لم تكن يا سمو الأمير وحدك الذي ملأ قلبه الحزن، وقطرات دمعه جرت على أحمد وقبله فهد، فكلنا امتلأت قلوبنا حزناً، وذرفت دموعنا على فراق تلكما الزهرتين اليانعتين اللتين اختار لهما رب العزة والجلال بحوله وقوته أن ينزلهما جنات الفردوس جنات الخلود الأبدي؛ بعد أن أديا وهما في ريعان شبابهما دورهما الإنساني كاملاً، تشهد بذلك أعمالهما التي يشهد بها القاصي والداني وهل للإنسان في دنيا الفناء من شيء يخلده إلا عمله الصالح، ولقد شهد كل من عرف (فهد وأحمد) بأنهما تركا من الأعمال الصالحة ما يخلد في سجلات الخلود. نعم يا سمو الأمير إن المصاب جلل، وفقدان الأحبة خطب كبير، وجرح غائر في أعماق النفس يصعب مع الزمان أن يندمل؛ ولكن أين المفر من قضاء الله وقدره؟ والله يبتلي الصالحين من عباده. إننا يا سمو الأمير نشاطرك، ونشاطر أبناءك الأمراء، وكل أفراد أسرتك الحزن والآلام، إن فقد أحمد ليس فقداً خاصاً بك وحدك، إنه فقد كبير يعمّ على كل أسرته السعودية، إنه نجم أفل وهو في قوة توهجه يشع حيوية، يمنح وطنه الحب، ويقدم له الخدمة تلو الخدمة، تجده جنديا كفئاً في كل ثغرة دعاه الواجب للانخراط فيها، فلقد خدم جندياً في القوات المسلحة، فأدى الواجب خير ما يؤديه الجندي القوي الأمين، ثم انتقل إلى ساحة أخرى في الدفاع عن حياض الوطن، وهي ساحة لا تقل أهمية عن ساحة الجندي المقاتل وهي ساحة الإعلام التي تمثل في العصر الحديث ساحة خطيرة، كثيراً ما استغلت لغزو بلدان، وتهديد أمن أوطان، وقيم ومبادىء شعوب إذا لم يوظف لها الأكفاء من الأبناء والمناضلين والمقاتلين المتسلحين بسلاح لغة الإعلام، ولقد كان أحمد يرحمه الله ذلك الجندي الذي خدم بلاده في هذه الجبهة خدمة تخلد اسمه في صفوف الأبطال. فلقد كان على رأس أكبر مؤسسة إعلامية على مستوى الوطن العربي سخر كل وقته وجهده وماله لخدمة وطنه إعلامياً، عندما أدرك أن إعلامنا الرسمي قد لا يكفي وحده للدفاع عن قضايا وطننا والتعريف بمنجزاتنا وكان إعلامياً ماهراً، فلم تطغ عاطفته الوطنية على رسالة الإعلام الموضوعية، ونزاهة وسمو الكلمة. فلقد تجاوز في رسالته الإعلامية محيط وطنه المملكة العربية السعودية إلى خدمة وطنه العربي والإسلامي، وقيم ومبادىء هذه الأمة. فكانت المطبوعات التي تصدر من المؤسسة التي كان يرأسها رحمه الله من أهم مصادر التنوير في وطننا العربي، وأهم نافذة إعلامية، إذ استقطبت كل الكفاءات الإعلامية والفكرية العربية، وكان كل عربي يجد نفسه في هذه المطبوعات، التي وفر لها أحمد المساحة الكافية من الحرية وإبداء الرأي الواضح والصريح من التزام بأخلاقيات عالية من المهنية الإعلامية، وهو نادراً ما يتوفر لها في أوطانها. رحم الله الأمير أحمد الذي لم يلج باباً من أبواب العطاء والإبداع والفداء إلا وهاجس الخدمة الوطنية هو أهم دوافعه وأهم مقومات أعماله، وغاية طموحه الشخصي فولوجه عالم الفروسية الذي عشقه عشق الفارس الأصيل، فهو فارس، وأبوه فارس، وجده فارس، ومن أرومة كلهم فرسان لم يكن دخوله هذا العالم المتسم بالنبل وهو النبيل سليل النبلاء لإثبات شيء ما ذاتي، وإنما من أجل خدمة وطنه من خلال ساحة لها مكانتها على مستوى الإعلام العالمي، ولقد حقق أحمد اسماً عالياً لبلاده من خلال هذه الساحة وسيبقى اسمه واسم بلاده قامة شامخة في عالم الفروسية. لقد فقدت بلادنا واحداً من رجالها البارزين وهو في قمة العطاء، وفي مرحلة هي في أمس الحاجة إلى مثل أحمد الذي يعرف بما أوتي من مهارة كيف يوظف مهارته ومهارات الرجال الذين يعملون من حوله لخدمة وطنه وأمته، ولكن أحمد بما عرف عنه من نكران الذات تمكن من إيجاد مؤسسة إعلامية تقوم على أداء الرسالة من خلال أداء الفريق، وليس من خلال أداء أو تسلط الفرد، الذي إذا ذهب ذهبت المؤسسة، لك منا الدعاء بالرحمة يا أحمد على ما رسّخته من مبادىء وقيم وقدوة ستبقى نبراساً لمن سيقود السفينة من بعدك، فسفينة المسيرة لا تعرف التوقف هكذا علمتنا مدرسة المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وورثها أبناؤه وأحفاده من بعده. لك يا سلمان الشموخ والكبرياء أحر العزاء وأصدق الدعاء لك ولآلك بالصبر واحتساب المثوبة والأجر من عند الله سبحانه، وللفقيد المغفرة والرحمة؛ ولنا فيك وفي بقية أبنائك الغر الميامين العوض. برقية عزاء إلى سمو الأمير فيصل بن تركي، وإلى سمو الأميرة لولوة بنت عبدالعزيز، وإلى أصحاب السمو أنجالهما الكرام في فقيدهم وفقيدنا جميعاً سمو الأمير سلطان بن فيصل الذي لاقى وجه ربه وهو في طريقه لأداء واجب العزاء في أخيه ورفيقه في السلاح سمو الأمير أحمد بن سلمان، لقد شاء الله ولا راد لمشيئة الله أن تذهب روحاهما محلقتين في السماء لتتلقفهما ملائكة الرحمة وينام جسداهما متجاورين في مقبرة العود جنباً إلى جنب مع رفات من سبقهما من إخوتهما وأهلهما جعل الله قبورهم روضات من رياض الجنة، وعوضهم عن دنيا الفناء والشقاء جنة النعيم الأبدي الدائم التي وعد الله بها كل عباده المؤمنين، وألهم ذويهما وألهمنا جميعا جميل الصبر والاحتساب على فراق الأحبة، إنا لله وإنا إليه راجعون.