الإسلام دين التكامل، يعطي كل ذي حق حقه، ضمن للغني حقوقه وضمن للفقير الحياة الكريمة، ولليتيم والوارث ماله وإرثه، ومن هذه الشرائع العظيمة التي جاء بها هذا الدين العظيم لضمان التكافل الاجتماعي، «زكاة الفطر» التي يخرجها كل من استطاع عليها لذوي الحاجة من الفقراء والمساكين، لينفرد الإسلام بعظم التشريع، وربانية المصدر الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وفي هذه الأيام الفاضلة ينبغي إيضاح هذا النسك لحاجة الناس إليه فما هي«زكاة الفطر» وماهي أحكامها، وبهذه المناسبة استضافت الرسالة فضيلة رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض الشيخ الدكتور فهد بن عبدالكريم السنيدي الذي وضع النقاط على الحروف فإلى الحوار. حوار : عبدالله بن ظافر الأسمري أحكام ومعان * ما معنى زكاة الفطر؟ ومتى شرعت؟ معنى الزكاة في اللغة: النماء والزيادة والصلاح، والفطر: اسم مصدر من قول الشخص: أفطر الصائم إفطاراً وأضيفت الزكاة إلى الفطر، لأنه سبب وجوبها من إضافة الشيء إلى سببه. وتسمى زكاة الفطرة كأنها من الفطرة التي هي الخلقة. ويقال: صدقة الفطر أو الفطرة لأن لفظة صدقة تطلق على الزكاة كما جاء ذلك كثيراً في الكتاب والسنة، والمراد بها: الصدقة عن البدن والنفس بالفطر من رمضان. ولهذا سماها الفقهاء أيضاً بزكاة الأبدان أو الرؤوس أو الرقاب لأنها صدقة عن النفس والبدن، وتمييز لها عن زكاة المال. وحكمها الوجوب وما يدل على ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين» متفق عليه. ومعنى فرض: ألزم وأوجب. وتستحب عن الجنين لفعل عثمان رضي الله عنه. وحكمتها: جاء بيانها بقول ابن عباس رضي الله عنهما قال:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين..» الحديث. رواه أبو داود وابن ماجة، ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي. وفسر اللغو بما لا فائدة فيه من القول أو الفعل، وفسرالرفث بفاحش الكلام. تكليف وإلزام * على من تلزم زكاة الفطر؟ ومن المكلف بدفعها؟ تلزم كل فرد، الذكر والأنثى الكبير والصغير وإذا توفر شرطان أحدهما: كون الفرد بين المسلمين. والآخر: أن يفضل صاع فأكثرعن قوته وقوت من تلزمه نفقتهم يوم العيد وليلته كزوجته وأولاده ووالديه وسائر أقربائه المحتاجين للنفقة. وما يدل على ذلك ما جاء في حديث ابن عمر المتفق عليه المتقدم على كل حر وعبد، ذكر أو أنثى من المسلمين. ونحوه حديث عبدالله بن ثعلبة وفيه:«عن كل حر أو عبد صغير أو كبير» رواه أبو داود وغيره. وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا صدقة إلا عن ظهر غنى» رواه أحمد في سنده. وبين حديث سهل بن حنظلية حد الغنى، حيث روى عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار فقالوا: يارسول الله وما يغنيه؟ قال: أن يكون له شبع يوم وليلة» رواه أبو داود وهو حديث حسن. إذن من عنده قوت يومه وليلته وزيادة فهو غني تلزمه زكاة الفطر في الزيادة. والمكلف بدفعها الشخص عن نفسه وعمن يعولهم، ويبدأ بإخراج زكاة الفطر عن نفسه فإن فضل شيء فالأقرب والأقرب ممن تلزمه نفقتهم لحديث«ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وهو متفق على معناه وروى مسلم « ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر» وغيره مقيس عليه وجاء ابن عمر عند الدار قطني: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون» أي ممن تنفقون عليهم. فإن استطاع القريب إخراجها عن نفسه فالأولى إخراجه لها لأنه هو المخاطب بها أصلاً. الحكمة * وما هي الحكمة من إخراجها؟ تبرز الحكمة في جوانب ثلاثة: أولها: نفع الصائمين بتطهير صيامهم مما قد يكون شابه من اللغو والرفث فيحصل لهم ثواب الصيام الكامل الذي لا نقص فيه. والثاني:نفع المساكين وذوي الحاجة بإغنائهم يوم عيدهم عن ذل السؤال ومد يد الحاجة وبذلك يعم السرور والفرح بالعيد كل المسلمين غنيهم وفقيرهم، وتسود المحبة والألفة بينهم. والثالث: تحقيق المشاركة والإسهام في هذا الفضل وفي هذا الخير وفي هذا الأجر لأكبر عدد ممكن من المسلمين نظراً لقلة هذه الزكاة على الفرد وكونها من غالب أقوات الناس وتتعلق بأشخاصهم. وفي كثرة دافع هذه الزكاة وفرة في مقدارها وشمولية للمساكين في خيرها. الأصناف والمقدار * ماهي الأصناف التي تخرج منها زكاة الفطر ومقدارها؟ الأصناف التي تخرج منها زكاة الفطر هي البر أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الأقط، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:«كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت» متفق عليه. والطعام: البر ويقال الحنطة. ويجوز إخراجها من غالب قوت البلد من غير ما نص عليه كالأرز والذرة لأنها في معنى المنصوص عليه. ومقدارها: صاع واحد عن كل فرد بصاع النبي صلى الله عليه وسلم والصاع ثلاثة كيلو جرامات تقريباً حسبما قدر في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة ولا يجزئ إخراجها من غير طعام الآدميين كالثياب والأواني والأمتعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها من الطعام لا من غيره. ولا يجزئ إخراجها من طعام البهائم، لأنها فرضت طعمة للمساكين لا للبهائم. وقت الوجوب وزمنها * ما هو وقت وجوبها وزمن دفعها؟ تجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة عيد الفطر، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان.... الحديث«رواه البخاري ومسلم. فقد أضاف الزكاة إلى الفطر والإضافة تقتضي الاختصاص، أي: الزكاة المختصة بالفطر، وأول فطر يقع عن جميع رمضان هو بغروب شمس آخر يوم من رمضان. وبناء عليه: من مات من المسلمين قبل غروب شمس ليلة العيد لم تجب عليه: لأنه لم يكن موجوداً وقت الغروب، بخلاف من مات بعد الغروب ومن ولد أو أسلم قبل الغروب وجبت عليه، لأنه كان موجوداً وقت الغروب، بخلاف من ولد أو أسلم بعد الغروب، وأما وقت دفعها: فلها وقت فضيلة ووقت جواز. فوقت الفضيلة هو صباح العيد قبل صلاة العيد، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة«متفق عليه. ووقت الجواز: قبل العيد بيوم أو بيومين! لقول ابن عمر رضي الله عنهما: «كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين» رواه البخاري. حكم تأخيرها * وما حكم تأخيرها عن صلاة العيد؟ وما الذي يترتب عليه؟ لا ينبغي تأخيرها عن صلاة العيد، ومن العلماء من نص على كراهة ذلك في باقي يوم العيد وأن آخر وقتها غروب الشمس يوم عيد الفطر، لخبر ابن عمر: «اغنوهم عن الطلب هذا اليوم» رواه الدار قطني، ولحديث ابن عباس:«من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات«رواه أبو داود وابن ماجة، أما تأخيرها عن يوم العيد قصداً بلا عذر شرعي فهو حرام، لمخالفة أمر الشرع في أدائها في وقتها، ولأن تأخير الواجب عن وقته بلا عذر لا يجوز، ويترتب على تأخيرها عن وقتها بلا عذر شرعي، الإثم لما مر، وكذلك القضاء باتفاق العلماء، فلا تسقط عنه بخروج وقتها، بل يجب عليه دفعها لمستحقها حتى ولو انقضى وقت أدئها، لأنها حق لآدمي وجب في ذمته، فلا تسقط إلا بأدائها لمستحقها كدين الآدمي، ولأنها عبادة، فلا تسقط بخروج وقتها بل هي كالصلاة المفروضة. المستحقون لها * من هم المستحقون لزكاة الفطر ومكان دفعها؟ اتفق الفقهاء على أن الفقراء والمساكين ممن يستحقون زكاة الفطر، وممن تصرف إليهم؟ لما جاء في حديث ابن عباس المتقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم : «وطعمة للمساكين» رواه أبو داود وابن ماجة. ولما رواه البيهقي والدار قطني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر وقال:«اغنوهم في هذا اليوم» وفي رواية للبيهقي:«اغنوهم عن طواف هذا اليوم» أي: الفقراء والمساكين. ونص كثير من العلماء على أن مصارف زكاة الفطر هي مصارف زكاة المال، لأن كلاً منهما زكاة، ولأنها صدقة فتدخل في عموم قول الله تعالى:«إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل» وصرفها إلى الفقراء والمساكين أولى، إلا إذا اقتضت المصلحة العامة صرفها لغيرهما من المصارف الثمانية ورأى ولي الأمر أو نائبه ذلك، وبناء على كل ما تقدم، لا تصرف للكفار، ولا للأغنياء، ولا للأقوياء المكتسبين ولا لآل النبي صلى الله عليه وسلم كالشأن في زكاة المال، والأولى دفعها في المكان الذي تجب عليه فيه، سواء كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين، وبخاصة إذا كان فقراؤه أشد، أو كان مكاناً فاضلاً كمكة والمدينة، فإن كان في بلد ليس فيه من يدفعها إليه من هو من أهل استحقاقها، أو كان لا يعرف المستحقين فيه، فوكل من يدفعها عنه في مكان فيه مستحق كفاه ذلك. ويحصل الإجزاء بدفعها إلى فقراء أي بلد مسلم، لأنه دفعها إلى مستحقها، وهو الفقير، لكنه خلاف الأولى. فإن نقلت إلى بلد آخر فقراؤه أشد حاجة، فالصحيح الجواز، تحقيقاً للمصلحة العامة للمسلمين في ذلك. ويجوز لمن لزمته زكاة الفطر عن غيره إخراجها في المكان الذي يخرج فيه فطرته. ويجوز لمن لزمته زكاة الفطر عن غيره إخراجها في المكان الذي يخرج فيه فطرته ولو لم يكن فيه المخرج عنه، لأنها طهرة للمخرج عنه، وهذا متحقق بذلك، ولأنه غالباً أيسر وأسهل على المخرج. توجيهات مهمة * هل يجزئ إخراج زكاة الفطرنقداً عند جمهور العلماء؟ لا يجزئ إخراج زكاة الفطر نقداً عند جمهور العلماء، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى وذلك لما يلي: 1 قول ابن عمر رضي الله عنهما :«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير..«الحديث متفق عليه، فإذا دفع نقداً فقد عدل عن المنصوص عليه، وترك المفروض. 2 إن إخراجها نقداً مخالف لعمل الصحابة رضوان الله عليهم فقد كانوا يخرجونها صاعاً من طعام. 3 أنه لم يرد نص بذلك عن الشارع مع أن النقد كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإخراجها إذن خلاف ما أمر به. 4 أن النبي صلى الله عليه وسلم عينها في أصناف معينة من الطعام، وكل صنف قيمته غالباً تختلف عن الصنف الآخر، فلو كان النقد معتبراً لكان الواجب صاعاً من جنس واحد، وما يقابل قيمته من الأجناس الأخرى، ولما حدد قدر كل واحد منها بصاع. 5 أن النقد يخرج زكاة الفطر عن كونها شعيرة ظاهرة إلى كونها صدقة خفية، فإخراجها صاعاً من طعام يجعلها ظاهرة بين المسلمين، معلومة للصغير والكبير، فهم يشاهدون كيلها وتوزيعها، ويتبادلونها بينهم، بخلاف ما لو كانت نقداً، فإنها قد تخفى على غير دافعها وآخذها. 6 أن دفع القيمة بدل العين في حقوق الناس لا يجوز إلا عن تراضِ منهم، وليس لزكاة الفطر مالك معين حتى يراعي رضاه أو إبراؤه. 7 أن زكاة الفطر عبادة مفروضة من أصناف معينة، فلا يجزئ إخراجها من غير المعين، كما لا يجزئ إخراجها في غير وقتها المعين من الشارع. * هل الدين يمنع وجوبها على الشخص؟ ولماذا؟ الدين لا يمنع من وجوبها على الشخص إلا بطلبه، لأنها ليست واجبة في المال، ولأن وجوبها آكد، فهي مقدمة كالنفقة للشخص ذاته. ويقدم الدين بالطلب، لعموم حديث:«لا صدقة إلا عن ظهر غنى» رواه أحمد ولأن الدين واجب له مطالب معين فيقدم على زكاة الفطر، لأنها وإن وجبت مواساة، فليس لها مطالب معينة ولأن طلب الدين الحال مؤكد لوجوب سداده على الفور.