نشرت صحيفة هآرتس مقالا للكاتب جدعون تساميت بعنوان «لتسألوا انفسكم» جاء فيه: لاحظوا فضلا الصورة الكريهة التي ينظر بها مكتب رئيس الوزراء إلى المسعى الجديد لتهدئة الأوضاع في المناطق، مركز القيادة يبدو عليه الاضطراب، كما لو أن أمرا مربكا في طريقه إلى الوقوع، غمز اريل شارون بالقول إن كل ماحدث هو أننا قمنا بتحريك بضع مركبات عسكرية من بيت لحم، وأوضحت التسريبات ذات الصلة به أن الأمر لا يعدو سوى كونه مناورة من قبل بنيامين بن اليعازر، وأن قيمة التفاهم ضعيفة وغير فعالة بسبب معارضة حماس والجهاد الإسلامي. وعلى كل حال، نحن نعلم من هو الطرف الذي نتعامل معه في الجانب الآخر. مع ذلك، فلتسألوا أنفسكم ما إن كنتم تقبلون بهذه الإجابة المتهكمة، لتعملوا التفكير فيما حدث الشهر الماضي: هل كان من الضروري قتل صلاح شحاتة، بعد عمليات تأجيل عديدة، تماما في الوقت الذي تهيأت فيه السلطة الفلسطينية لتقييد العنف؟ من المفيد أن نسأل مرة أخرى، لأن أي خطوة عسكرية غير مدروسة يمكنها، الآن كما كان الأمر في الماضي، أن تدمر التحرك الهش، أسألوا ما إن كان ضروريا الانخراط في العملية التي أدت إلى مقتل محمد سعادات. لكم أن تثيروا الشكوك حول هذا الأمر، حتى وإن كان قائد سلاح الجو دان هالوتز سيضعكم في مصاف أعداء إسرائيل، وسبب ذلك أن التوضيح الذي قدم من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية تضمن على الكثير من الثغرات، بالقطع، كان يتعين على جنود الصفوة في وحدة الدوفيدان القيام بالرد على إطلاق النار، غير أن المسؤول الذي قام بإرسالهم إلى كمين في هذه الأيام الحساسة كان يمكنه أن يقدم خدمة أفضل لمصالحكم لو أنه تجنب هذه الغزوة، أسألوا، وسوف يقال لكم إنه حين يكون الهدف فردا من نحو سعادات يتعين الحصول على ترخيص من قبل قائد برتبة لواء على الأقل، هل جرى تنفيذ عملية البيرة بعلم رئيس القيادة المركزية، موشي هكابلينسكي، والذي كان سكرتيرا عسكريا سابقا لرئيس الوزراء؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف يعقل حدوث العملية؟ هل تشاور اللواء مع رؤسائه؟ وإن لم يكن فعل - فلماذا؟لدى إسرائيل سجل غني من الفرص المهدرة، وفيما يتعلق بأولى هذه الفرص، كتب البروفيسور ايتمار رابينوفيتش، في خلال الخمسينيات، كتابا بعنوان «الطريق الذي لم يسلك» (مطبوعات جامعة اكسفورد،1991)، وهو ليس بالاسم السيىء لما ظلت تثابر حكومات الليكود والوحدة في القيام به منذ عشرين عاما وإلى الآن. خلف رئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير وراءه أكثر الاعترافات صراحة حول رفض اتفاق تنازلات، أعاد رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو جزءا صغيرا من الأرض تحت ضغوط من الأمريكيين، غير أنه بذل كل ما يستطيع للحيلولة دون حدوث ما هو أكثر، ويقوم شارون بتسجيل قمم قياسية من البراعة المتناهية في علم الممكن في سياسة الرفض، لماذا لا نثير النقد اللاذع حول نواياه الحقيقية تجاه دفع التحرك الراهن نحو غاياته وتوسيعه؟اسألوا أنفسكم ما إن كانت هذه اللحظة قد دنت، ما إن كنا، في هذه الظروف المتحولة، في غير ما حاجة إلى تغيير من سياسة العناد الخرقاء إلى ادارة الصراع، ما الذي ستخسرونه من محاولة جريئة خلاقة في مسألة هي أكثر ما يهم إسرائيل؟ ولماذا لا نجاهر بتأييدها - ورفض تعويقها؟ ولعلكم فاعلون هذا متى عرفتم يقينا أنه بدون ذلك ستعيشون بسيوفكم لسنوات طويلة قادمة. لا اتفاق وفي يديعوت احرونوت كتب سيفر فلوتسكر مقالا بعنوان «لا اتفاق» حول الدورالذي لعبه كل من شارون وعرفات في المفاوضات الامنية بين الاسرائيليين والفلسطينيين واسفرت عن اتفاق حول انسحاب اسرائيل من بعض المدن الفلسطينية جاء فيه :لا وجود لاتفاق سياسي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية يحمل العنوان «غزة وبيت لحم أولا»، إنما هناك تفاهمات، تخدم مصلحة الجانبين، فحكومة إسرائيل تفهم أن بقاء الجيش الإسرائيلي في المدن الفلسطينية سيحتم عليها إقامة الادارة المدنية فيها، وهي لا تريد ذلك، والسلطة الفلسطينية تفهم أنه إذا لم ينسحب الجيش الإسرائيلي من المدن فإنها ستفقد سلطتها السيادية على المناطق. من الواضح، طبعا أنها لا تريد ذلك، ولذلك خلقت المصالح المشتركة قاعدة لتفاهمات متبادلة تكمن قوتها في ضبابيتها وفي جزئيتها.في سبيل التوصل إلى بلورة هذه التفاهمات أدار أريئيل شارون وياسر عرفات حوارا ثاقبا من وراء ستارة مضاعفة انعكست في وزير الأمن (الإسرائيلي) بنيامين بن إليعيزر ووزير الداخلية (الفلسطيني)، عبد الرزاق اليحيى.من المضحك، بل ومن المضلل التفكير بأنه يمكن لبن إليعيزر واليحيى التوصل إلى تسويات لا يوافق عليها شارون وعرفات، فشارون وعرفات، هما حتى اليوم، المشغلان ويقرران في كل شيء، حتى لو لم يتم ذكر اسميهما خلال المحادثات ذاتها.ويطرح هنا سؤال إستراتيجي: هل يناسب إسرائيل إعادة عرفات، ولو من الباب الخلفي وبشكل مموه، كمحاور مقبول؟ هل من الحكمة من جانبنا إلقاء مرساة الانقاذ السياسي له؟ عرفات يغوص في حالة يأس، يتخوف من غياب موضوعيته محليا وغياب شرعيته دوليا، لكنه يمكنه التحرر من الانحطاط الشخصي والنهوض على أقدامه عندما يتم فتح ثغرة صغيرة فقط، تسمح بضمه إلى الحلبة الإسرائيلية الفلسطينية، ليس لدى إسرائيل ما تربحه من ذلك، بل إن هناك الكثير مما ستخسره جراء المصالحة (الضئيلة) مع عرفات وجراء استئناف رحلات الرئيس إلى عواصم العالم وقاعات الاستقبال في وزارات الخارجية.يضاف إلى ذلك: هل أبلغت إسرائيل الإدارة الأميركية استعدادها لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع عرفات، في وقت تسد فيه الإدارة الأبواب أمامه وتطالب باستبداله كشرط لتقديم المساعدات؟ وكيف ردت الإدارة الأميركية؟ هذه هي قضايا استراتيجية. في الجانب العملي، انطلق «اللا اتفاق» حول «غزة وبيت لحم أولا» أمس، في طريقه المتعرجة بقدم متعثرة، سيتطلب الأمر أطناناً من النوايا الحسنة، الفلسطينية والإسرائيلية، كي يتم الحفاظ على حياة هذه المبادرة وإطارها، فالمنظمات الإسلامية تتربص بها من جهة، والمتطرفون اليهود يتربصون بها من الجانب الثاني، هناك الكثير ممن سيبذلون الكثير في سبيل الاثبات بأن ما لم ينجح بالقوة حتى الآن، سينجح بفضل قوة أكبر.وقد اندلعت الانتفاضة الفلسطينية العنيفة قبل قرابة عامين، دون أي سبب معقول، ورغم أن شعبة المخابرات العسكرية كانت قد توقعت، مسبقا، اندلاعها كحالة تنفيس داخلي، إلا أنها فاجأت بقوتها وبإصرارها وبقسوتها وبمداها الطويل، ويمكنها أن تفاجئ في خمودها المفاجئ، أيضا، وليس من الضروري أن يتم إعلان وقفها من خلال النفخ ببوق اتفاقية سياسية شاملة، يكفي التوصل إلى تفاهمات هادئة على غرار «غزة وبيت لحم أولا». فالأعمال هي التي ستحدد. لقد توصل الشعب الفلسطيني - في داخله ومن خلال حوار داخلي مع نفسه كما يبدو، إلى الاستنتاج بأن محاربته لإسرائيل تدمر رفاهيته وتمس بأهدافه القومية، وتعيده سنوات كثيرة إلى الوراء وتخنق آماله.