الحلقة الأولى موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث مشروع ضخم وهائل قام عليه نخبة من الأكاديميين وأصحاب التخصص والاتصال المباشر بالساحة أو المشهد الأدبي والثقافي المحلي. هذه الموسوعة اكتنفها الغموض منذ البدء فيها وفرض عليها التكتم والسرية وهذا أمر مشروع للقائمين عليها شريطة ألا يخرج هذا العمل إلا بالصورة المرجوة والكاملة. وهو للأمانة مشروع يستحق الاشادة والاحتفاء. لكنه جاء بصعقة لا تغتفر صعقت الشارع الثقافي عامة قبل ان تصعق أصحاب الشأن والمعنيين. هذه الصعقة تتمثل في إغفال عدد من أسمائنا وقاماتنا الأدبية التي أثرت مشهدنا الأدبي والثقافي لسنين طوال ولا نعلم بماذا ستبرر هذه الصعقة التي لا تغتفر. «الجزيرة الثقافية» استقطبت عدداً من الأسماء التي غابت أو «غُيبت» من موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث. فجاءت مشاركاتهم مزيجاً من خيبة أمل وقسوة رد طبيعية لما حدث. ما تجدر الاشارة اليه هنا هو ان كل من اتصلنا بهم وسألناهم عن هذه الفادحة كانوا يصرون على مسألة تشكيل لجنة لإعادة النظر في الموسوعة ويناشدون في هذا صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله لانصافهم واتخاذ اللازم تجاههم وتجاه من كانوا وراء هذا التغييب المؤلم. أولى المشاركات جاءتنا من الأستاذ أحمد الدويحي الذي شاركنا قائلا: الموسوعة كعمل أدبي فكرة رائدة لكونها تسعى الى توثيق واخراج نتاجنا الأدبي والثقافي الى حيز الوجود. بعد ان كان كثير منه معرضاً للضياع بحكم عدم انتشار بعضه وموت وغياب الكثير منه، ووجود الموسوعة دليل على اهتمام من يعينهم أمر الأدب السعودي وتوثيقه للقادم. وما يعنيني هنا هو الجنس السردي فالموسوعة قام على تجيمع موادها وتنقيحها نخبة نعتز بها وهم من الأسماء التي لها حضورها الفعال وكان يمكن ان تتسع الدائرة لتشمل أعداداً أكبر من المختصين في كل حقل وجنس أدبي بدلا مما حدث لتخرج هذه الموسوعة بالشكل الذي نطمح اليه. وما رصد لها من ميزانية أولا وثانيا هي ميزانية لوزارة ثقافة وليس لإعداد موسوعة ناقصة أغفلت قامات أدبية أو لا أعتقد ان هناك مبرراً للقائمين على اعداد هذه الموسوعة في اغفال وتجاهل تلك الأسماء وتلك المناسبات، ولعل مرد ذلك الخلل الى العشوائية ولست أقول كما يردد الآخرون بفقدان الأمانة العلمية لكنه الكسل وعدم تواجد روح المسؤولية التي تخلق شللية لما بحت الأصوات من الشكوى والتذمر دون جدوى لسيادة تلك الشللية في المؤسسات الثقافية أما ان تصل الحال الى موسوعة تدعي أنها تضم بين دفتيها الإنتاج الأدبي بكاملها في المملكة، فهنا المصيبة وبيت القصيد. وإلا ما معنى ان يعمد أولا القائمون عليها بتجاهل نتاجات أدبية ذات قيمة عالية وتجاهل أسماء لا يمكن تغييب حضورها بسبب أو لآخر إلا لأن من تابع تلك النشاطات وتلك الأسماء إما ان يكون جاهلا بقيمتها أو دورها الثقافي أو يكون في نفسه مرض وكما نعرف فإن الموسوعة أشارت الى أعمال لبعض الكتاب وأنا منهم حيث أشارت مثلا الى روايتي الأولى «ريمانة» وأغفلت بقية نتاجي الأدبي وهي أربعة اصدارات بعد ذلك وكان يجب الاتصال بالأدباء والكتاب كل في حقله شعراً ورواية وقصة ومسرحاً ومثاله خصوصا وان هناك لجاناً تشكلت لكل حقل. كما التقينا احد أعضاء التي قامت بإعداد الموسوعة وهو د. معجب سعد الزهراني حيث شاركنا قائلاً: أولاً الموسوعة عمل تأسيسي قد لا يخلو من النواقص لكنه يتميز بهذه