالأدباء والأكاديميين الذين يمثلون وجهاً آخر من وجوه هذه الثقافة المحلية، وهي في الحقيقة الباعث الأول لعرض هذه المقاربة، فلقد فوجئ الكثيرون بصدور موسوعة توثق للأدب السعودي الحديث قامت على إعدادها لجنة علمية من أساتذة جامعة الملك سعود والأدباء والكتاب البارزين محلياً، وقد أثار صدورها زوبعة من التساؤلات عن الهدف والتوقيت والسريّة التي أحيط بها العمل، ما استثمره النادي الأدبي بالرياض لعمل أمسية حول الموضوع طرح فيها الشيخ عبدالله بن إدريس سؤالين مهمين على اللجنة: فلماذا جرى التكتم على فكرتها والعمل فيها وصدرت هكذا فجأة وهي عمل موسوعي يعني الجميع؟ ولماذا يمثل كتّابها تياراً واحداً بل «ثلة واحدة» حسب الشيخ ابن إدريس؟
ثم وجهت إلى الموسوعة أسئلة كثيرة عن علميتها وانتقائيتها وأشياء أخرى كثيرة، والواقع ان لجنة الموسوعة والموسوعيين أنفسهم شغلوا باحتفالية تدشينها عن متابعة هذه التساؤلات والإجابة عليها ودخلوا في مرحلة صمت طالت نسبياً، ولم يتفرغ أحد المعلقين على الموسوعة لتقييمها ودراستها وعرضها علمياً بل اقتصر الأمر على انطباعات خاصة، وهو أمر تعود عليه المثقفون السعوديون ولم يكن خاصاً بالموسوعة، إلى أن فجّر الدكتور سلطان القحطاني قنبلته بمقال وصفه هو نفسه «بالسريع» حول الموسوعة، صبّ فيه جام غضبه على اللجنة العلمية، وكان المقال انفعالياً حاداً فالموسوعة «ولدت ميتة» واللجنة «من غير المتخصصين» وهم «أسماء لم تثمر من قبل» والعمل «كله نقص وعبء على الثقافة المحلية» و«لم يكن لأعضاء التحرير دور يذكر أو يثبت على الساحة الأدبية والعلمية من قبل» وفيها داء لايمكن برؤه إلا باستئصال العمل وإعادة صياغته من جديد.. وكان ذلك أمراً يمكن بتأويل بعيد حسابه في خانة النقد الانطباعي أو الانفعالي غير الدقيق، ولكن غضبة الدكتور القحطاني لم تتوقف هنا بل امتدت إلى الدكتور منصور الحازمي أحد أبرز المسؤولين عن الموسوعة وخصته بتعليق لن تكرره هذه الورقة إذ لم يكن منصفاً، ولولم يجنح التعليق إلى الشخصية واقتصر على نقد الأعمال لكان لكل موضوعيّ أن يحتفظ للدكتور القحطاني بحقّه في التعليق على ما يشاء.
ثم ان ملحق الخميس الثقافي الأخير حمل مفاجأة جديدة؟ إذ نشرت اللجنة العلمية للموسوعة تعليقها الأول حول الجدل المثار بعد صمت، وكان التعقيب كفيلاً بجعل المتابعين الوجلين والمترقبين يمدون أرجلهم بكل ارتياح، وجاء الردّ تحت عنوان «رسالة إلى الدكتور سلطان القحطاني».
والواقع ان الرد لم يكن موجّهاً إليه وحده وإنما ضم تعقيباً على كل الأسئلة التي وجهت إلى الموسوعة، وقد تضمن التعقيب ثناء منقطع النظير على الموسوعة من اللجنة التي وضعتها إذ وصف التعقيب الموسوعة بأنها «متن معرفي متنوع ومتكامل ينجز لأول مرّة بهذه الرؤية الموسوعية» وهي أيضاً «عمل تأسيسي عرفته وتعترف به المؤسسات الأكاديمية الراقية في المجتمعات المتحضرة ويعطي صورة إجمالية دقيقة ومشرفة عن أدبنا الوطني خلال قرن كامل».
