ترددت كثيرًا في كتابة تلك الخاطرة؛ لأنني أكثرت الحديث عن السرديات، وقد أكون مللت الحديث، وملّني المتلقي. لقد أُوحي إليّ أن بعض السرديين ضاق ذرعًا بما أقول، مع اتهامي بالتحامل على هذا اللون من الإبداع. والحق إنني لا أتحامل على أي إبداع، ولاسيما أنني ناثر، ولست بشاعر ولا قاص. المتابع للمطابع يروعه الانفجار السردي، وقد لا يمضي معه؛ لأنه انفجار، وتخلي . كثير من مقترفي هذه الجناية ليسوا موهوبين، فكم هو الفرق بين الموهبة، والاقتدار. هناك منشؤون، وهناك مؤرخون، وكتّاب تراجم. الإبداع السردي يختلف عن لغة التاريخ، والتراجم، وإن سماها (الذهبي) سير أعلام النبلاء. وكل السير القديمة إن هي إلا تراجم كُتبت بلغة أدبية. كل يوم أتلقى من بعض الإخوان إهداءات سردية، هكذا يظنون، وما هي في الحقيقة من الإبداع السردي في شيء. سمّها ما شئت، إلا أنها لا تكون إبداعاً. لقد تحدثت طويلاً عن موقفي من السرد الروائي، والقصصي. وكان حديثًا يدخل في مصطلح نقد النقد؛ لأن استيائي من النقاد يفوق استيائي من المبدعين السرديين. وحديثي اليوم عن السرد السيري، وكانت لي معه مواقف متباينة، وقد أقع في التكرار. أكثر ما وصلني يعد توثيقًا لأحداث مر بها كتّاب السيَر، وهو توثيق مطلوب، ومفيد؛ فالتاريخ مجموعة أحداث، بل الحياة كلها أحداث متلاحقة ومتناسلة. أشرت من قبل إلى جهود (دارة الملك عبد العزيز) و(المؤسسة الخيرية للملك فيصل)، وحمدت لهما ما أنجزتاه مما يعد تاريخًا حديثًا للمملكة العربية السعودية في أدوارها الثلاثة المباركة. بقي أن تفرج الدارة عما حصلت عليه من معلومات مهمة عبر تسجيلاتها. الفرز بين السرد الإبداعي: روائيًّا، وقصصيًّا، وسيريًّا، وما سوى ذلك مهمة أقسام الأدب في الكليات العربية؛ لأن الأساتذة يتوفرون على المناهج، والأدوات، والمعارف والمصطلحات. بتضافر الجهود نستطيع ترشيد المسار، والحد من الفوضى. نحن في زمن الحداثة الغربية بكل أوضارها، وتجاوزاتها، وانقطاعها، وغموضها، وعبثها بالتراث. وما لم تنهض أقسام الأدب بما يجب عليها فإن مزيداً من التدهور سيلحق بالأدب. أعتذر إلى المتلقي فزاويتي تلك مفاهيم، وتساؤلات، وليست معارف. وذلك منهج يتعالق مع منهج طه حسين في كثير من كتبه، وبخاصة مقالاته المثيرة المجموعة في كتب.