وسط طوفان التكنولوجيا وعصر الانترنت الذي اكتسح كل شيء حولنا انتشر عدد من الظواهر المرتبطة بالإنترنت ومن هذه الظواهر مقاهي الانترنت أو ما يسمى بالإنترنت «كافية» والتي تغيرت معها صور المقهى التقليدية حيث كوب الشاي والنارجيلة وحديث الذكريات القديمة، فمقاهي الانترنت أصبحت تشغل حيزاً كبيراً من اهتمامات الكثيرين وخاصة الشباب الذين يقضون أوقاتاً كثيرة بين جنباتها. فوائد كثيرة.. ولكن وداخل أحد مقاهي الانترنت المنتشرة في ميادين القاهرة وفي منطقة المهندسين التقينا محمد أحمد هاشم طالب بكلية الهندسة جامعة القاهرة الذي يقضي 35 ساعة أسبوعياً أمام شبكات الانترنت، وأنه بحكم دراسته في كلية الهندسة يدخل على المواقع الهندسية حتى يستطيع أن يطلع من خلالها على المعدلات الرياضية والرسومات الهندسية وآخر الاكتشافات والانجازات الهندسية في العالم، إضافة إلى مواقع أخرى لجامعات أجنبية يتعرف منها على أساليب الدراسة الهندسية في هذه الجامعات، والمواقع الثقافية في المكتبات العامة مثل مكتبة الكونجرس الأمريكي ليطلع على بعض المعلومات والقراءات المهمة. كما تمكنه شبكة الانترنت من شراء عدة كتب من ثقافات مختلفة وترجمتها أيضاً، وكذلك الاطلاع على الجرائد والصحف اليومية والعالمية، ويحرص محمد على حضور المنتدى الثقافي على الانترنت والمشاركة فيه بالرأي وسماع آراء الآخرين للاستفادة منها وهو ما يساعده على توسيع قاعدته الثقافية وأن يكون لديه موسوعة معرفية. ويقول هاشم: الانترنت سلاح ذو حدين فيجب على الانسان أن يحدد هدفه في هذا العالم الكبير جداً المتسع في جميع بلاد العالم حتى يستطيع الاستفادة بأكبر قدر ممكن وبذلك يتجنب الكثير من السلبيات والانترنت سيؤثر بالطبع في علاقتي بأسرتي وأصدقائي حيث إنني أقضي أمامه وقتاً كبيراً أبعد فيه عن الأهل والأصدقاء، كما أن هذا الوقت يقلص من فرصة ممارسة الرياضة، وأن ذلك قد يتعدى أيضاً على وقت المذاكرة في أيام الدراسة إضافة إلى أنها تقلل من ممارسة الهوايات الثابتة. عالم متسع وفي مقهى آخر من مقاهي الانترنت في حي الزمالك بالقاهرة تقابلنا مع أسامة محمد خريج معهد الاحصاء جامعة القاهرة والذي يقضي 8 ساعات يومياً أمام الكمبيوتر بين شبكات الانترنت يتجول فيها في أماكن كثيرة ومواقع مختلفة، فهو يبحث في مجال الكمبيوتر عن أحدث الطباعات والأجهزة الحديثة والجديد في مجال تطور الكمبيوتر هذا المجال الذي يوجد به كل يوم جديد، وكذلك هو حريص على معرفة مواقع كبرى شركات انتاج الكمبيوتر والبرامج الخاصة بها ليعرف آخر إصداراتها المتطورة والمتخصصة، وبعيداً عن مجال تخصصه يقضي أسامة بعض الوقت للتعرف على المعرفة والثقافة في جميع أنحاء العالم من خلال الدخول على مواقع كثيرة منها مكتبة الكونجرس الأمريكي ومكتبات أخرى كثيرة كما أنه يفضل مشاهدة المتاحف العالمية مثل متحف اللوفر بباريس عن طريق موقعه على الأنترنت والذي يعطيك مشاهدة المتحف وكأنك موجود فعلاً هناك. وإضافة إلى المواد المتخصصة التي يحصل عليها من خلال وجوده على شبكات الإنترنت والتي تتيح له الاطلاع على آخر الأبحاث والتصميمات الحديثة في مجال الكمبيوتر فإنه يهتم بالثقافة العامة ويطلع على كثير من الكتب العامة والمتخصصة إلى جانب ذلك فإنه يدخل على