بعد مرور أكثر من خمسين عاما على قيام دولة إسرائيل اكتشف مئات الآلاف من المهاجرين اليهود من أمريكا إلى إسرائيل انهيار حلمهم في إقامة دولة عبرية تقوم على التسامح والديموقراطية كما بشرت بذلك الصهيونية الأولى لقد كان اليهود يحلمون بأن توفر لهم إسرائيل ولأطفالهم الأمن لكن هذا لم يحدث. فقد اكتشف هؤلاء اليهود أنهم يعيشون في أخطر مكان على وجه الأرض وفي دولة تسبح في بحر من الكراهية وأبعد ما تكون عن الديموقراطية، ويكفي مراجعة نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى تأييد الغالبية في إسرائيل لاتخاذ إجراءات تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان والحقوق المدنية ضد مواطني دولة إسرائيل من العرب. ليس هذا فحسب بل إن هذه الأغلبية تؤيد طرد هؤلاء العرب من ديارهم وفي المقابل تلاشى انصار معسكر السلام داخل إسرائيل حيث تقول جانيت أفيد إحدى نشطاء حركة السلام الآن: ان المظاهرة التي تنظمها الحركة أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون بصورة أسبوعية للمطالبة بالسلام والدعوة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة لم تعد تجذب الكثيرين. وعلى العكس، فبعد سنوات من الهدوء وانتعاش أحلام السلام في أعقاب توقيع اتفاقيات أوسلو للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993 أعادت حكومة رئيس الوزراءالإسرائيلي عقارب الساعة إلى الوراء وأعادت احتلال المدن الفلسطينية التي كان قد تم الانسحاب منها لتبدأ حلقة جديدة من الصراع من المربع الأول وتشعر جانيت أفيد أحد مؤسسي حركة السلام الآن وتينا سيلفرمان مديرة إحدى المجلات الفنية أن أحلامهما في قيام دولة إسرائيل الديموقراطية واللتان جاءتا من أجلها من أمريكا إلى الشرق الأوسط منذ عشرين عاما قد تبددت وللاسف فإن لجانيت ابناً يبلغ من العمر 32 عاما وهو جندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي ويعترف بأنه وزملاءه قد استخدموا الفلسطينيين كدروع بشرية في أثناء اجتياح الضفة الغربية في إبريل الماضي.ويقول في هذا الصدد: كنت في مدينة بيت لحم وقد دخلنا أحد المنازل الفلسطينية واستولينا عليه ووضعنا سكانه أسفل السلم ولم نخرجهم من المنزل وإنما أبقينا عليهم حتى لا يفجر الفلسطينيون المنزل ونحن بداخله، ويضيف قائلا: أنا لا أريد أن يكون لي أصدقاء من العرب ولا أريد أن أراهم على الإطلاق، وتعلق جانيت على أقوال ولدها فتقول انها تتفهم موقفه وإن كانت لا توافق عليه. من ناحية أخرى تلاشى شعور الولاء والفخر لدى الإسرائيليين بعد أكثر من 35عاما من احتلال أراضي الغير واستمرار المقاومة الفلسطينية. يقول مايك افيد ابن جانيت أفيد أن 35 عاما من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة قد دمر إسرائيل فلماذا لا نترك لهم هذه الأرض ليذهبوا بها بعيدا عنا؟ نفس المعنى تقريبا أكدته جانيت لكنها قالت ان الوقت الآن ليس وقت سلام ولكنه وقت حدود وحواجز، تقترح جانيت إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية بالكامل وإقامة حدود فاصلة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي لفترة من الزمن حتى تتلاشى ذكريات العنف والقتل المتبادل من الأذهان لدى الجانبين بعدها يمكن الحديث عن تطبيع العلاقات بينهما. على الجانب الآخر فإن الكثيرين من الإسرائيليين لم يعودوا يشعرون بأن إسرائيل هي المكان المناسب لكي ينموا أطفالهم فيه وبدأ الكثيرون منهم البحث عن أماكن أكثر أمنا ليرسلوا أطفالهم إليه. تقول تينا سيلفرمان انك إذا سألت أغلب الإسرائيليين أين أطفالكم سيردون قائلين: في لندن أو واشنطن أو أي مكان آخر. وتضيف: في الماضي كنا نخجل من مجرد التفكير في الهجرة من إسرائيل ولكن الآن الجميع يفكر في الهجرة منها ويتحدث عن ذلك بدون أي خجل وتتابع تينا سيلفرمان: لقد انتهى الزمن الذي كان الأطفال يعيشون فيه في إسرائيل. وتشير إلى أحفادها وتقول انهم يعيشون في أمريكا حيث يدرسون أو يعملون. وتقول ان الآباء في إسرائيل لا يشعرون بأي خجل بسبب وجود أطفالهم خارج إسرائيل بل يشعرون بالسعادة لأنهم استطاعوا توفير مكان أكثر أمنا لهؤلاء الاطفال. تقول سيلفرمان: اعتقد أن الصهيونية قد فشلت في إقامة الدولة اليهودية التي كانت تبشر بها، فالجميع الآن يفكر في الرحيل عن إسرائيل. وتقول انظر إلى الصورةالقاتمة الآن في إسرائيل فأنت تخرج من منزلك لتذهب إلى السوق وفجأة يقع انفجار وتتناثر الجثث والدماء فإذا لم تكن صهيونيا حقيقيا ومؤمنا تماما بهذه القضية فسوف تحمل أغراضك لترحل عن إسرائيل إلى أي مكان آخر أكثر أمنا. فالخلاصة أن الصهيونية لم تنجح حتى الآن في توفير وطن أكثر أمنا لليهود، وتقول جانيت ان إسرائيل الآن أشبه بمدينة تعرضت لزلزال كبير أدى إلى انهيار منازل كثيرة ولكن كان يجب ان تنهار هذه المنازل حتى يمكن إعادة بنائها. وتستطرد جانيت أن أخطر ما تعاني منه إسرائيل حاليا ليس الاحباط الناتج عن الخوف أو الموت لكنه الإحباط الذي أصبح جزءاً من التكوين النفسي للإسرائيليين والذي يجب عليك ان تعتاد الحياة معه بقية عمرك.