"هيئة الأفلام" تطلق مبادرة «سينماء» لتعزيز المحتوى المعرفي السينمائي    الأمير سعود بن جلوي يرأس اجتماع المجلس المحلي لتنمية وتطوير جدة    متوقعة جذب تدفقات قوية في المملكة.."فيتش": 1.3 تريليون ريال حجم «إدارة الأصول» في 2026    موجز    "البريد": اتفاقيات لتصنيع الطرود    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    إيران على مسافة قصيرة من العتبة النووية    العراق: انتهاء الاستعدادات لتأمين القمة العربية الشهر المقبل    في نصف نهائي كأس آسيا تحت 17 عاماً.. الأخضر يسعى للنهائي من بوابة كوريا الجنوبية    في نسختها الخامسة بالمملكة.. جدة تحتضن سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا1    في الجولة ال 28 من دوري روشن.. اختبار شرقاوي.. الاتحاد والنصر ضيفان على الفتح والقادسية    أنور يعقد قرانه    أسرة العبداللطيف تحتفي بزواج مشعل    مجلس «شموخ وطن» يحتفي بسلامة الغبيشي    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    وفاة محمد الفايز.. أول وزير للخدمة المدنية    سهرة فنية في «أوتار الطرب»    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    الأفواج الأمنية تشارك في معرض المرور بمنطقة نجران    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "ليلةٌ دامية" في غزة ومفقودون لا يزالون تحت الأنقاض    تدشين برنامج «سمع السعودية» لزراعة القوقعة للأطفال الفلسطينيين    قطاع الأعمال السعودي يدعم صندوق تمكين القدس    "التعليم" تستعرض 48 تجربة مميزة في مدارس الأحساء    "الملك سلمان للإغاثة" يواصل دعم المجتمعات المحتاجة    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    1.695 مليار ريال قيمة صادرات التمور السعودية عالمياً    أمين الرياض يزور مشروع المسار الرياضي    الانتهاء من مشروع الدائري في القطيف    كودو تعلن عن شراكة استراتيجية مع فريق «مهرة» السعودي المشارك في سباقات أكاديمية الفورمولا 1    ملتقى الثقافات    توصيات لمواد وألوان عمارة واحات الأحساء    الرياض أكثر مناطق المملكة في شاشات السينما    حوار إستراتيجي بين دول «الخليجي» وآسيا الوسطى    إنترميلان يتخطى بايرن ويضرب موعداً مع برشلونة بنصف نهائي «أبطال أوروبا»    أمير نجران يطّلع على تقرير أداء الوكالات المساعدة وإدارات الإمارة    حرب الرسوم الجمركية تهدد بتباطؤ الاقتصاد العالمي    مؤسسة تطوير دارين وتاروت تعقد اجتماعها الثاني    الرياض تستضيف كأس الاتحاد السعودي للكرة الطائرة    خمس جهات حكومية ترسم مستقبل الحج والعمرة    الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه الحشيش والإمفيتامين    ما كل ممكن يسوغ    عملية قلب مفتوح لسبعيني في القصيم    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    الأرصاد: هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    أمين المدينة: تأهيل 100 موقع تاريخي بحلول 2030    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    صندوق تمكين القدس يدعو إلى إغاثة الشعب الفلسطيني    رُهاب الكُتب    الأول من نوعه في السعودية.. إطلاق إطار معايير سلامة المرضى    تغريم 13 صيدلية 426 ألف ريال لمخالفتها نظام "رصد"    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    "القدية للاستثمار"شريك مؤسس لسباق جائزة السعودية الكبرى StC للفورمولا 1    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    فرع الإفتاء بجازان يختتم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية الجامعية بفرسان    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة عرفة للشيخ "حسن آل الشيخ" من مسجد نمرة
نشر في أزد يوم 11 - 08 - 2019

توافدت جموع غفيرة من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر، إلى مسجد نمرة في مشعر عرفات اليوم، للاستماع إلى خطبة عرفة، وأداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا؛ اقتداء بسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
وامتلأت جنبات المسجد الذي تبلغ مساحته (110) آلاف متر مربع والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن.
وتقدَّم المصلين الأميرُ خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، وسماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، ووزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ؛ حيث ألقى عضو هيئة كبار العلماء الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ، خطبة عرفة -قبل الصلاة- استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر.
