تفوقت شركة أرامكو السعودية بشكل هائل على أكبر شركات نفط في العالم خلال 2020 بعد أن حققت أرباحا صافية 49 مليار دولار مقابل خسائر ب62.6 مليار دولار لأكبر 5 شركات نفط عالمية (اكسون موبيل، شيفرون، توتال، شب، بي بي)، فيما حققت شركة أرامكو في 2019 أرباحاً بقيمة 88.2 مليار دولار، مقابل تحقيق نفس شركات النفط العالمية الكبرى نحو 54.4 مليار دولار. رغم أن السعودية اتخذت استراتيجية طويلة الأجل تسير على المسار الصحيح نحو تحسين محفظتها في أعمال النفط والغاز، إلا أن الدول تدافع عن مصالحها، فالرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير أثار غضب أوكرانيا عندما دافع عن القيمة الدبلوماسية لخط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 المثير للجدل، ولم تهتم ألمانيا بتصريحات أندريج ميلنيك سفير أوكرانيا لدى برلين من أن حجج شتاينماير التاريخية محل الشك، واعتبر أن نورد ستريم 2 يظل المشروع الجيوسياسي للرئيس الروسي بوتين ويتعارض مع المصالح الأوكرانية، لأن الخط يجلب لأوروبا 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا ومن ثم إلى أوروبا فيصبح الإجمالي 110 مليارات متر مكعب للخطين. حتى في ذروة عمليات الإغلاق وحظر السفر انخفض استهلاك النفط نحو الربع، ما يشير إلى مدى عمق وجوده في حياة الشعوب، ما يعني أن إدمان العالم على الوقود الأحفوري لا يزال قوياً، خصوصاً وأن بيل جيتس ذكر في كتابه الأخير عن تغير المناخ إذ لاحظ أن الانخفاض كان فقط بنسبة 5 في المائة في الانبعاث في 2020 نتيجة لعمليات الإغلاق والركود الاقتصادي، وكان لافتا ضآلة انخفاض كمية الانبعاثات التي انخفضت بسبب الوباء. لا يزال متوسط استهلاك العالم يبلغ 91 مليون برميل يوميا أكثر مما استهلكه العالم في 2012، وتتوقع جولدمان ساكس أن يتم تجاوز 100 مليون برميل في نهاية 2021، وهو ما يفسر لماذا أخذ المستثمرون يحتشدون فجأة حول الشركات القديمة التي كانت تعد بتلبية النهم من الطاقة المتجددة إلى النفط الخام، بل ارتفعت أسهم النفط الصخري نحو 200 في المائة منذ أوائل نوفمبر 2020، وهو دليل على أن انهيار النفط نتيجة الجائحة سينتهي بانتعاش قوي. رغم أن الحماسة الكامنة وراء تحول الطاقة إلى وقود أنظف، فإن إخراج النفط من الاقتصاد قد يكون أصعب، ويستغرق وقتا أطول مما كان يأمله الكثيرون، وستكون شركة أرامكو القائد الأكبر لهذا السوق، خصوصا عندما تضطر مثل شركة BP إلى توديع مسيرتها العملية الطويلة التي أنشأتها من أجلها الحكومة البريطانية قبل أكثر من 120 سنة للتنقيب وإنتاج البترول في منطقة الخليج، وأزاحتها الشركات الأمريكية، تجد نفسها اليوم خارج منطقة الخليج. ليس هذا فحسب بل بسبب أيضا تخليها عن ثلاثة مشروعات بترول جديدة في كازاخستان، ما جعلها تصاب بخيبة أمل بعد أن كانت تعتقد أن تجد احتياطيات كافية في بحر قزوين ينقذها من الإفلاس نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج غير المتوقعة بعد 18 شهرا من العمل. وهو ما جعل الشركات الأوروبية تفقد مكانتها نتيجة المبالغة في تقدير الاحتياطيات، ليس هذا فحسب، بل جدوى تلك الاحتياطيات عندما تنخفض أسعار النفط، وهو ما يجعل كثيرا من هذه الشركات تحذف كثيرا من احتياطياتها، وانسحابها من مناطق عديدة، ومن تلك الاحتياطيات التي بحاجة إلى إعادة تقدير، احتياطيات فنزويلا المقدرة بنحو 261.8 مليار برميل من بترول أورينكو، أيضا احتياطيات كندا المقدرة ب162.4 مليار برميل من بترول الرمال. ما يعني أن منطقة الخليج تحتوي على ثلثي احتياطيات العالم، والسعودية تمتلك قريب من نصف احتياطيات العالم. ** ** - أستاذ بجامعة أم القرى بمكة