قرأت رواية «نصف حياة» للكاتب الهندي نيبول الذي حاز في العام الفائت على جائزة نوبل للآداب والذي عرف بانه معاد للعرب والمسلمين. تتحدث الرواية عن حياة رجل ينتسب إلى عائلة من الكهنة كان يمكن أن تكون عائلته غنية ولكن بسبب الفتح الإسلامي تحولت من إمكانية الغنى إلى الفقر. «لاحظ إمكانية» وهذه ليست الإشارة الوحيدة في الكتاب التي تعبر عن موقفه من الإسلام. ينتقل بطل الكتاب إلى الدراسة في لندن ويمكث فيها حوالي ثلاث سنوات قضاها في الدراسة ومراقبة العالم الجديد عليه. ولكنه في النهاية لم يعبر عن أي مستوى من الصراع يستحق أن يذكر. كل حياة البطل كانت تتحرك على المستوى الشخصي وحتى على هذا المستوى لم توفر الرواية أي بعد دراماتيكي يمكن أن يحلل الشخصية أو يضعها في أي سياق متفرد. بعد أن يغادر البطل لندن وينتقل إلى افريقيا تشعر أن لندن لم تكن أبدا منعطفا في حياته، تركها دون أثر رغم انها المدينة التي يتصارع شعبه معها. ولكن موقفه المعادي أو الساخر من غاندي بطل استقلال الهند لم يسمح له برؤية لندن من زاوية المستعمر. استقر في افريقيا عقدين من الزمان تقريبا . ورغم ذلك لم يحدد لنا أي الدول الافريقية هذه ولكن يتبين من النص انها مستعمرة برتغالية ومن سكان البلد الأصليين تعيش جالية مسلمة من أصول عربية. حسب تصوري يبدو انهم من أصول عمانية. تسير حياته بنفس الحركة البطيئة والخالية من الدراما كما كانت في لندن حتى يتجاوز سن الأربعين فيطلق المرأة التي ارتبط بها في لندن ويغادر افريقيا. ولأن الكاتب غير معني بالهموم الإنسانية لا نجد في روايته أي شيء يشير إلى واقع الشعب الافريقي في تلك المستعمرة وحتى عندما يتحدث عن الثوار أو بالأصح جاء على ذكرهم تحدث بحياد يكاد يكون مطلقا. لم يوضح هويتهم ولم يترك لنا أي دلالة يمكن أن نعرف من خلالها أي قيمة ثقافية أو اجتماعية للصراع. تنتهي الرواية والقارئ لا يعرف بالضبط ما هي طبيعية هذا العمل الروائي. أعتقد أن القارئ يواصل القراءة حتى نهاية الكتاب لأن الكاتب هو الكاتب نيبول الحائز على جائزة نوبل وليس لقيمة خاصة في الكتاب. يذكرني هذا الكتاب بسرديات عبدالرحمن منيف التي تفتقر لما يعرف ب «irony» وان كان هذا أفضل قليلا لأنه يخلو من اللت والعجن الذي عرفت به أعمال المنيف. لا أعرف أعمالا أخرى لنيبول ولا تشجعني هذه القصة على قراءته مرة أخرى. وربما يصدني أكثر إحساسي العميق أن الرجل غير منصف مع الإسلام. يعرف نيبول ان الإسلام هو الدين الوحيد في الهند الذي قدم حياة كريمة لما يعرف بالمنبوذين بل ان الإسلام رفع هذه الطائفة من مستوى الحيوانات إلى أعلى درجات السلم الاجتماعي في الهند باعترافه غير المباشر في داخل الرواية نفسها. ولكن من الواضح أن الكاتب غير معني بالصراع الإنساني أو التناقض الوجودي الذي يوفر للفن السردي قيمته الإبداعية.لا أتذكر مبررات سكرتارية جائزة نوبل التي على أساسها منحته الجائزة ولكن الفائز بجائزة نوبل هذا العام يعطينا فكرة واضحة عن توجهات هذه الجائزة. جائزة نوبل كأي مؤسسة ثقافية عرضة للأهواء والتلاعب. بمعنى آخر هذه الجائزة ليست جزءا من مؤامرة غربية شاملة كما نحب أن نفهم ونستريح وإنما هي مؤسسة قابلة للاختراق والتسييس. وما زلت أقول لو أن نصف الفلوس التي صرفها المسلمون في التقاتل الذي أخذ أبناءنا إلى غونتنامو وظفت لاختراق المؤسسات الغربية الفاعلة لما اكتسب كاتب متواضع كهذا كل هذا المجد والتأثير. فاكس 4702164 [email protected]