ماهذه الدنيا بدار قرارِ بينا يُرى الإنسان فيها مُخبراً حتى يُرى خبراً من الأخبار طُبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدارِ ومكلف الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نارِ(1) نعم نحزن ونأسى لفراق الحبيب، والقريب والأليف، وصاحب الفضل والنفع العام، وهذه رحمة وضعها الله جل جلاله يتراحم بها خلقه.. وهي جزء من «مئة» جزء ادخر منها «99» عنده ليرحم بها عباده يوم القيامة ولولا هذه الرحمة التي تتآلف بها المخلوقات، لأكل بعضها بعضاً.. ولما عمرت هذه الأرض بسكانها.. نعمت هذه الرحمة التي نسميها «العاطفة»..! إذن فالحزن جزء من هذه الرحمة التي غطت الأرض بروحها وريحانها.. فما بالنا بالتسعة والتسعين جزءاً من الرحمة المدخرة عند أرحم الراحمين ليفرشها لعباده المؤمنين في يوم{كّانّ شّرٍَهٍ مٍسًتّطٌيرْا} و {يّوًمْا عّبٍوسْا قّمًطّرٌيرْا } ومن رحمة الله بعباده المؤمنين ان الملائكة تبشرهم عند الاحتضار بُشْرَيَيْنِ عظيمتين.. جاء ذكرهما في قوله تعالى: {إنَّ الذٌينّ قّالٍوا رّبٍَنّا الله ثٍمَّ اسًتّقّامٍوا تّتّنّزَّلٍ عّلّيًهٌمٍ المّلائٌكّةٍ أّلاَّ تّخّافٍوا وّلا تّحًزّنٍوا وّأّبًشٌرٍوا بٌالًجّنَّةٌ الّتٌي كٍنتٍمً تٍوعّدٍونّ نّحًنٍ أّوًلّيّاؤٍكٍمً فٌي الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا وّفٌي الآخٌرّةٌ} اي تقول لهم الملائكة: لا تخافوا مما أنتم قادمون عليه في القبر وما بعده، ولا تحزنوا على من خلفتم من الأهل والأولاد.. فإننا سنتولاهم بالعناية والرعاية بعدكم. ** إذن لماذا نصاب بكل هذا الحزن..؟ سؤال استفهام لا سؤال استنكار ولا تعجب.. ** سؤال لاستنطاق الحقائق واستلهام مدلولاتها. ** لماذا سكبت الأقلام دموعها الغزار على رحيل أحمد بن سلمان ومثل ذلك ما سكبته قبلاً على شقيقه «فهد» منذ عام رحمهما الله ؟ ولماذا ضجَّت المنابر الإعلامية بحرقة آلامها لهذا الرحيل؟ ** هل هو لانكسار غصن أخضر من الدوحة الظليلة؟ ** أم هو لما كان يسهم به في حياة هذا المجتمع من أعمال إنسانية خيّرة؟ ** أم هو لانطفاء نجم خبا ضوءه؟ ** أم لأن الحزن عليه يجر إلى حزن آخر يشعر به المجتمع، هو حزننا جميعاً لحزن والده سلمان بن عبدالعزيز.. الشجرة الخضراء المغروسة في قلب كل مواطن.. يحس أنه يسقيها حبه وتقديره لهذا الرجل التاريخي الكبير..؟ جوابي على هذه التساؤلات التي طرحتها.. هو باختصار شديد: أن الأمير سلمان بن عبدالعزيز.. رجل محبوب على مستوى الشعب السعودي ويمثل هو وأسرته مجتمعين، كل هذه القيم، والمعطيات، والمثل الإنسانية، الإسلامية، مجتمعة. وإذن فلا غرابة «لكل هذا الحزن». *** خلال ما أنا أكتب هذا المقال تداعت إلى ذاكرتي القصيدة التي كتبتها رثاءً للأمير فهد بن سلمان، العام الماضي،، ووجدت أن بعض أبياتها صُوَرٌ ناطقة ومعبرة عن شخصيةالأمير أحمد كما هي عن الأمير فهد رحمهما الله . وقد جاء مطلع القصيدة هكذا: سلام على صقر تَمَلْمَلَ في الوَكْرِ فطار إلى روض الجنان مع الفجرِ سلام على فذ تَأَرَّجَ ذكرُهُ ترجل مجلوَّاً كفاغمة العطرِ سلام على روح توزع هَمُّها إلى كل خير في الحياة على قدْرِ سلام على نهر تدفَّق وليُهُ إلى كل منكودٍ بغائلة الفقرِ ومما قلت لوالده: أسلمان يارمز الرجولة والصبرِ ووارث أخلاقِ الفضائلِ والذكرِ عزاء.. عزاء.. والدنا بك تقتدي وإن كنت مكلوماً بفاجعة العمرِ فصبرا «أبا فهد» فحزنك حزننا ولس لنا الا المسطر في السِّفرِ «2» وبعد: فما الأحزان على رحيل الشقيقين فهد وأحمد إلا التعبير عن الانصهار بين الشعب السعودي وأسرته المالكة انصهاراً أسرياً متلاحماً يؤكد الوحدة الوطنية الفاعلة بين الحاكم والمحكوم. رحم الله الراحلين عن دنيانا..وجبر الله مصيبة أخينا الكبير صاحب السمو الملكي الأمير الصابر المحتسب سلمان بن عبدالعزيز وأسرته الصغيرة والكبيرة. {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ} 1 أبو الحسن علي بن محمد التهامي. 2 الجزيرة: العدد 10541. ناسوخ: 208847