عرفت المئذنة في بادىء نشأة ظهورها في الإسلام بثلاثة الفاظ كل منها يطلق لوصف هذا البناء المرتفع الذي استعمل وظيفيا فيما بعد للنداء للصلاة وهذه الالفاظ الثلاثة هي: المئذنة أو المأذنة، والصومعة، والمنارة، وكل منها استعمل تاريخيا لوصف ذات البناء المرتفع. اما المئذنة فتشتق اسمها من الأذان أو النداء للصلاة، حيث يصعد المؤذن لاطلاق الأذان وجمع المسلمين من اطراف المدينة التي غالبا ما كانت صغيرة بما يكفي ليصل صوت المؤذن إلى اطرافها. اما الصومعة فيبدو ان العرب اعتادوا اطلاق هذه اللفظة على الأبراج التي كانت تنتشر بينهم في اديرة النصارى، ومن ذلك ما يروى ان كاتدرائية يوحنا المعمدان بدمشق احتوت برجا مرتفعا ، فيما يروي عن ابن جبير انه اطلق لفظة صومعة على احد الأبراج الاربعة التي يحويها الجامع الكبير بدمشق. وكلا البرجين استعمل لهما نفس اللفظة وهي صومعة. اما كلمة منارة والتي تعني اصلا الشيء الذي يصدر ضوءا كما في منارة الاسكندرية الشهيرة تاريخيا واحدى عجائب الدنيا السبع قديما. كما استعملت في اشعار العرب القديمة لمصابيح الانارة الزيتية وكذلك بيوت الفراعنة القدماء وانتقلت الى المساجد لاحقا. وتعتبر كلمة minaret الانجليزية تحويرا للاسم منارة باللغة العربية. اما عن منشأ هذا العنصر المعماري المتميز واستخداماته في العمارة العربية الإسلامية، فيبدو ان ظهور هذا العنصر كان متأخرا في الفترة الاموية ولم يسبق ظهوره في فترة ظهور الإسلام الأولى. حيث خلت المساجد الأولى من المآذن في عهد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حيث يرو ي ابن هشام ان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم للمدينة صلى دون النداء للصلاة أو الأذان والذي شرع وفصلت كيفيته في رؤية رآها عبد الله بن زياد ورواها للنبي صلى الله عليه وسلم وقبلها وسنت وأمر صلى الله عليه وسلم بلال بالنداء للصلاة بتلك الكيفية والذي اصبح مؤذن النبي الاول، فصعد بلال الى سطح المسجد ونادى للصلاة، وسنت منذئذ هذه الكيفية للنداء للصلاة بصعود المؤذن لمكان مرتفع والنداء بتلك الكلمات لجمع المسلمين. وتجمع الروايات التاريخية ان اول المساجد في الكوفة ومسجد البصرة اللذين بنيا في العام 17 للهجرة أو 638 ميلادية قد خلا كلاهما من المئذنة ولم تعرف في هذين المسجدين. كذلك جامع عمرو بن العاص في مدينة الفسطاط التي انشأها وهي احد المواقع القديمة للقاهرة حاليا لم يعرف المئذنة. ويروى عن الفرزدق انه وصف الأذان يطلق من على جدار كل مدينة مما يعطي وصفا عاما بان المئذنة لم تتطور بالشكل الذي نعرفه اليوم في ذلك الوقت. ولعل المنارات أو الأبراج الاربعة التي احتواها الجامع الاموي الكبير بدمشق التي لا ترتفع كثيرا يمكن ان تشكل اولى المآذن التي عرفت في الإسلام حيث اطلق عليها ابن الفقيه هذه اللفظة في العام 903 هجرية رغم انها كانت من المآثر ما قبل ظهور الإسلام حيث كانت ابراج مراقبة ايام اليونان القدماء. ويبدو ان تطور المئذنة في فترات الإسلام المتعاقبة قد تزايد وتسارع في مدن شمال إفريقيا مع تنامي الفتوحات الإسلامية وتوسع المدن العواصم ومدن الأمصار التي دخلها الإسلام، ويبدو ان مدينة القاهرة في زمن معاوية قد بدأت تشهد الصوامع التي امر ببنائها وكان ان تم ادخال السلم للصعود للمئذنة على زمن خالد بن يزيد. وفي هذا الإطار ضمن تطور المئذنة في مدن شمال إفريقيا نلقي مزيدا من الضوء في اسبوع قادم بإذن الله ضمن هذه السلسلة التي تبحث موضوع المئذنة وعمارتها في الإسلام، اصلها، ومنشؤها وتطورها.