وكانت اللجنة قد استهلت تعقيبها بالإشارة إلى «الحوار الخلاق بين أهل العلم وحملة القلم» وبعد سطر واحد تراجع الموسوعيون: «لانريد ان تنحدر بأنفسنا إلى مستوى اللغة التي يستعملها.. وأمثاله لأنها مما لايليق بأحد منا» ثم نبهوا إلى «الشعور الحاد بالإحباط اذ لم يجد الكاتب اسمه ضمن النقاد أو الأدباء الذين اختيرت لهم نصوص في الموسوعة» وهذه مناكدة لم يسبق الموسوعيين إليها أحد، وذكّر الموسوعيون بأن زميلهم الغاضب «أراد تصفية حسابات قديمة» وهو تعبير أكاديمي راق في الحديث عن خلاف مع زميل في الجامعة ذاتها.. وواصل الموسوعيون في تعقيبهم كشف ما انطوى عليه الزميل ورووا قصة بحث الدكتوراه الذي رفض بعد ان اختبرته لجنة من قسم اللغة العربية «قسم اللجنة» بكلية الآداب، و«الشعور المدمر» لدى الزميل الذي أعقب ذلك، ولم يكثف الموسوعيون بهذه «الايضاحات» عن سيرة ونوايا الزميل بل حمل التعقيب مزايدات وتهديدات غير مسبوقة في رد أكاديمي علمي في صحيفة سيارة فتحدث عن «مساءلته أمام الجهات الرسمية لو استدعى الأمر» وأشار التعقيب إلى المستوى القانوني الذي سيعلمه هو وغيره ويردع من لا يحاسب نفسه، وبدا الاستعداد والمزايدة في هذا التوظيف المتثعلب «في ظروف نحن جميعاً في أمس الحاجة إلى مايعزز وحدة الصف ويكشف عن غنى ثقافتنا وأدبنا».. وتبقى طامة كبرى في رّد الموسوعيين تنسف الموضوعية وتذبحها من الوريد إلى الوريد في التفاخر بالقول: «ولعلنا لا نأسف كثيرا لاسقاط النصوص الأكثر رداءة لأنها لاتمثل إلا أصحابها فالنصوص التي لم تتضمنها الموسوعة أو «أسقطت» هي رديئة لاتمثل إلا أصحابها وهو حكم ينسحب على كل ماهو خارج الموسوعة من قصة ورواية وشعر وأدب ونقد وثقافة، فليذهب الجميع إلى بيوتهم إذن فقد حسمت الموسوعة الأمر.
إن الموسوعة ليست موضوع الطرح هنا في هذه الورقة، ولكن هجوم الدكتور القحطاني وتعقيب الموسوعيين والثقافة التي عبر الجميع عنها كانت علامة مهمة وشاهداً جديراً بالاهتمام على ما يطفو على السطح بين حين وآخر فيكشف القاعدة الواهية التي تستند إليها الحوارات في الثقافة المحلية، المعلن منها على الأقل.
لقد كان بوسع الدكتور القحطاني أن يوجه إلى الموسوعة أسئلة علمية مشروعة وان يورد النماذج التي أوردها دون الحديث عن اللجنة وأشخاصها ودون الانجرار إلى الغضب الذي تفجر في المقال، ولقد كان من المنتظر ألا تنزلق لجنة الموسوعة العلمية إلى هذه الهوة من الفجاجة والانفعالية والمزايدة والخوض في السير الشخصية للخصوم الذين هم زملاء الأمس واليوم، وكان المتوقع أن تتجنب في رسالتها التعقيبية الحوار غير العلمي الذي حذرت منه فغرقت فيه حتى أذنيها، خصوصاً أن «الجزيرة الثقافية» كفتها مؤونة التعقيب بايضاح وافٍ عن الموضوع فلو كان الناقد «وأمثاله الذين لايعرف من هم» لايستحق كل هذا الاهتمام لإحباطه وفشله في دخول القسم فما الذي يكلف الموسوعيين هذا الردّ الذي أسقط ما استترت به الموسوعة من صمت؟ وإذا كان غير ذلك فإن الرسالة كان ينبغي ان تقتصر على ما ورد علمياً وتتجنب القضايا الشخصية والانحدار إلى لغة لاتليق بها، إذ ما الذي يجعلها تنجر إلى كتابات فضائحية وفتح ملفات كان ينبغي ان تبقى وديعة في مكتب رئيس القسم وسكرتاريته، ولقد كان الموسوعيون في أشد الغنى عن الحديث عن النواحي القانونية والأهداف الوطنية التي كانت الدافع لكتابة الموسوعة، ليس لأن من الواجب ألا يصل الحوار بين زملاء وأدباء وأكاديميين إلى هذا المستوى، ولا لأن اللغة كانت أصغر من المتحاورين ومن الصحيفة ومن الجامعة فحسب؟ بل لأن الموسوعة والخلاف حولها لايصلحان موضوعاً للقانون أو الوطنية المشار إليهما.