وقال الشيخ حسن آل الشيخ في خطبته : الحمدلله الرحمن الرحيم ، العفو الكريم ، صاحب الرحمة الواسعة ، والمتفضل بالنعم السابغة { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } وأشهد أن لا إله إلا الله لا يُعبد أحد بحق سواه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وأضاف فضيلته : أيها المسلمون اتقوا الله تعالى فإن في تقواه الفلاح في الآخرة ، والنجاح في الدنيا قال تعالى:{ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} ، وقال سبحانه :{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ، وإن من تقوى الله أن نلتزم بالتوحيد الذي هو أعظم ما أمر الله به والتوحيد هو عبادة الله وحده ، وقد خُلق الإنس والجن من أجله قال تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ، وكيف لا نُفرد الله بالعبادات وهو الذي برحمته أنزل الخيرات، وتفرد بإيجاد المخلوقات ، وسيقف العباد بين يديه ليحاسبهم على ما فعلوه في العلن والخفيات قال تعالى:{ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، وقال سبحانه :{ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ {وقال جل في علاه :{ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} وانظروا أيها العقلاء إلى آثار رحمة الله في الكون قال تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ? وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} ، وقال :{ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} و قال سبحانه : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ، وقال جل:{ قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُل لِّلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } ، وفي الحديث الصحيح قال رسوالله صلى الله عليه وسلم :(لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عندهُ فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي).
وتابع يقول : من رحمته سبحانه أن أكمل دين الإسلام كما قال عز وعلا في الآية التي نزلت في عرفة في هذا الموطن الشريف :{ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} هذا الدين العظيم الذي بُني على خمسة أركان ، الشهادتين ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت الحرام وهذه الأركان من أسباب نزول الرحمات ، فالشهادتان شهادة أن لا إله إلا الله ومعناها ألا يعبد أحد بحق إلا الله فنوحده بالعبادة، وشهادة أن محمدًا رسول الله فيطاع أمره ويصدق خبره ولايعبد الله إلا بما جاء به.
وأوضح فضيلته أن الله سبحانه وتعالي أمر بإقامة خمس صلوات في كل يوم وليلة، وأمر بالزكاة وهي إخراج جزء معلوم من المال قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ، وأمر بصوم شهر رمضان وبحج بيت الله الحرام وفي الحديث ( إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ ) ودعاء صلى الله عليه وسلم بالرحمة للمحلقين في الحج ثلاثًا.
وأضاف أن من رحمته سبحانه أن جعل الإيمان سبيلاً لاستجلاب رحمة الله وطريقًا للنجاة فقال ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) ، وقد ذكر نبيه الرحيم صلى الله عليه وسلم أن أركان الإيمان ستة فقال ( الإيمان أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) .
وتابع يقول ومن رحمته سبحانه أن أرسل أنبياءه عليهم السلام إلى الناس ليكونوا رحمة للخلق أجمعين وقال تعالى لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم -:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
وقال سبحانه :( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، وقال في صف نبيه صلى الله عليه وسلم : (يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ) ، ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة .
وقال فضيلته اسمع لقول الرحمن:( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ، ومن رحمته سبحانه أن أنزل الكتب المشتملة على الشرائع المصلحة لأحوال الناس رحمة بهم قال تعالى: ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، وقال سبحانه : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وقال سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) ، ولذا سار سلف الأمة من الصحابة فمن بعدهم سيرة الرحمة كما وصلهم الله بقوله ( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ) ، كما كان أنبياء الله وأولياؤه يرحمون خلق الله قال تعالى: (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً)، وقال عن الخضر: (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا).
وتابع فضيلته قائلا : وهكذا تستمر رحمة المؤمنين بعضهم بعضا إلى قيام الساعة، قال تعالى (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ).
وأهل العلم يرحمون من يستفتيهم اتباعا لقوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) , بل جميع المؤمنين يرحم بعضهم بعضًا كما في الحديث (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
وأضاف : وتشمل الرحمة جميع الخلق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وقال (الراحمون يرحمهم الرحمن)، ومن فضله سبحانه أن جعل من أسس العلاقات الاجتماعية الرحمة رحمة الآباء والأبناء ورحمة بين الأزواج ورحمة بين القرابة وارحم فقال عن الوالدين (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) , وقال عن الأزواج والزوجات (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
واستطرد فضيلته قائلا : وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتقبلون صبيانكم , فما نقبلهم ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة) , بل تستمر الرحمة حتى في التعامل مع البيئة والبهائم فدخلت بغي الجنة لما رحمت الكلب العطشان فسقته الماء، كما دخل رجل الجنة لما نحى غصن شجرة في ظهر طريق رحمة بالمسلمين لئلا يؤذيهم.