السمة التي أزعم أننا جميعاً في أمس الحاجة الى الاعتراف بأهميتها والانطلاق بعد ذلك لما هو أهم وأجمل. لقد تابعت معظم ما كتب حول هذا العمل وللأسف الشديد لاحظت ان عقلية تتبع النواقص والهنات الصغيرة هي التي سيطرت على معظم الكتابات. بل ان المفارقة لتصل الى ذروتها حينما يتجول البعض الى مقام الأستاذية فيكتب ما يوحي بأنه الأكثر علماً ودراية بما كان ينبغي ان ينجز من قبل سبعة أساتذة متخصصين في مجال الأدب والدراسات النقدية وقد تخرج على أيديهم أجيال من الباحثين بعد هذا أشير الى ما يشبه المسلمة الأولية وهي ان عملاً موسوعياً كهذا لا يمكن ان يشمل كل الأسماء في المجالات الابداعية المختلفة وإلا لتحول الى تجميع «غبي» للنصوص والأسماء. ثم ألمح كثيراً على ضرورة القراءة المتأنية للمقدمات النقدية التي تشكل متناً معرفياً متكاملاً ومتنوعاً طرح الكثير من القضايا المتعلقة بتاريخ الأدب السعودي وبتطوير أساليبه وموضوعاته وهذا ما لم يحاول الكتبة العجلى التوقف عنده لأنه عمل صعب ويحتاج الى قراءة متأنية يبدو أنهم ليسوا مستعدين لها الى الآن على الأقل. ثم ان المجلد الخاص بالمقاربات التاريخية والاجتماعية والثقافية ليستحق قراءات لا أقل تعمقاً وحوارية وهذا أيضا ما غاب عن أذهان أغلب من كتب عن الموسوعة. بعد هذا كله أعتقد ان من حق العاملين ان يعملوا بصمت خلاق بعيداً عن شبهات من لا يعمل ولا يحب ان يعمل الآخرون. وأرجو كل الرجاء ان تستفيد اللجنة العلمية في الطبعات القادمة للموسوعة في بعض الملاحظات النقدية البناءة وما أقلها للأسف الشديد. كما سألنا د. الزهراني عما ذكره الصحفي الأستاذ عبدالله السمطي وتحديداً عن مجلدات الرواية والقصة والشعر فأجابنا د. الزهراني قائلا: أزعم ان الأخ عبدالله السمطي يتجه بطاقاته الى شكل من أشكال خطاب الاثارة الذي لا يليق بباحث يدعي انه يمارس البحث العلمي الرصين ثم ان كتابات عبدالله السمطي عن المبدعين والنقاد «هنا» تذكرنا بمرحلة تجاوزها الزمن إذ ان التطورات العميقة التي طرأت على وعي المثقفين هنا تجاوزت مرحلة التتلمذ على الآخرين خاصة حينما يكون الآخر في مقام التتلمذ على ما ينجز من كتابات معرفية «هنا» وحبذا لو عرف كل منا موقعه لكي يتجنب أمثال السمطي ذلك الموقف الذي صوره لابون تين في احدى مقطوعاته الشعرية عن كائن صغير أراد ان يشرب ماء البحر كلها فانفجر وكأنما هو أمثولة انسانية عامة لكل من يدعي فوق ما يدرك ويطيق. نقطة أخيرة أود الاشارة اليها قبل الختام وهي أنني جمعت حوالي 145 قاصاً وقاصة. واضطررت للتضحية ببعض الأسماء لا للتقليل من شأنها أو شيء من هذا ولكن لأن الحجم أو العدد المتاح لا يسمح بأكثر مما صدر في الموسوعة. أما صاحب هذه الاثارة فهو الأستاذ عبدالله السمطي «الضاحك الباكي» فقد شاركنا قائلاً: أعتقد ان مفهوم المختارات قد يمثل نوعاً من التبرئة المنهجية التي تبرر غياب بعض الأسماء وان المختارات كانت هي الركيزة الأولى لتكوين الموسوعة لكن إذا نظرنا بشكل منهجي فإننا نجد نوعاً من القصور في تحقيق مسألة الاختيار لأنه بالضرورة حينما أختار ما يمثل الأدب السعودي الحديث عليَّ ان اختار النماذج الفعلية الحقيقية التي تمثل القيم المثلى لهذا الأدب وان اختار لكل كاتب مبدع ما يمثله هو وما يمكن ان يخرج به على الناس. وهذا هو المقصد الحقيقي لمفهوم المختارات وهوما نجده في جميع المختارات العالمية وحتى العربية ولذلك فإن من يهاجم الموسوعة قد