مواقع المحادثات لمخاطبة أصدقائه عبر دول العالم. وأبدى أسامة بعض التحفظ على المواقع السيئة على الانترنت والتي ينجذب إليها الشباب ضعيفو النفوس وأصحاب الشهوات وهم قلة غير مثقفة وغير واعية وكذلك فهي تخالف الدين وتسيء للعادات والتقاليد والآداب العامة للمجتمعات العربية والإسلامية التي تحث دائماً على الفضيلة وتنهي عن الرذيلة وهذه المواقع هي أسوأ شيء في الانترنت ويجب على الانسان تجنبها والابتعاد عنها. اختلاف واضح والتقينا بياسر حسين صاحب احد مقاهي الانترنت بوسط القاهرة والذي يرى أن رواد هذه المقاهي الجديدة والحديثة الانتشار يختلفون حسب التخصصات والمجالات التي يريد كل شخص معرفتها أو المواقع التي يريد الشخص الدخول إليها والتعامل معها، فبعض الأشخاص كثيرو التردد بحكم عملهم ومجال تخصصهم لأنه يريد معرفة أشياء معينة غير متاحة له في الكمبيوتر العادي ولن يجدها إلا على شبكات الانترنت، والبعض الآخر قليلو التردد لأن الانترنت عندهم هواية أو مجرد ترفيه عن النفس، وأضاف ان بعض الأشخاص يقضي ساعات كثيرة أمام شبكات الانترنت فبعضهم يصل إلى 4 أو 6 ساعات يومياً وهو وقت كبير والبعض الآخر يقضي من ساعة إلى ساعتين، ويرجع ذلك إلى طبيعة الشخص والمجال الذي يعمل فيه وما يريد الاطلاع عليه وكذلك على الموقع الذي يتعامل معه. ومع أن ظاهرة الانترنت كافية حديثة الانتشار إلا أن عدد المترددين عليها وروادها يزيد بشكل كبير لما لها من جاذبية كبيرة في مجال العلم والمعرفة والاستفادة الكبيرة في مجالات مختلفة إضافة إلى أن الانترنت كافية يعتبر مكاناً يتجمع فيه الأصحاب والأصدقاء في مكان جميل وهادئ يستطيعون الاستفادة منه وتوسيع معارفهم والاطلاع على الجديد في العلم والمعرفة. إقبال على المعرفة وانتقلنا إلى مقهى آخر حيث تحدثنا مع خالد محمود صاحب المقهى الذي قال إن رواده يزيدون يوماً بعد الآخر رغم أن ظاهرة الإنترنت كافية مازالت حديثة العهد، وكذلك فإنهم يختلفون في النوع والسن، وعن المواقع التي يريدون الدخول إليها قال انها تختلف حسب طبيعة الشخص ونوع عمله أو مجال دراسته، لكن معظم الأشخاص يدخلون للمعرفة والعلم فبعضهم يأتي للحصول على كتب أو ترجمة كتابات أو إصدارات كثيرة من لغات مختلفة، والبعض الآخر يجلس للقراءة في بعض الكتب من خلال مواقع المكتبات العالمية على الشبكة، والبعض الآخر يدخل على مواقع التوظيف، إضافة إلى مواقع الصحف العالمية على الشبكة. ولكن القليلين من رواده يدخلون للتسلية والترفيه عن أنفسهم وهؤلاء من حديثي السن الذين يدخلون على مواقع المحادثة مع أشخاص آخرين أو الدخول على مواقع تتيح لهم ألعاباً معينة أو برامج ترفيهية أو زيارة أماكن سياحية ما في أي مكان، أو الاستماع إلى أحدث الأفلام العالمية. «إيجابيات وسلبيات» وتوجهنا إلى د. محمد صلاح أستاذ علم الاجتماع جامعة القاهرة والذي يرى أن الانترنت أصبح أحد ملامح العصر الحديث عصر العولمة والتكنولوجيا والاتصالات فائقة السرعة فالإنترنت أحد معالم هذه السرعة، فالعالم كله يدخل في سباق رهيب من أجل الحصول على المعلومات والمعرفة وأحدث تقدم تكنولوجي، وأضاف د. صلاح أن الانترنت كأشياء كثيرة له فوائده وأضراره أو إيجابيات وسلبيات، ويرى أن نركز على الإيجابيات في البداية، فعبر