وقال فضيلته : لهذا ينبغي أن تكون الرحمة منطلقاً وأساساً في كل التعاملات البشرية يقول النبي صلى الله عليه وسلم :(إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والأنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده) , ولرحمة الناس بعضهم بعضا الآثار الجميلة والعواقب الحميدة ومنها تنشئ المحبة وبها ينتشر التسامح، وتسود الألفة، ويشيع بينهم التعاون، وللرحمة مجالات متعددة في حياتنا المعاصرة سواء في سن الأنظمة واللوائح أو استخدام وسائل المواصلات، أو الاستخدام الأمثل للتقنية أو وسائل الإعلام.
ومن مظاهر الرحمة ما نشاهده من رجال الأمن وجميع العاملين في هذه المشاعر في توجيه الحجيج ومعونتهم لأداء نسكهم خصوصاً في حق الكبير والعاجز والطفل الصغير وما ذاك إلا بالتوجيهات الكريمة التي يصدرها ولاة أمر هذه البلاد في سلسلة الجهود الكبيرة التي تقدمها حكومة المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين وتقديم الخدمات العظيمة للحجيج والمعتمرين في جميع المجالات.
وأكد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ في خطبة عرفة أن من الجهود المشكورة مشاريع التوسعات في الحرمين الشريفين ومشاريع تهيئة المشاعر لأداء النسك وترتيب البنية التحتية بها وقد تتابع ملوك هذه البلاد على الاهتمام الفائق برعاية الحرمين الشريفين والحجاج والمعتمرين ابتداءً من عهد الملك الصالح عبدالعزيز رحمه الله وغفر له وأجزل مثوبته ثم أبنائه البررة سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رفع الله درجاتهم في عليين, وما نشهده الآن في عهدنا الحاضر من أعمال جليلة في هذه المواطن الشريفة يُسر بها كل مؤمن ، سائلا الله أن توفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز, ويكون له ومعه مؤيداً وناصراً ومعيناً على كل خير,أن يجزيه خير الجزاء على ما يقدمه من الخير والإحسان ويجعله من أسباب الهدى والخير والرحمة, يبارك في ولي عهده الأمير محمد بن سلمان, ويجزه خير الجزاء ويجعله سبب خير ورحمة للأمة كلها, وأن يوفقه لما يحب ويرضى.
وقال فضيلته : بفضل رحمة الله تزكو النفوس وتتطهر قال تعالى :( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ), وقال ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) ، ويدخل الله المؤمنين الجنة برحمته كما في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لن يدخل أحد الجنة بعمله ) قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ( ولا أنا إل أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة فسددوا وقاربوا) ، وبرحمة الله يندفع عن الخلق أنواع من المصائب والشرور كما قال تعالى : ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ), وقال : ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ، سائلا الله أن يكفينا شر عدونا الشيطان الرجيم برحمته قال تعالى :( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) .
وقال فضيلة الشيخ حسن آل الشيخ : هناك أسباب تستجلب بها رحمة الله فمن أسباب الرحمة التقوى كما قال تعالى: { اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }.
ومن أسباب الرحمة السماحة في التعامل قال النبي صلى الله عليه وسلم: { رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى وإذا اقتضى }.
ومن أسباب رحمة الله قراءة القرآن وتدارسه والاستماع إليه كما في الحديث، (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده) , وقال تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وقال: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }، وقال تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ }.
ومضى فضيلته قائلا : ومن أسباب رحمة الله للعبد إحسانه للخلق كما قال تعالى: { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }، وقال: { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } , ومن أسباب رحمة الله للعبد سعيه في الإصلاح بين المتخاصمين كما قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
ومن أسباب نزول رحمة الله طاعة الله ورسوله كما قال سبحانه: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } , والصبر من أسباب نزول الرحمة قال تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } , ومن أسباب الرحمة ما ذكره الله بقوله: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ }.
وأضاف أن من أسباب الرحمة ما ذكره سبحانه بقوله: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } , كما أن من أسباب نزول رحمة رب العالمين الإكثار من الاستغفار قال تعالى: { لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.