بما ان الموت حق نعيشه واقع لا محالة منه، فهو يتطلب من الإنسان الاستعداد له بما يحفظ كرامته بعد الموت من تجهيز للكفن وطريقة الغسل.. ومن يقوم بالتغسيل.. ففي السابق كان غسل الأموات يعتمد إلى حد كبير على العاملات والعاملين في المستشفيات ولازال مع ما فيه من جهل بأحكام التغسيل والتكفين الشرعي.. والتجهيز للمتوفى استعداداً لقبره.. كما ان تخوف الناس من مشاهدة الموتى وتغسيلهم أدى إلى احجام عدد من الذكور والإناث عن المشاركة في تغسيل موتاهم وما يتبعه من التعلم الصحيح في التكفين والتغسيل وغيره.. إلا ان الوعي الديني والرغبة الملحة في احتساب الأجر والثواب أزالتا رهبة الموقف..وشجعتا الكثيرين والكثيرات على المشاركة في هذا المجال وتعليمه للأخريات.«الجزيرة» كان لها لقاء مع بعض الاخوات المتطوعات لغسيل الميتات في مدينة الرياض ولنتعرف معهن على بعض الصعوبات والاشكالات التي تواجههن في هذا العمل التطوعي: حيث تحدثت في البداية الاخت البندري الطويل والتي تحدثنا أولاً عن بدايتها مع تغسيل الأموات فتقول: أثناء الأزمة الكويتية.. والناس كانوا خائفين من جرس الانذار ومن الاعتداءات العراقية.. أوحى لي الخوف والرهبة لدى الناس بتعلم التغسيل في مغسلة الأمير سلمان الخيرية وتشجعت على ذلك. وفي البداية تم الاتصال بالشيخ عبدالرحمن الغيث الذي بدوره وجد مني الرغبة الملحة لتعلم كيفية تغسيل الموتى.. فعلم زوجته التي بدورها علمتني في مغسلة الأمير سلمان الخيرية.. وتشجعت على ذلك ثم تطوعنا بتقديم دورة في جامع الدريهمية عن كيفية تغسيل الموتى لمن تريد ان تتعلم.. ففي البداية كان هناك تخوف شديد.. وهروب من واقع الموت.. فعندما تحدث وفاة لإحدى النساء يذهبن بسبب الخوف المسيطر عليهن، تتعفف نفوسهن أخذ شيء من الميتة..ولكن بعد مرور مدة على اقامة الدورة أصبح هناك وعي من المواطنات وفعلاً بدأ المسجد يمتلئ بالمتطوعات عصر كل أربعاء.. وكان تجربة التغسيل تتم على دمية.. والتي تستطيع ان تتحمل تحضر معنا في المغسلة لترى التغسيل وتستفيد وتتعلم. فتدخل معنا واحدة او اثنتان.. كذلك لا أنسى ان انوه بجهود الاخوات المتطوعات اللاتي استفدن من الدورة.. وبدأن بعمل تطوعي لكيفية الغسل سواء عن طريق حلقات التحفيظ أو المدارس أو المساجد أو حتى في الاجتماعات الفردية التي تنظمها الداعيات والاخوات في بيوتهن لتعلم طريقة الغسيل الشرعية. البداية صعبة وتضيف البندري الطويل ان البداية دائماً ما تكون ثقيلة على النفس خاصة إذا كان العمل يقترن بالوفاة والرهبة من المكان أو الهروب منه. أول امرأة اقتحمت هذا المجال وبشجاعة لولوة آل الشيخ رغم الصعوبات والتحديات التي واجهتها إلا انها استطاعت ان تحول الخوف والتردد إلى الرغبة والخوض بإيمان وشجاعة شديدين. وسبحان الله كان لهذا سبب.. البداية كانت توصية من إحدى قريباتها لتغسلها هي وليس أحد آخر فاضطرت ان تتعلم كيفية التغسيل الشرعي حتى تنفذ وصية من ائتمنتها على غسلها وتكفينها بعد وفاتها. ومغسلة الأمير سلمان الخيرية كانت لا تستوعب كثيراً من المتوفيات ليتم تغسيلهن والتجهيزات غالبا ما تكون غير متوفرة كالأكفان وأدوات غسل الموتى.. ثم أصبحت بفضل الله مغاسل كبيرة كما هو الحال الآن في مغسلتي الدريهمية والراجحي وغيرهما.