نشرت صحيفة الجزيرة يوم الجمعة 28 ربيع الأول سنة 1421ه خبرا كتبه الأستاذ محمد المدبل أن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله قد تبرع بإعادة بناء مسجد الإمام فيصل بن تركي بضرماء وقد تم الانتهاء منه في سنة 1423ه وتمت الصلاة فيه ويتبع للمسجد الجامع بيت للإمام وآخر للمؤذن مع المرافق اللازمة له جزى الله الأمير سلطان خير الجزاء فما هو تاريخ هذا الجامع؟. إن وجود جامع باسم الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود ابن مؤسس الدولة السعودية الثانية له دلالة تاريخية لبلدة ضرماء القريبة من مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية لأن بلدة ضرماء هي قاعدة محافظة ضرماء التي يتبع لها مراكز عديدة وهي واحة زراعية تقع بين خطي عرض 2403ْ و25ْ شمالا وخطي طول 25ْ 24ْ و25 46ْ شرقا في المنطقة الوسطى في المملكة العربية السعودية وتابعة إدارياً لإمارة منطقة الرياض وتبعد من أولها نحو 65 كيلومترا إلى الغرب من مدينة الرياض في الجزء شبه المستوي في منخفض أو سهل ضرماء (البطين) حيث توجد الأراضي الزراعية الخصبة المشهورة (بجب ضرماء) تحت جبل طويق(1) وتمتد إلى ما يزيد عن 100 كم شمال غرب مدينة الرياض. وقال عنها الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس في معجم اليمامة: ضرما قرما: بفتح الضاد، الراء، والميم ممدودة.. أصلها: (قَرَما)، ثم دخلها التحريف فأصبحت اليوم: (ضرما).. وحيث لم تعرف اليوم إلاّ بهذا رسمنا لها في باب (الضاد)، ومثلها الصدارة أصبحت الستارة، والريب أصبحت الرين.. وهكذا(2). كما قال عنها: وفي سنة (1233ه) حينما غزت جيوش محمد علي (نجدا) بقصد تخريب (الدرعية) وتقويض حكم آل سعود.. وقف لهذه الجيوش بعض البلدان التي في طريقها، وجاهدوا وأبلوا بلاء حسناً في الجهاد والنضال، وفي مقدمتها مدينة (الرس) و(شقراء)، ثم (ضرما) التي وقفت موقف البسالة والحماية والغيرة، ولقنت هذه الجيوش درساً لا ينسى في مناجزة الأعداء ومجالدتهم.. (3). واستطرد قائلا: ولقد كان موقف أهل (ضرما) هذا وسام فخر وتاج مجد ضربوا به المثل الأعلى، وأعطوا الدليل على مواقف الرجال ذوي الغيرة والشمم والوطنية. ويحق لشاعرهم (محمد بن حنوان) حين يقول: يا لله عسى الوسمي إلى جت خباره يسقي الخشوم اللي عليها مراقيب ربعي إلى كل تذكر دياره أهل (الحمادة) لي عوى الذيب للذيب بيبانهم ما ضِرّيَت بالنّطارة لي جاهم الطّرقي لقى له معازيب(4). ويقول أيضا: وفي سنة (1235ه) اتخذ الإمام تركي بن عبدالله آل سعود من (ضرما) منطلقا لاستعادة نفوذه من حاكم (الدرعية) آنذاك، بعد هدمها وتخريبها سنة (1233ه) وقتل السرية التي في (ضرما)، ومنها عاد إلى (الدرعية)، وبدأ دوره في التحرير وتوطيد الأمن(5). قال شاعر الإمام تركي بن عبدالله آل سعود في مطلع قصيدة له يمدح الإمام فيها عندما بدأ حملته من محافظة ضرما لتأسيس الدولة السعودية الثانية: يا سلامي على جمع الحماده عد ما هلت الأمزان ماها ديرة قد لها في المجد عادة يوم تركي تذكرها نصاها وجرد السيف وحرر به بلاده وقالوا إنا معك وأنت ذراها واستطرد قائلا: ويحد مسمى (ضرما) من الشمال حدود (البَرَّة) وجال (طُوَيْق)، ومن الغرب رمل (قُنيفذة) (الوَرِكَة سابقا) والحد داخل في المحدود، ومن الجنوب (المُزاحميّات) وتوابعها، ومن الشرق (جبل طويق)(6). وقصة هذا الجامع (جامع الإمام فيصل بن تركي رحمه الله هي أن الإمام تركي بن عبدالله آل سعود في بداية حملته لاسترداد ملك آبائه وأجداده وتمهيداً لإعادة الدولة السعودية الثانية ذهب في سنة 1235ه إلى بلدة ضرماء وأقام بها فترة من الوقت وتزوج بامرأة من عائلة الفقيه (يسمون في ضرماء الفقهاء) وأنجبا الإمام فيصل بن تركي. ويقع قصرهم وسط أحد بساتين النخيل يقال له (الفرغ) شمال غرب ضرماء وتخليداً لهذه الذكرى تاريخيا أقام أهالي ضرماء مسجدا جامعا أطلق عليه جامع الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود رحمه الله. ولأن جامع الإمام فيصل بن تركي قد أصبح معلما تاريخيا في وسط البلدة القديمة وقد أصبح المسجد قديماً ولما علم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز بحالته فما كان من سموه إلا وأن بادر وتبرع بإعادة بناء الجامع وبناء مساكن للإمام والمؤذن ودفع التعويضات للتوسعة عن الدور المحيطة به وقد تم بالفعل عمل المخططات والتقديرات وبدئ في العمل لإعادة البناء بعد هدم الأنقاض من قبل مؤسسة وطنية محلية وتم الانتهاء منه في سنة 1423ه. فهذه قصة جامع الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله تبرع الأمير سلطان بن عبدالعزيز بإعادة بنائه نسجلها هنا للتاريخ جزاه الله خير الجزاء، وليس غريبا أن يتم ذلك لقد عرف عنه عمل الخير. وإقامة المساجد وتعميرها في الداخل والخارج سنة حميدة من أسرة آل سعود حفظهم والشعب السعودي الكريم رجالاً ونساء منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله ومن بعده الملوك سعود وفيصل وخالد فقد تمت توسعة الحرمين الشريفين الأولى في عهد الملك عبدالعزيز وتبعه أبناؤه من بعده وقد تولى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز توسعة وتعمير الحرمين الشريفين في مكةالمكرمة والمدينة المنورة التوسعة الثانية. كذلك فعل ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام وبقية أمراء الأسرة السعودية، وكذلك العلماء والموسرون ورجال الأعمال من الديار السعودية يعمرون المساجد أدام الله عز الإسلام والمسلمين وحفظ الله لنا القيادة السعودية وجزى الله المعمرين لبيوت الله خير الجزاء. الهوامش: (1) محمد بن عبدالعزيز القباني رقم (38) سلسلة هذه بلادي طبعة 1413ه ص (15) إصدار الرئاسة العامة لرعاية الشباب. (2) عبدالله بن خميس، (معجم اليمامة)، الجزء الثاني الطبعة الثانية سنة 1400ه 1980م ص (92). (3) عبدالله بن خميس، المرجع السابق (ص 95). (4) عبدالله بن خميس، المرجع السابق (ص 95). (5) عبدالله بن خميس، المرجع السابق (ص 96). (6) عبدالله بن خميس، المرجع السابق (ص 97).