ان هاتين الفرصتين اللتين جرى التعليق عليهما بإيجاز هما مثال واضح على ماتعانيه الثقافة المحلية من أمراض الضعف والسطحية والضحالة التي لا سبيل إلى التخلص منها إلا بمواجهتها والاعتراف بها، إنه عند كل ملمة أو مناسبة أو مهرجان أو حفل أو ندوة أو حوار أو خلاف أو مقال أو موسوعة يتبدى للمتابع أنه كان (يستسمن ذا ورم) وأنه في أحسن الأحوال لاشيء مهماً يمكن التفتيش عنه خلف المظاهر الأكاديمية والأغلفة البراقة والروايات التافهة والملاحق الثقافية والأقسام الأدبية واللغوية والأندية والجمعيات. .، إن الاعتراف بالمرض مع ظهور أعراضه خير من إنكاره الذي سيؤدي إلى استفحاله، إن لم يكن قد استفحل وليفتش الدارس الجاد عن مناسبة أو قضية مهمة واحدة نجحت الثقافة المحلية في معالجتها وخرجت بتصور يعبر عن أطيافها وتياراتها بشكل مقبول على الأقل.
ان الضعف لايضرب أطنابه في المنهج والفكر وحده ولكنه يقيم في أسلوب الحوار وأساسيات الكتابة والقراءة والصياغة والحديث والخلاف والجدال والنقاش والصراع، بل ان هذه الشواهد التي يقرؤها المتابعون من المحبين بحزن وسخرية مرّة ويقرؤها المبغضون بشماتة لايعدمون أسبابها كل مرّة هذه الشواهد لاتنفك تتكرر لتعلن أنه لافائدة من انتظار شيء من كثير من الأسماء التي أضاعت وقت القراء في الصحف المحلية وصدعت رؤوسهم بالكتابات والمحاضرات فإذا فتشت عنها لم تجد شيئاً، إن الحديث عن ثقافة محلية مجدداً لابد ان يعني وجود مثقف وكتاب، أما المثقف فهو نادر مثل جوهرة وأما الكتاب فهو معدوم فعن أي ثقافة يتحدثون؟
إن المتابع لايلوم بعد ذلك من لايقرؤون الصحف المحلية ولايتابعون النشاطات الثقافية ويعدونها ضياعاً للوقت، إذ يجدون في الكتابات التي تحفل بها الصحف كتلاً من الانشاء الفارغ الذي لايقول شيئاً في النهاية فالفكرة رديئة مكررة واللغة ضعيفة حشيت بالأخطاء اللغوية والأسلوبية ولقد أحسن «الهليل» الرسام في كاريكاتيره حين عبر عن هذه الحالة بكاتب يحمل أوراقه إلى مسؤول التحرير.. «حبّيت طال عمرك تنشرون هالمعلومات اللي أنا كاتبها؟ نستخرج العسل من النحل والتمر من النخل تشرق الشمس من الشرق وتغرب من الغرب، يعيش السمك بالماء، ويسقط المطر من السماء» وهو ما يصدق على نسبة غالبة مما يكتبه الأكاديميون والصحافيون هنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.