يدخل اليها في هذا المدخل وهي موسوعة مهمة بلاشك لكن كان على القائمين عليها ان يفكروا في كيفية تلقي الأدباء في الداخل والخارج لها فحتى من اختيرت لهم نصوص لن يكونوا راضين على الأغلب بهذا الاختيار في كل الأجناس الأدبية، الذين غابوا غير راضين عن تصنيفات الموسوعة وفي كل الأحوال على القائمين على الموسوعة ان يوسعوا في مجالات الاختيار وان يكون هناك مجلدات قادمة تحوي هؤلاء المنسيين أو الذين تم تناسيهم لأسباب غير موضوعية. أما القاصة الأستاذة رقية حمود الشبيب فقد جاءت مشاركتها صريحة ومليئة بالحزن وخيبة الأمل، وتحدثت بطريقة غير معهودة من قبل. فقالت: لا أعلم كيف أبدأ وماذا أقول وعن أي شيء أتحدث فهل اتحدث عن هذا العمر من العطاء والكتابة. أم عن عقدة حرف الدال التي مازالت معششة في أذهاننا. أم عن فشل ذريع لموسوعة قام عليها من كنا نعول عليهم بل وننتظر منهم الجميل والجميل دائما. وهم أكاديميونا الأعزاء وعلى رأسهم د. منصور الحازمي. فأعتقد انه نسي أو تناسى من قام أدبنا المحلي على أيديهم وبجهودهم وانصرف الى الاهتمام وتذكر من يشرف على رسائلهم العلمية ولا أريد ان أذكر أسماء معروفة ومحددة. وأيضا د. معجب الزهراني هذا «المبهور المتعالي» المبهور بأدب بثقافة الآخر وخاصة الأدب الفرنسي. فكل ما يمكن ان تجده أو تقرأه لمعجب الزهراني لا يتجاوز الكتابة عن الأدباء الفرنسيين والأدب الفرنسي عامة. والمتعالي على مشهدنا وساحتنا الثقافية المحلية وهذه بالذات «التعالي» تعد سمة بارزة لا يعرف معجب الزهراني إلا من خلالها. ما يحزنني كثيراً هنا، هو ما أتذكره قبل عشر سنوات تقريباً عندما قام باحث مصري بارسال ومكاتبة كل أديبة وكاتبة سعودية لتوثيق الأدب النسائي السعودي ضمن عمل كان يعتزم اعداده حينها. لنأتي الى أسمائنا وبنوجلدتنا فيتجاهلون كل ما قدمناه خلال تلك العقود. كنا ننتظر منهم عكس هذا تماما كنا ننتظر الاحتفاء والاشادة والتقدير لكل ما قدمناه. وهنا أوجه نداء استغاثة أو نداء استماته أو سمه ما شئت الى سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله باعادة النظر في هذا العمل الناقص الذي أوكل الى من ليسوا بكفء للقيام به. نحن من قام أدبنا المحلي على أكتافهم وفي نهاية المطاف لا نقابل إلا بالجحود والنكران. أقول إنني آمل من سيدي الأمير سلطان ان يقوم بتكليف لجنة للتحقيق في هذا العمل لاستدراك الأخطاء الفادحة، التي ستنقل صورة في غاية التشويه والقبح للمجتمع الخارجي عامة عن أدبنا وثقافتنا وما قامت به اللجنة القائمة على اعداد هذه الموسوعة من تجاهل وجحود هو مصادرة صريحة ولا يمكن السكوت عليها، ولكن ما يظهر لنا منها هو أنها عملية مادية بحتة اقتسمها القائمون على أمرها «الموسوعة» وهنا اتساءل بما أنكم حصلتم على اتعابكم المادية مضاعفة من خلال الدعم الذي قدمه سيدي الأمير سلطان.. فلماذا لم تنصفوني وتنصفوا غيري من الأدباء والكتاب والكاتبات؟ لماذا لم ترجعوا الى مكتبة الملك فهد وبالشكل المنهجي العلمي الموثق؟ ولماذا لم ترسلوا استبانات أو لماذا لم تكاتبوا كل كتابنا وكاتباتنا؟ لماذا هذا التكتم المخجل؟ إن ما حصل دليل على ان من قام بإعداد الموسوعة لم يكلف نفسه عناء البحث والتأكد والمتابعة. فستغني بما تحتويه مكتبته الشخصية من دوريات فقط. هذه الشللية التي كنا نتوقع اننا تجاوزنا حماقاتها منذ عقود، لكن أكاديميونا وواجهاتنا أثبتوا لنا أنهم أول من يتعامل بمنطقها الأحمق.