كتبه - عبدالمحسن بن محمد القباني: تمتد محافظة ضرماء في وادي قرقرى القديم الذي ذكره المؤرخون وتغنى به الشعراء قديما وحديثا حيث تعتبر محافظة ضرماء البوابة الغربية للعاصمة الرياض، ويمر عبر اراضيها مجموعة من اهم شرايين النمو في الدولة وهي طريق الرياض- مكةالمكرمة السريع، الذي يلتقي بالعاصمة عند نهاية طلعة القدية التابعة لمركز قصور آل مقبل والذي هو جزء من محافظة ضرماء، ويلتقي بالعاصمة الرياض الطريق الآخر وهو طريق الرياضمكة القديم والذي يلتقي بالعاصمة عند نهاية طلعة ديراب والتي هي جزء من محافظة ضرماء، وترتبط ضرماء بحدود ادارية مع عدد من المحافظات والمراكز منها محافظة المزاحمية ومحافظة القويعية ومحافظة مرات ومحافظة حريملاء ومحافظة الدرعية والعاصمة الرياض ومركز الحاير ويمر عبر المحافظة انابيب النفط المتجهة من المنطقة الشرقية الى المنطقة الغربية من الوطن الحبيب . من هنا اكتسبت المحافظة اهمية استراتيجية على مستوى منطقة الرياض خاصة و الدولة عامة, فإن عدنا الى المكان فتبقى محافظة ضرماء تاريخاً وحدها موغل في قدمه بقدم التاريخ؛ ففيها من الآثار والنقوش على مر العصور والأزمنة , من اثار ماقبل التاريخ الى عصر ماقبل الإسلام حتى تاريخ صدر الإسلام ثم الى التاريخ الأموي والعباسي الذي كانت فيه المنطقة مزدهرة حتى التاريخ السعودي العامر فهي موطن حضارات وموطن تاريخ وطريق عبور قوافل وتزود بمؤنها , فمن ارضها كان اول حصار اقتصادي في الإسلام عندما قام الصحابي الجليل ثمامة بن آثال رضي الله عنه الذي ذكر انه صاحب هذا القصر المطمور الذي يقع عند مدخل ضرماء بمنع الحنطة عن كفار قريش في مكة , وكانت تشتهر بجودته قرقرى الاسم القديم ل ضرماء ذكرها عمرو بن كلثوم ( توفي600 م ) في واحدة من اشهر ماقيل في الشعر العربي على مر التاريخ عندما نظم معلقته الشهيرة التي قيل انها تقع في الف بيت ولم يبقى منها إلا ماحفظه الرواة فقال عندما رأى خشوم العارض جبال طويق من الجهة المقابلة ل ضرماء حسب مارجحه المؤرخون ووصفها بوصف غاية في الروعة والجمال فقال : تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّا... رَأَيْتُ حُمُوْلَهَا أصُلاً حُدِيْنَا فَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَرَّتْ... كَأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلِتِيْنَا يقال بأن عمرو بن كلثوم كان يجول بين القبائل وينثر ابداعه شعراً وحماسة وفروسية وجرأة حتى اصطدم بقبيلة بني حنيفة وعلى رأسها فارسها الجسيم الصلب يزيد بن عمرو وكانت الغلبة ليزيد بن عمرو فأسر عمرو بن كلثوم وسار به الى احد القصور ونحر له وأكرمه وكساه لمكانته عند العرب. ومن التاريخ نقول ان ضرماء يوجد بها تحفة معمارية عباسية على اقل تقدير تتميز بطراز معماري فريد في جزيرة العرب وهو احد القصور المطمورة تحت تراب هذه المحافظة والذي يتميز بشهادة المختصين بصفات تنعدم في غيره من القصور التي شيدت قي العصر العباسي ومن التاريخ نقول ان ضرماء رثاها في العصر العباسي الشاعر يحيى بن طالب الحنفي (توفي 180ه )عندما فقدها قسرا بعد ان اثقلته الديون , ذكر ياقوت الحموي انه كان كريما سخيا فأصاب الناس قحط فجلا اهل البادية ونزلوا قرقرى ففرق يحيى بن طالب فيهم الغلات وكان معروفا بالسخاء فأثقله الدين وباع السلطان املاكه فهجر قرقرى هاربا الى خُرسان واستقر في مدينة الري وهي الآن على بعد 6 كلم من طهران وذكر انه توفي بها, أخذ يحيى بن طالب الحنفي يتغنى بعشقه القديم ويتذكر قرقرى فرثاها رثاء قل ان تجده من غيره, فتغنى في مائها وهوائها وغبارها وشجيرات اثل تذكرها، فقال: ألا هل إلى شمِّ الخُزامى ونظرةٍ إلى قرقَرى قبل الممات سبيلُ فأشربَ من ماء الحُجَيلاءِ شربةً يُداوى بها قبل المماتِ عَلِيلُ أُحَدِّثُ عنكِ النفسَ أن لستُ راجعاً إليكِ فَحُزني في الفُؤاد دَخِيلُ أريدُ انحداراً نحوها فَيَصُدَّ نِي إذا رُمتُهُ دَينٌ عليَّ ثَقيلُ و عندما استقل في الزورق هاربا ونظر خلفه وازداد شوقه انشد فيها قصيدة غاية في الجمال والإبداع والعشق أحقاً عباد اللَه أن لستُ ناظراً إلى قَرقرَى يوماً وأعلامِها الغُبر كأن فؤادي كُلّما مَرَّ رَاكبٌ جَنَاحَا غُرابٍ رامَ نهضاً إلى وكرِ إذا ارتحلت نحو اليمامة رِفقَةٌ دَعاكَ الهَوَى واهتاجَ قلبُكَ للذِّكرِ فلما سمع هارون الرشيد شعره وسَأل عن امره كتب الى والي الري بأن يسد دينه ويرسل به اليه إلا انه توفي قبل وصول البريد بشهر حسب ما نقل من اخباره . هذه قرقرى المسماة اليوم ضرماء اذا فتحنا صفحات التاريخ عرفنا قيمة المكان فهي جزء من ارض اليمامة ارتبط تاريخها بمكانها وامتد ليشمل ما جاورها فأصبحت تاريخاً بحد ذاته يحتاج الى الكثير من الصفحات حتى ينقل. في عصر الدولة السعودية كان تاريخ ضرماء ورجالها حاضرا فقد ناصروا الدولة السعودية الأولى وكانوا العون في مناصرة دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب ورفيق دربه في الدعوة الأمام محمد بن سعود، وكانت لهم وقفات مشهودة ضد الحملات العثمانية على الدولة السعودية لعل ابرزها موقعة ضرماء في الرابع عشر من ربيع ثاني عام 1233ه حيث تعتبر ضرماء الحصن الأخير والسند القوي للدرعية, في ذلك اليوم قدم اهل البلدة تضحيات كبيرة ضحوا بالمال والنفس والولد في سبيل نصرة الدعوة السلفية ونصرة العقيدة الصحيحة, وكان لهم يوم مشهود عندما رفضوا الصلح مع القوات الغازية وقدموا لقائدها صرة بارود ورصاص مخلصين لبيعة في اعناقهم وأن ليس عندهم له الا هذا, ودارت بينهم وبينه حرب شرسة واثخنوا القتل في عدوهم مما زاد من غضبه عليهم حتى ان بعض التواريخ النجدية ذكرت ان القوات الغازية قذفت البلدة مابين المغرب والعشاء ب 5700 رمية ما بين قبس ومدفع وقنبرة إلا انهم صبروا وثبتوا قبل ان يشتد المطر ويدخل السيل في اليوم الثالث من القتال مما عطل بناء الأسوار المهدمة وعطل بنادق الفتيل فأصبحوا يقاتلون بالسلاح الأبيض جيشا يفوقهم عددا وعدةً بعشرات الآلاف وسقط من اهل البلدة شهيدا مابين 800 الى 1200 رجل حسب مانقلته لنا التواريخ النجدية , وفي وثيقة ارسلها ابراهيم باشا الى والده ذكر انه قتل من اهل البلدة 1300 رجل , غفر الله لهم جميعا وجمعنا بهم في مستقر رحمته. وفي الدولة السعودية الثانية اختار الأمام تركي بن عبدالله رحمه الله ضرماء لتكون هي نقطة البداية فهم أخوال ابنائه فقد صاهر رحمه اسرتين من اسر ضرماء فتزوج من هياء بنت سليمان بن حمد المدبل وأنجبت منه بنات , وتزوج من هياء بنت حمد الفقيه* , وهي والدة الأمام فيصل بن تركي , فكانت علاقة الإمام تركي بالبلدة وأهلها قوية جدا وعرَف عنهم انهم رجال ثِقات واهل صدق وولاء وثبات في مواقفهم , فاختارها ان تكون هي المنطلق لتحرير الوطن واستعادة ملك الآباء والأجداد. احسن بهم الظن وكانوا عند حسن الظن, ومن هنا انطلقت عملية عسكرية منظمة قادها الأمام تركي يسانده اهل البلدة فقتلوا العسكر في الحامية الموجودة في البلدة والتي تقع اليوم غرب جامع الإمام تركي بن عبدالله وأصبحت ضرماء هي نواة تكوين الدولة السعودية الثانية. ثم انطلقوا معه وكانوا عونا له في التخلص من خصومه والقضاء على الحاميات العثمانية التي خلفتها حملة ابراهيم باشا على الدرعية ولرسم معالم تأسيس دولة جديدة هي الدولة السعودية الثانية . وفي الدولة السعودية الثالثة كان للمؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن غفر الله له دور مشهود في تأسيس هذا الكيان وكان لأهل ضرماء مساهمة فاعلة في هذا المجال فخاضوا مع المؤسس جميع معارك التأسيس وعاشوا جميع مراحله وكان لهم عنده مكانة وقدرا, كيف لايكون ذلك ووالده الأمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي قد بُشِرَ بولادةِ إبنهِ عبدالعزيز وهو في ضرماء , وكان الأب الأمام عبدالرحمن وابنه الملك عبدالعزيز غفر الله لهما لاينقطعون عن زيارة ضرماء لصلة رحم لهم ممتدة في ضرماء فقد قاما بزيارة ارملة الأمام فيصل بن تركي رحمه وهي الفهيدة بنت حمد المدبل زاراها في ضرماء عدة مرات. هذا هو التاريخ الذي يقف في هذا المكان يقارع قرونًا من الزمن لا يعلمها إلا الله لينقل من اخبار من قد سلف الى من خلف وكتب له ان يعيش على ترابها ويبحث في اخبارها. * أخذت اسمها من الشيخ محمد بن حمد الفقيه، نقلا عن وكيل اضاحي بنات الإمام تركي بن عبدالله وذكر لي الأخ حمد العنقري ان اسمها منيرة نقلا عن وثيقة عثمانية اطلع عليها فإن ثبت صحة الوثيقة فيبدو ان الأمر التمس على وكيل الأضاحي بين الزوجتين لأن والدة البنات هي هياء بنت سليمان، والله أعلم .