وأنا في طريقي لمحت بالمصادفة لوحة إعلانية تحمل اسم «الوقف الإسلامي» ثم شد انتباهي إعلان جديد بأن مؤسسة الوقف الإسلامي تستقبل الزكاة (زكاة الفطر) والصدقة. واليوم حصلت على نسخة من النشرة التي أصدرتها مؤسسة الوقف الإسلامي وعرفت شيئاً عن دور هذه المؤسسة الخيرية. أفسد تصوري البهي عن الوقف. تحدث ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية عن الأموال فقال: (أما الأموال فيجب الحكم بين الناس فيها بالعدل كما أمر الله ورسوله مثل قسم المواريث بين الورثة على ما جاء به الكتاب والسنة، وقد تنازع المسلمون في مسائل من ذلك، وكذلك في المعاملات من المبيعات والإجارات والوكالات والمشاركات والهبات والوقوف والوصايا ونحو ذلك من المعاملات المتعلقة بالعقود والقبوض، فإن من العدل فيها قوام العالمين ولا تصلح الدنيا والآخرة إلا به). وقال الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية والولايات الدينية (فواجب أن تقسم صدقات المواشي وأعشار الزرع والثمار وزكاة الأموال والمعادن وخمس الركاز لأن جميعها زكاة على ثمانية أسهم للأصناف الثمانية إذا وجدوا، ولا يجوز أن يخل بصنف منهم). والله سبحانه وتعالى يقول: {فّآتٌ ذّا القٍرًبّى" حّقَّهٍ وّالًمٌسًكٌينّ وّابًنّ السَّبٌيلٌ ذّلٌكّ خّيًرِ لٌَلَّذٌينّ يٍريدٍونّ وّجًهّ اللهٌ وّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ پًمٍفًلٌحٍونّ}. (24) لٌلسَّائٌلٌ وّالًمّحًرٍومٌ}. ومن خلال هذه النشرة الإعلامية جزى الله طابعها وناشرها خيراً، أفسد تصوري الحقيقي عن معنى الوقوف الشرعي الذي أعرف من خلال الأوقاف القائمة على خدمة الحرمين الشريفين في مكةالمكرمة والمدينة المنورة وفقراء المسلمين. لأجد مؤسسة قامت في البداية في (هولندا) ثم تمددت حتى استقطبت بعض رجال المال وبعض أهل العلم في المملكة العربية السعودية حتى يتم استقطاع جزء من حق الفقراء والمساكين وابن السبيل في بلاد المسلمين لمشاريع دعوية باهتة (بكل أسف) وكأن رابطة العالم الإسلامي لم تقم بواجبها في خدمة الإسلام ومؤسسة الوقف الإسلامي أنشئت عام 1408ه في هولندا فلماذا تنافس الآخرين وتسعى إلى مواقع سبقها العمل فيها رجال حسبة أخيار؟ أم هي التجارة التي قال فيها ابن تيمية (ومن ذلك ما قد ينازع فيه المسلمون لخفائه واشتباهه، فقد يرى هذا العقد والقبض صحيحاً عدلاً، وإن كان غيره يرى فيه جوراً يوجب فساده). يقول الشيرازي في كتابه المنهج المسلوك في سياسة الملوك (إعلم أن بيت المال ركن عظيم للمملكة يتعلق به المصالح الكلية من أرزاق المقاتلة والولاة وأعوانهم وتجهيز الجيوش، وأرزاق الفقراء والمساكين وأهل العلم وسد الثغور وبناء الحصون وغير ذلك مما تقوم به مصالح الرعية وبقدر زيادته ونقصانه يكون حال المملكة). وفي المجال الاجتماعي تعد الزكاة علاجاً لأهم مشكلة تواجه الأمة وهي الفقر يقول الدكتور عبدالرحمن بن حسن النفيسة (وليس المقصود من هذا العلاج استلاب جزء من ثروة تعب صاحبها حتى جمعها لكي يمنح هذا الجزء لشخص آخر غلبته نفسه فلجأ للعجز والكسل، وإنما المقصود سد الخلل لدى شخص عجزت قدرته عن تحقيق العيش الكريم له أو لأسرته، وإذا كان القادر في الأمة يساعد على سد هذا الخلل فما ذلك إلا لأنه جزء من هذه الأمة التي من مصلحته أن تظل بدون خلل). ومؤسسة الوقف الإسلامي هدف نبيل لخدمة المسلمين في هولندا، وتجاوز الهدف يفقدها هذا القصد إذ أنها تساهم الآن من خلال أمناء المؤسسة في سلب فقراء المسلمين في أرض الحرمين الشريفين حقهم الشرعي في الزكاة والصدقة وتركض من خلال الأمناء إلى أخذ نصيبها كباقي المؤسسات التي تماثلها في الهدف. يقول الله تعالى: {إنَّمّا الصَّدّقّاتٍ لٌلًفٍقّرّاءٌ وّالًمّسّاكٌينٌ وّالًعّامٌلٌينّ عّلّيًهّا وّالًمٍؤّلَّفّةٌ قٍلٍوبٍهٍمً وّفٌي الرٌَقّابٌ وّالًغّارٌمٌينّ وّفٌي سّبٌيلٌ اللهٌ وّابًنٌ السَّبٌيلٌ فّرٌيضّةْ مٌَنّ اللهٌ وّاللَّهٍ عّلٌيمِ حّكٌيمِ}. ومع سعي ولاة الأمر في بلادنا إلى تأمين المعاش الكريم لأبناء الوطن الغالي وتوفير كل ما يساعدهم على الحياة من خلال توفير أمن اجتماعي يتفق مع الشريعة وتوجيه الإسلام في صون أعراض الناس ودمائهم وأموالهم فإن فئة من رجال العلم الشرعي استفادت من الخلاف في تفسير الأجزاء الثمانية التي وردت في الآية الكريمة وأباح اخراج الصدقة والزكاة من البلد الذي تجبى فيه