توج جو بايدن، أحد الثوابت في الحياة السياسية بالولاياتالمتحدة على مدار نصف قرن شغل خلاله مقعدا في مجلس الشيوخ ومنصب نائب الرئيس، رحلته الطويلة بالوصول إلى قمة الهرم السياسي وذلك بهزيمة الرئيس دونالد ترامب بعد محاولتين فاشلتين للوصول إلى مقعد الرئاسة. وعندما يدخل بايدن البيت الأبيض في 20 يناير كانون الثاني المقبل وهو في الثامنة والسبعين من عمره سيصبح الأكبر سنا على الإطلاق بين من فازوا في انتخابات الرئاسة. سعى بايدن الديمقراطي القادم من ولاية ديلاوير للتركيز على خبرته السياسية خلال حملة الدعاية الانتخابية المثيرة للانقسام، معتبرا نفسه زعيما يتمتع بالخبرة قادرا على أداء مهمة إبراء شعب أنهكته جائحة فيروس كورونا وتحقيق الاستقرار بعد سنوات ترامب العاصفة في الرئاسة. فقد قال بايدن قبل إغلاق صناديق التصويت يوم الثلاثاء "مع السن يتأتى قدر من الحكمة". وأعلن مركز إديسون للأبحاث وشبكات التلفزيون الأمريكية الكبرى اليوم السبت فوز بايدن على ترامب الجمهوري. وكان ترامب قد عمد إلى تصعيد اتهامات لا أساس لها على عملية التصويت في الأيام الأخيرة وزعم بالمخالفة للواقع أن الانتخابات "تُسرق" منه. ودأب ترامب على السخرية من بايدن وكان يصفه بعبارة "جو النعسان" خلال الحملة الانتخابية وقال إن قدراته الذهنية مستهلكة. وفي الوقت نفسه سعى حلفاء الرئيس لتصوير بايدن في صورة المسن المصاب بالخرف. وكان ترامب (74 عاما) أكبر أمريكي يتولى الرئاسة سنا عندما أدى اليمين الدستورية عام 2017 وهو في السبعين من عمره. ولدى قبول بايدن ترشيح الديمقراطيين له في انتخابات الرئاسة في أغسطس آب الماضي شدد على أهمية التراحم وآداب المعاملة، في مسعى للظهور بصورة النقيض لترامب المتهور والمشاكس. وقال "سأكون حليفا للنور، لا للظلام". وقد حقق في مسيرته السياسية مزيجا من المؤهلات العمالية والخبرة في السياسة الخارجية وقصة حياة آسرة تقترن بمأساة عائلية تمثلت في فقدان زوجته الأولى وابنته في حادث سيارة ووفاة ابنه بالسرطان. وصل بايدن إلى واشنطن شابا حديث العهد بالسياسة. وانتُخب في العام 1972 وهو في سن التاسعة والعشرين عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير وظل عضوا في المجلس على مدار 36 عاما قبل أن يصبح نائبا للرئيس من 2009 إلى 2017 في عهد باراك أوباما أول رئيس أسود للولايات المتحدة. وبعد أن شغل منصب نائب الرئيس، استقر بايدن على عدم ترشيح نفسه في 2016 ليشهد الهزيمة التي ألحقها ترامب بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. واستهدف بايدن ترامب في معرض الإعلان عن عزمه خوض انتخابات 2020 في أبريل نيسان 2019. وقال بايدن "نحن في معركة من أجل روح هذه الأمة" مضيفا أن ترامب إذا أعيد انتخابه "سيغير طابع هذا الشعب وهويتنا تغييرا جوهريا وإلى الأبد. وأنا لا يمكنني أن أقف موقف المتفرج وذلك يحدث". واختار بايدن نائبة له كاملا هاريس عضو مجلس الشيوخ المولودة لأب مهاجر من جاميكا ولأم مهاجرة من الهند لتصبح أول إمرأة سمراء البشرة وأول شخص من أصول آسيوية يدخل الانتخابات الرئاسية لأحد الحزبين الرئيسيين في الولاياتالمتحدة. وهي تبلغ من العمر 56 عاما وتنتمي للجيل الأصغر من بايدن. حلال المشاكل سعى ترامب لتصوير خبرة بايدن على أنها عائق فندد به باعتبار أنه امتهن السياسة. وقال ترامب إن بايدن سيصبح ألعوبة في يد "اليسار المتطرف" في الحزب الديمقراطي. وقد احتلت جائحة كورونا الصدارة في السباق الانتخابي. واتهم بايدن ترامب بالاستسلام في مواجهة الأزمة إذ قال إن الرئيس أصيب بالفزع وحاول التخلص من الفيروس بالتمني بدلا من بذل الجهد الجاد اللازم للسيطرة عليه الأمر الذي أصاب الاقتصاد بالفوضى ودفع بالملايين إلى صفوف العاطلين. أما ترامب، الذي دخل المستشفى ثلاثة أيام بعد إصابته بالفيروس، فقد سخر من بايدن لوضعه الكمامة بصفة دائمة لحماية نفسه من العدوى. وأسفرت محاولة