الانترنت يستطيع الإنسان الاتصال بأي جزء من العالم من دون معوقات، ومن دون سفر، ويتاح له استخراج المعلومات بسهولة تامة ودون جهد، والاتصال بأصدقائه عبر هذه الشبكة، كما يمكنه تكوين صداقات جديدة وكثيرة عبر موقعه على الشبكة دون أن يرى هؤلاء الأشخاص ولكن تكون صادقات عبر الشبكة. وأضاف د. صلاح أن الإيجابيات كثيرة ويجب الاستفادة منها بأكبر قدر ممكن لكن في الوقت نفسه توجد هناك سلبيات للانترنت وهي أنها تدعو إلى التوحد بمعنى أن الفرد يجلس أمام شبكة الانترنت حوالي 20 ساعة دون أن يشعر بالوقت، وهذا التوحد يخلق جيلاً من الصداقات، ليس عبر التواصل الحميم لكنه عبر التواصل اللاسلكي، بمعنى آخر ليس التواصل المباشر بين الأصدقاء لكنه عبر التواصل غير المباشر، وهو ما يخلق جيلاً كاملاً يميل إلى التفرد والانعزالية ذلك لأن شبكة الانترنت تجعل الانسان يجلس بمفرده وعنده القدرة على الاطلاع على جميع المحتويات والمعلومات وكذلك يمكنه تكوين صداقات. ويرى د. صلاح يضر بالأساليب التقليدية للتنشئة الاجتماعية لأن الشخص إذ ينشأ في أسرة يكون هناك تفاعل بينها وبينه، كذلك بينه وبين أصدقائه وأن هذا التعامل يعمل على تقويم مستمر لسلوك الفرد، وأن تكون الصداقات عبر الانترنت يؤدي إلى شكل من الأشكال الانعزالية ويجعل الفرد متقلوباً في شكل واحد. وأشار د. صلاح إلى أن الاستخدامات السيئة لشبكة الانترنت ليست جديدة أو تنفرد بها شبكات الانترنت فقط، فعندما بدأ ظهور الأطباق الصناعية «الستاليت» قيل عنها الكثير وأن من خلالها سيشاهد الانسان أخبار العالم ويستطيع أن يرى الحدث وقت وقوعه، ولكن في الوقت نفسه وعلى الجانب الآخر فإن هذه الأطباق تنقل ثقافات ضارة لدينا موانع من مشاهدتها. كذلك شبكة الانترنت فمع أنها مفيدة وتنقل المعرفة والمعلومات إلا أنها تنقد ثقافات وآراء ومعتقدات قد لا تتلاءم مع مجتمعنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا، ومن هذه الأشياء وكما يقول د. صلاح أننا نسمع ونقرأ أن كثيراً جداً من قضايا «الآداب» وخصوصا المتعلقة بالتنظيمات الشواذ ترصد عبر الانترنت، لأن الأشخاص يتاح لهم أن يعبروا عن أنفسهم وذكروا أسماءهم وعناوينهم ومن ثم يسهل رصدهم، إضافة إلى قضايا اختراق شبكات وزارات الدفاع والأمن القومي حيث تمثل أخطاراً كبيرة خاصة إذا كان الشخص المخترق على درجة عالية من التقنية ويستطيع الوصول إلى الموقع والخروج منه دون معرفته وكذلك قضايا الترويج للمسروقات التي تمس الأمن القومي مثل ترهيب الآثار وبيعها. الدين سياج واقٍ وأكد د. صلاح أنه رغم وجود سلبيات للانترنت تبدو خطيرة إلا أن الحامي الوحيد أو السياج الواقي الوحيد الذي يحصن الشاب والفتاة من التأثير بهذه الثقافات المخالفة والسلبيات الخطيرة للانترنت هو التدين والتعمق في النواحي الدينية، مع الحرص على التنشئة التربوية السليمة التي تحض على مكارم الأخلاق والتمسك بالقيم الحميدة ونبذ كل ماهو مخالف لثقافاتنا وحضارتنا وديننا الحنيف، وهو ما يعطي القدرة على خلق جيل يؤثر في الانترنت ويتأثر بالجانب الإيجابي فقط وهذا سيحدث نوعاً من الإيجابية في التعامل مع التقدم التكنولوجي. أما الاعراض عن الانترنت فليس هو الحل لأن الانترنت أصبح ظاهرة عالمية تسود كل أنحاء العالم.