مع وجود الفقير والمسكين وابن السبيل وفي الحديث ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن أطاعوا لك في ذلك فاخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك في ذلك فاخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم، فإن هم أصاعوا لك في ذلك فإياك وكرائم أموالهم، وإياك ودعوة المظلوم فإنه ليس لها من دون الله حجاب). هذا هو الهدي المحمدي في أمر الصدقة ومصارف الزكاة وفي بلادنا أمور تسعى حكومتنا الرشيدة إلى تحقيقها رغم تعدد مجالات الرعاية غير أن الواقع الاجتماعي والوضع الاقتصادي وهاجس الأمن أوجد قصوراً في مشاريع يستفيد منها المواطن مثل الضمان الاجتماعي والخدمات وبناء المدارس والمشافي والأغنياء في هذا الوطن تجمعهم مؤسسة الغرفة التجارية للحفاظ على مصالحهم وحمايتهم من المنافسة بالتعاون مع وزارة التجارة نجدهم من خلال سعيهم في عمل الخير. غير مبالين بما جاء في الهدي الكريم، وحاجة المجتمع إلى بناء مشاف ومدارس ودعم الجمعيات الخيرية الأهلية بالداخل وحفر آبار للقرى والهجر حتى يُحد من الهجرة إلى المدن وزيادة المعوزين من الفقراء والمساكين. وتناسى أهل العلم الشرعي قوله تعالى: {خٍذً مٌنً أّمًوّالٌهٌمً صّدّقّةْ تٍطّهٌَرٍهٍمً وّتٍزّكٌَيهٌم بٌهّا وّصّلٌَ عّلّيًهٌمً إنَّ صّلاتّكّ سّكّنِ لَّهٍمً وّاللَّهٍ سّمٌيعِ عّلٌيمِ } فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا والإسلام يقوم على الإيثار وقد مدح الله المؤمنين المؤثرين على أنفسهم بقوله سبحانه وتعالى: {وّيٍؤًثٌرٍونّ عّلّى" أّنفٍسٌهٌمً وّلّوً كّانّ بٌهٌمً خّصّاصّةِ} . يقول الدكتور النفيسة: (وإخراج الزكاة إلى فقراء محل المال المزكى أسهل وأيسر، ذلك أن المزكي يستسهل ما قرب منه، ويستصعب ما بعد عنه ناهيك عن الأسباب النفسية والعاطفية، فالمزكي يكون أكثر حناناً على الفقير في بلده فيراه أقرب إليه من بعيد لا يعرفه، ولو كانت تربطه به عدة روابط وهكذا. وينبني على ذلك ان على أصحاب المال جعل زكاتهم وصدقاتهم في فقراء بلادهم والبر بهم لسد حاجاتهم وعوزهم). عود على بدء لقد أفسدت نشرة مؤسسة الوقف الإسلامي (العدد الأول) الصورة التي كونتها عن الوقف خاصة وأن مصادفة مشاهدة اللوحة الإعلانية على واجهة عمارة في طريق الملك فهد بالرياض تصادف مع مؤتمر الوقف الإسلامي الذي أشرفت عليه وزارة الدعوة والأوقاف في حلقته الثانية لاحياء الوقف الإسلامي الذي ضاع بعض معالمه من خلال أحكام مدنية في بعض الأقطار الإسلامية وفقد فقراد الحرمين الشريفين معين صدقة جارية. وتأتي هذه المداخلة بعد أن تلمست فقدان الجمعيات الخيرية الأهلية في مدن المملكة دورها بعد تقلص الدعم وتسرب جزء هام من الزكاة والصدقات إلى مؤسسات عالمية أقامها أفراد استغلت الآية الكريمة {وّيٍؤًثٌرٍونّ عّلّى" أّنفٍسٌهٌمً وّلّوً كّانّ بٌهٌمً خّصّاصّةِ} بشكل منظم حتى يتم اخراج أموال الأغنياء بدعوى مشاريع إسلامية استفاد منها الآخرون وضحك فيها الكثير على غبائنا وسذاجتنا في زمن العالم قرية في عالم اتصال مرئي ومسموع تساوت فيه المحن والمسؤولية في خروجنا عن الفئات الثمان في الآية الكريمة وتقديم جزء على آخر رغم قول الرسول الكريم (إن الله تعالى لم يرض في قسمة الأموال بملكٍ مُقربٍ ولا نبيٍّ مرسل حتى تولى قسمتها بنفسه) يقع على رجال العلم الشرعي وقد تناثرت خطاباتهم ونصائحهم داعمة هذه المؤسسة ومثيلاتها متجاوزين فقراء ومساكين البلد وهم الأحوج فقد روي عن ابن عباس: (أن الفقير هو صاحب الحاجة الذي لا يسأل والمسكين هو الذي يسأل. وقيل إن الفقير هو من به زمانه وله حاجة، والمسكين هو المحتاج الذي لا زمانة به). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المسكين الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان إنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه. ولا يُفتطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئاً). من كل هذا أتمنى أن يعود أمناء الوقف الإسلامي الى دور هذه المؤسسة الحقيقي في هولندا. والتوقف عن مسعاهم في سرقة فقراء ومساكين البلد جزءاً من حقهم الشرعي فالغطاء الشرعي الذي يستظلونه بدعة وكذلك باقي المؤسسات التي تمارس سلب الأغنياء عنوة ببدعة الفتاوى القائمة على أسئلة مدلسة. توسم الخير في أمة الإسلام قائم حتى قيام الساعة وبالله التوفيق.