وأضافت أم تركي إحدى المتطوعات في التغسيل ان بعض المغاسل تحتاج إلى اهتمام المسؤولين. ينقعن السدر لشهر كامل * يلاحظ ابتعاد الناس عن المغسلات العاملات اللاتي يعملن براتب شهري.. لماذا؟ لأنهن لا يستعملن الطريقة الشرعية في غسل المتوفيات.. فهن يستخدمن الصابون بدلاً من السدر والمكانس في تغسيل الميتة وهذا خطأ شرعي كبير.. كما ان بعض العاملات تترك السدر منقوعاً في الإناء لمدة طويلة تصل إلى أسبوع أو شهر تقريباً لأنها تتكاسل عن إعداد غيره.. وعندما تأتي جنازة يغسل بهذا المنقوع الميتة وهو على حالته من العفن والرائحة الكريهة وما يتنافى وكرامة الميت التي أوصى بها الشرع.كما ان غير السعوديات تطلب من أهل الجنازة صدقة وإعانة وتستغل موقفهم والحالة النفسية التي هم بها رغم ان لها راتباً شهرياً. كما ان هناك من العاملات من تمسك مكانين في وقت واحد تداوم في مغسلة الراجحي بحيث تحتسب عدداً ولكن مع وقف التنفيذ وبالتالي التقصير في مزاولة عملها فمرات عديدة يتم البحث عنها في مقر عملها ولا توجد لأنها تعمل في مكان آخر خاصة في مغسلة الراجحي التي بها جنائز كثيرة!. ولكن الحمد لله بعد دخول سعوديات متطوعات أصبحن موجودات ولكن لا يستوفين بالغرض كاملاً. سرقة ومخالفات وأضافت البندري: لقد تحسن وضع المغاسل نسبيا فيما يتعلق بطريقة التغسيل الصحيحة ولكنَّ كثيراً من المستشفيات والمغاسل لا تزال العاملات فيها من غير السعوديات. وحبذا لو تتم السعودة في مثل هذه الأعمال فالسعودية الأكفأ والأجدر للترشيح من غيرها حتى نتلافى مثل هذا التقصير والتهاون بأمور شرعية وائتمانية وتجنب سرقة مستلزمات التغسيل كالأكفان والفوط أو حتى اختلاس بعض الأموال من صندوق التبرعات. تقول الأخت أمل العسيلان متطوعة في مجال التغسيل.. لا يجب التسرع بالحكم على الميتة بأن ميتتها بها سوء خاتمة من قبل المشرفات على التغسيل أو أي واحد من الناس حضر التغسيل لمجرد ملاحظات بسيطة على ملابسها أو هيئتها أثناء التغسيل؟ فيجب مخافة الله وعدم التحدث بما لا يعلمه الإنسان من علم الغيب لمجرد الظن فإن بعض الظن إثم. وفي ختام هذه اللقاءات أوردت المغسلات عدة نقاط لعلامات حسن الخاتمة شاهدناها في بعض المتوفيات: كالابتسامة المشرقة، والرائحة الطيبة، والاصابع ترتفع بالشهادة، وليونة الأعضاء مما يساعد على التغسيل السريع على بعض الجنازات، ونور في الوجه، واتجاه بعض وجوه المتوفيات أثناء التغسيل إلى القبلة، كذلك بعض النساء الكبيرات اللاتي بهن تجاعيد وأمراض جلدية أثناء التغسيل تُرى وجوههن شابة مضيئة.