من جانب ترامب للنبش في تصرفات بايدن عساه أن يجد ما يلوث سمعته عن توجيه الاتهام للرئيس في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون في ديسمبر كانون الأول 2019. وكان أساس التهمتين الموجهتين لترامب وهما إساءة استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونجرس هو طلب قدمه ترامب إلى أوكرانيا للتحقيق في اتهامات بالفساد لا سند لها في تصرفات بايدن وابنه هنتر. وفي فبراير شباط برأ مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون الرئيس من التهمتين بعد أن رفض استدعاء أي شهود. وخلصت وكالات المخابرات الأمريكية ومدير مكتب التحقيقات الاتحادي هذا العام إلى أن روسيا تمارس حملة لتشويه صورة بايدن وتعزيز فرص نجاح ترامب في الانتخابات وفي الوقت نفسه بث الفرقة في الولاياتالمتحدة وذلك بعد أن تدخلت في انتخابات 2016 للإضرار بفرص هيلاري كلينتون منافسة ترامب. ولم تسر المحاولتان السابقتان لبايدن لخوض انتخابات الرئاسة على ما يرام. فقد اضطر للانسحاب من السباق في 1988 بعد ادعاءات بأنه سرق بعض السطور في خطبه من خطب لزعيم حزب العمال البريطاني نيل كينوك. وفي 2008 لم يحصل بايدن على تأييد يذكر وانسحب من السباق ليختاره أوباما بعدها نائبا له. وفي عهد أوباما أدى بايدن مهام لحل مشاكل صعبة تتعلق بالحرب والشؤون الخارجية وفي قضايا داخلية مثل تقييد امتلاك الأسلحة والسياسة المالية. ولم يأخذ أوباما دائما بنصيحة بايدن. فقد أصدر موافقته على الغارة التي أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في باكستان عام 2011 رغم تحذير بايدن له من خطورتها. ويتكلم بايدن بكل صراحة عن المآسي التي شهدتها عائلته ومنها وفاة زوجته الأولى نيليا وطفلته ناعومي البالغة من العمر 13 شهرا في حادث سيارة بعد أسابيع من انتخابه عضوا في مجلس الشيوخ. وكاد أن يهجر الحياة السياسية لرعاية ابنيه الصغيرين اللذين نجيا من الحادث لكنه واصل المسيرة واعتاد أن يتنقل بالقطار بين ديلاوير وواشنطن لتفادي اقتلاعهما من البيئة التي نشأ الاثنان فيها. وفي 2015 توفي ابنه جوزيف، الذي سبق أن شارك في حرب العراق وكان مدعيا عاما في ديلاوير، بسرطان الدماغ في سن السادسة والأربعين. وواجه هنتر ابن بايدن الآخر مشاكل تتعلق بالمخدرات. وكان بايدن نفسه قد واجه أزمة صحية في 1988 عندما أصيب بتضخم الأوعية الدماغية. خلفية عمالية ولد بايدن في مدينة سكرانتون وهي مدينة عمالية في ولاية بنسلفانيا وكان الأكبر بين أربعة أشقاء. وانتقلت أسرته فيما بعد إلى ديلاوير. وفي صغره تغلب بايدن على تلعثمه في الكلام بقراءة قصائد شعرية أمام المرآة. وكان حديث العهد بالسياسة فعليا عندما أصبح خامس أصغر عضو في مجلس الشيوخ سنا في التاريخ الأمريكي عام 1972 إذ لم تكن له سوى خبرة عامين فقط في المجلس المحلي لمقاطعة في ديلاوير. ورغم سنوات من العداء الحزبي في واشنطن ظل بايدن مؤمنا بالتعاون بين الحزبين الرئيسيين. وخلال الفترة التي أمضاها في مجلس الشيوخ اشتهر بايدن بعلاقات العمل الوثيقة مع بعض زملائه من الجمهوريين. وبالإضافة إلى ذلك أيد عدد من الجمهوريين الساخطين بايدن في الانتخابات لانزعاجهم من احتمال فوز ترامب ومنهم مسؤولون سابقون في الحكومة وأعضاء سابقون في الكونجرس. كما أيد بايدن دور الولاياتالمتحدة كزعيمة على المسرح العالمي في وقت كان ترامب يتخلى فيه عن اتفاقات دولية ويستعدي حلفاء قدامى. وكان من إنجازات بايدن في مجلس الشيوخ المساعدة في إقرار قانون عام 1994 سمي باسم قانون مكافحة العنف ضد النساء ويهدف لحماية ضحايا الجرائم الأسرية. وخلال فترة عمله في مجلس الشيوخ تخصص بايدن في الشؤون الخارجية بل ورأس في وقت من الأوقات لجنة العلاقات الخارجية. وقد أيد في تصويت بالمجلس تفويض اجتياح العراق عام 2003 قبل أن يصبح منتقدا لأسلوب الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش في إدارة الحرب.