لننحي المشاعر جانبًا، ونتحدث بموضوعية ومعلومات عما حدث في أمريكا يوم 6 يناير 2021م حيث نودي بجو بايدن الرئيس ال46 لأمريكا. التضليل، والتكسب الشعبوي، والتوهم بمعرفة المقاصد والتوجهات الأعلى يسمم وعي وذوق الرأي العام. ولعقلنة الجدل حول العلاقات الثنائية السعودية - الأمريكية، يجدر التذكير بأن أول رئيس أمريكي أعلن أن «أمن السعودية جزء لا يتجزأ من أمن أمريكا»، هو الرئيس الديمقراطي فرانكلين روزفلت، وأنه الوحيد الذي اعترف علناً بوجود قيم مشتركة بين الأمريكيين والسعوديين، وهو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي التقى الملك عبدالعزيز رحمه الله. ومن نافلة القول التأكيد على أن السعودية توحدت بدون أمريكا، ولم يكن لأمريكا سفير مقيم في المملكة سوى عام 1943، ولم يصبها الاهتمام الأمريكي إلا بعد أن استوت على سوقها، واكتشف النفط في أرضها، حيث فضلها المؤسس لأنه لم يكن لها سابقة استعمارية عكس بريطانيا العظمى وفرنسا. في الجهة المقابلة، فإن أول رئيس نوقش على طاولته الاستيلاء على حقول النفط السعودية كان جمهوريًا، وطرح تلك الفكرة وزير خارجيته كيسنجر، وأن الذي استنبت الفوضى الخلاقة هو بوش الابن، وهو جمهوري، وكانت مستشارته للأمن القومي ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس عرابة الفوضى، وصاحبة فكرة «الربيع العربي» حيث سعت للقفز على الحكومات وتحريك الشوارع ضدها، وكان مدير المشروع جاريد كوهين الذي عمل تحت إدارتها في الخارجية وواصل عمله مع هيلاري كلينتون. المؤسسات الأمريكية مؤدلجة ومبرمجة على تبني الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان في العلاقات الخارجية، أي كان الحزب الحاكم، ولم يشذ عن هذا النهج سوى الرئيس ترامب بشخصه وليس بحزبه، فتحت حكم ترامب كان أعضاء جمهوريون في الكونجرس يناصبون المملكة العداء. ما قيل أعلاه لا يعني بحال من الأحوال التعلق بحزب أو رئيس، فالسعودية بلد قوي في المنطقة، ولها ثقلها الديني والسياسي والاقتصادي الذي لا تخطئه عين أي رئيس أمريكي، وعليه أن يتعامل معها على المنشط منه والمكره. بالمقابل، تحترم المملكة علاقتها مع أمريكا وتقدرها وتعتبرها مهمة لأمنها الوطني وتنميتها وللمنطقة. دعونا من الذين ينثرون الملايين على النخب الفاسدة في أزقة ومقاهي وفنادق واشنطن الفارهة مدعين بأنهم أصحاب القرار في المنطقة، ويعملون على تشويه علاقات المملكة والتشكيك في نواياها، فأي مخطط أمريكي عندما يفتح خارطة الشرق الأوسط سيكتشف أنه وجها لوجه مع السعودية وأن تبين ملامح غيرها يستلزم عدسة معظمة. الرئيس ترامب لم يكن منتمٍ حزبياً؛ فالتحاقه بالحزبين الجمهوري والديمقراطي كان لتوفير الغطاء السياسي من أجل الدخول في لعبة العرش، وتمرد عليهما مرة بعضوية حزب مغمور اسمه «الإصلاح» ومرة بممارسة السياسة مستقلاً عن أي حزب سياسي في أمريكا. كانت الأحزاب بالنسبة له مطية للوصول إلى السلطة، ولم يمنح الفرصة سوى في عام 2016م عندما ترهل الحزب الجمهوري بسبب الإنهاك الذي تعرض له في السنوات العجاف الرئيس بوش الابن، والمخاوف التي انتابت البيض والعنصريين إبان فترتي باراك أوباما الرئاسيتين. ترامب استخدم الحزب الجمهوري ومخاوف الأمريكيين، والغضب العنصري المكبوت للوصول إلى البيت الأبيض، فخلب بخطابه ألباب الجماهير، وكان متمردًا على الحزب، وعلى المؤسسة السياسية التقليدية، وكان يتحدث بلغة يفهمها رجل الشارع وتداعب مكامن قلقه ونقمته. وتصادفت ظاهرة ترامب مع تدني ثقة الأمريكيين بالحكومة الفيدرالية حيث وصلت نحو 20 في المائة فقط، وتنسحب النسبة ذاتها على ثقتهم في الإعلام التقليدي. ولأن ترامب رجل نهاز للفرص، ولا يفكر كثيراً في المآلات فقد هاجم النخب السياسية التقليدية والإعلامية، ولجأ إلى شبكات التواصل الاجتماعي حيث اجتمع له أتباع من الحزبين. ولذلك فمن غير الدقيق البكاء على شمس الحزب الجمهوري التي أفلت بانقضاء فترة الرئيس ترامب، وإرهاق التوقعات بترقب فجر جديد له على يد ترامب أو أحد أتباع ظاهرته. خرج الرئيس أوباما، والرئيس ترامب في طريقه، وبقيت أمريكا بحزبيها الجمهوري والديمقراطي. المفاصلة مع الإدارة الأمريكية المقبلة ستكون في ملف إيران، وظروف اتفاقية 2015 تغيرت، ولم تعد المنطقة هي تلك التي تركها بايدن قبل أربعة أعوام. والتغير الكبير حدث في المملكة التي تحولت سياستها الخارجية من قيادة المشهد من خلف الكواليس إلى تصدر الصفوف في الدفاع عن مصالحها، وهذا يجعلها مرتكزًا لأي قرار قادم يخص أسلحة إيران النووية، وتدخلاتها في المنطقة، وترسانتها الصاروخية.