** كم من محنة يظنها الإنسان كذلك، ثم تكون في عاقبة الأمر منحة.! وكم من مصيبة يخالها المرء عذابا ممعنا ثم تكون خاتمتها خيرا عميما.! إن الإنسان البسيط في هذه الحياة لا يعرف حكمة الله وتصريفه للأقدار، والإنسان الذي يرى أنه أعظم المخلوقات هو من الضعف بحيث لا يملك شيئاً من أمره، أو نفساً من أنفاسه، إن أغلى شيء لديه هو حياته وبقاؤه.. ولكنه لا يملك أن يبقى لحظة واحدة من أن يحل به قدر الله فيرحل عن الدنيا.! من هنا..! ما أشد غرورنا وجبروتنا نحن البشر الضعفاء.! إننا نخال أن كل شيء في أيدينا لكننا لو تدبرنا لوجدنا أنفسنا من أضعف الكائنات فنحن نجزع من أي شيء ونتألم من كل شيء تافه (20) وّإذّا مّسَّهٍ پًخّيًرٍ مّنٍوعْا (21)}. إن الإنسان عندما يصيبه أدنى ضر يتضرع لمولاه، ويكون عندها أضعف خلق الله، فيتضرع ويشكو لكن عندما ينجيه الله من الكرب ومن كل كرب إذا هو ينسى وينكر ويتكبر إن من رحمة الله تعالى أننا لا نعرف أقدارنا وإلا لما عشنا للحظات، ولما سعدنا أيضاً للحظات.! إننا لا نعرف ما سوف يواجهنا من آلام أو مشكلات.. بل لا نعلم أهم شيء في حياتنا ألا وهو مغادرتنا لهذه الدنيا. ولهذا فنحن نعيش على رحمة الأمل بأن حياتنا سوف تسير كل أيامها رخاء وننسى أن الموت سوف يزورنا، وهذا النسيان من رحمة الله بنا.! *** من هنا نعمر الأرض والكون وليتنا نكتفي نحن البشر بذلك بل نملأ الدنيا فسادا وشراً وأطماعاً ونكرانا وكفرا.! فقط هي تلك «النفس المطمئنة..!» التي تسير على نهج الاستقامة والاعتدال ولا تمشي في الأرض مرحا أو بطرا نجدها مضيئة ان نالها خير شكرت وإن نالها شر صبرت.! بل إن الشر الذي ينالها ترجعه إلى النفس ولا تظن بربها ظن السوء * يقول: فصمت على مضض وحدثت نفسي وكنت في حوالي الخامسة عشرة من عمري كيف يجيء الخير ونحن مهددون بالموت؟ وظللنا يوما كاملاً ننتظر من ينقذنا، ثم مرّ ركب على إبلهم توقفوا وأسعفونا وأعطونا قربة ماء جديدة، ثم واصلنا رحلتنا، وعندما جاء الليل نزلنا لنستريح ونأكل وننام، وعندما صحونا في الصباح وجدنا ذهابنا ومتاع رحلتنا، قد سرق كله فأخبرت والدي: فقال قولته السابقة: {وّعّسّى" أّن تّكًرّهٍوا شّيًئْا وّهٍوّ خّيًرِ لَّكٍمً} فعجبت من أمر والدي كيف يسرق متاعنا ونبقى بدون أي شيء ويكون في ذلك خير لنا، وظللنا يوما كاملاً حتى مرّ رجل على ناقته فشاهد وضعنا فأسعفنا ثم سرنا نحو هدفنا وقد تأخرنا عن جماعتنا يومين كاملين، وعندما وصلنا إلى الهجرة وجدناها قد غرقت حيث أصابها سيل كثير في اليوم السابق لوصولنا، ومات أهلها، ثم أخذ والدي بيدي ووجه بصري إلى الهجرة ونحن نطل عليها من أعلى أحد الكثبان ثم قال لي: ألم أقل لك: {وّعّسّى" أّن تّكًرّهٍوا شّيًئْا وّهٍوّ خّيًرِ لَّكٍمً} لو لم نتأخر في سفرنا ووصلنا يوم أمس لكنا من المغرقين، ولكن الله أراد لنا حياة وخيراً.! ثم علق هذا الرجل الكبير قائلاً: يا أولادي لا تكرهوا شيئاً يصيبكم في هذه الدنيا فعسى أن يكون فيه الخير لكم، وأضاف: إنني بعد حصول هذه القصة التي عشتها أصبحت لا أكره شيئاً، فقد أنقذني الله من الموت في هذه الحياة بسبب ذلك الذي ظننته شراً ومكروها ولكنه كان نعمة وخيرا. *** ** إن الإنسان يرى أمور الحياة من منظور قاصر، ومن رؤية يقيسها على سنن الحياة المادية، ولكنه لو فكر وقدر لنظر إلى أمور الحياة من رؤية أعمق وأبعد غوراً.! إنها حكمة الله في أقداره التي كم نجهلها نحن البشر.! وكم هو المرء بحاجة إلى إيمان «عروة بن الزبير رضي الله عنه» الذي عندما قطعت رجله لألم أصابها ولم يكن من خيار سوى بترها لكيلا يسري الألم إلى بقية جسده، فلم يكن منه إلا أن قال بقوة المؤمن وطمأنينة المسلم لقدر الله «إن كنت يا ربي قد أخذت فقد أبقيت فلك الحمد على ما أخذت ولك الحمد على ما أبقيت». الله..! إنها مقولة مؤمن رباني سكنت الراحة نفسه وجعلت أضواء الأمل والصبر والشكر لله تطفئ نيران الألم واليأس. أما قبل: اللهم قوّ إيماننا بك وارزقنا صدق الإيمان بقضائك خيره وشره لنوقن أن ما يصيبنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا..! ** آخر السطور: قال ابن السكيت: إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق بما به الصدر الرحيب ولم تر لانكشاف الضر وجهاً ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غيث