هذه قراءة نقدية سريعة لبعض النصوص التي سبق ان نشرت خلال الفترة اللماضية عبر هذه الصفحة وقد حاولنا ان نختصر كثيرا ونبتعد عن المصطلحات النقدية التي لا تضيف شيئا كثيرا.. والاكتفاء بابراز بعض الملاحظات التي اتمنى ان يتنبه لها اصحاب هذه النصوص وغيرهم من المهتمين بكتابة القصة القصيرة. منصور عبد العزيز القدير: في قصتي «خالتي زينب» و«الكيس الصغير» لمنصور عبد العزيز القدير يظهر جليا وجود قدرة على الكتابة بالنمط الكلاسيكي السردي ونفس طويل يتناسب مع الانواع القصصية الاخرى اكثر من القصة القصيرة. ففي قصة خالتي زينب التي وردت على لسان الراوي وبطولته المهمشة ورسم ملامح بطل آخر هو الخالة زينب والتي لم يفعل لها اي مشاركة حقيقية من خلال القصة وهناك الكثير من العبارات التي جعلت النص مترهلا كما في مرت الايام والشهور وكذلك «ذات يوم» وهي عبارات عفا عليها الزمن ولا تضيف للنص شيئا وكذلك عندما ترد مفردة واحدة بشكل متكرر اكثر مما ينبغي كما في «الكبير» فيقول «القلب الكبير» الصغير والكبير - منزلنا الكبير. اما في قصة «الكيس الصغير» فهي تبدأ بداية جيدة عبر فعل وان كان الفعل الماضي المستخدم ذا اثر سلبي على القصة القصيرة ولكنه اكثر جودة من البداية الوصفية. فوزية حسن في نصي «عيون الامل» و«الثكلى» لفوزية حسن يبرز الحس القوي بوظيفة المفردة والقدرة على الاختزال ولاشك ان ادوات القصة لدى فوزية موظفة بشكل جيد والنصان يوحيان بنضج يبشر باسم لامع وان كنت ايضا اجد ان الاقتصار على الراوي في النصين اللذين اتيحا لي سيطرت عليهما بطولة الراوي وحضوره وهي بعيدة تماما عن المباشرة وفي خاتمة قصة «عيون الامل» دلالة كبيرة على ذلك. عبد الرحمن عبد الله المنصوري: قصتا «ظلام الرحيل» و«حزن المسافر» لعبد الرحمن عبد الله المنصوري هي نموذج آخر من النماذج المجسد للاختزال الذي ينبغي ان تتميز به القصة القصيرة الحديثة وان عابها سيادة الفعل الماضي الذي يطفىء كثيرا من وهج الاحداث ويحولها الى احداث عديمة الحياة كما ان العبارات المغرقة في التقليدية هي وجه آخر من اوجه الفعل الماضي وتؤدي نفس العمل كما في «ذات مساء» التي تكررت في اكثر من موضع واستخدمت كمفتاح للتحولات الجارية في القصة وكأنها السبيل الوحيد للانتقال من حالة زمنية الى اخرى هذا بالنسبة لنص «ظلام الرحيل» اما النص الآخر «حزن المسافة» فهي ذات وقع اكثر جرأة في التعبير وان عابتها المباشرة الاخبارية في بعض عباراتها كما في «حزن غياب العربية» و«لكنها المشاعر الجامدة» و«يبدو انهما في سعادة» وكان ينبغي ان تترك مساحة كافية للقارىء لادراك ذلك دون اخبار، به. صدى الذكريات في نصوصها الثلاثة «أشواك العمر» و«قطار الزمن» و«همس المرأة» تتميز اللغة بسريالية جميلة ومحاولة لرسم لوحة معقدة بسلاسة وان كانت العاطفة تطغي على الحدث وتأخذ البعد الاكثر تأثيرا الا ان ذلك لا يخل بالسياق وهذا يتجسد جليا في نص «اشواك العمر» بشكل كبير وفي نص قطار الزمن عاصفة من الاسئلة الذاتية التي تكشف قلقا وتوترا داخليا والنص الاخير «همس المرأة» هو امتداد لذات اللغة والتوتر الموجود في نص «قطار الزمن» وان كان يجنح باتجاه آخر لأراه في فلك القصة. البندري يوسف الوتيد زخم العاطفة وتدفقها يلغي جوانب هامة عندما يطغى على القصة القصيرة في نصها لذا تتكرر المفردات ويتكرر وصف نفس الاحساس ويضمحل الحدث الاهم في القصة ليصبح هامشيا وفي قصة «ورقة ادانة» يتجلى كل ذلك ولكن تظل في محتواها بشكل عام ذات نكهة خاصة واصطيادها لعبارات ذات صدى ك«الكتابة كالحجامة» و«محكوم الكذب» دائما ان يكون جميلا.. لقد كان هاجس الاخلاص هو المحرك الرئيسي لاحداث القصة النص بمجمله نموذج جيد للقصة القصيرة بالرغم من حاجته للتكثيف في بعض اجزائه. اما نص «مذكرات مجرم تائب» و«نبض الحقيقة» و«قصص قصيرة جدا» فهي قصص ينقصها الكثير من النضج وهي مختلفة تماما عن النص الذي عرجنا عليه اولا ومن الملاحظات التي يحرص القاص على تفاديها في الطرح الحديث هي الفعل الماضي.. وفي نصوص عديدة كانت البداية بفعل ك«كان» و«كانت» ولو شطب هذا الفعل لاصبحت النصوص التي بدأت بهذا الفعل اكثر جاذبية واكثر نضجا فهو فعل زائد في تلك النصوص ولا يضيف اي شيء بل على العكس. زياد لقد تسلمت عدداً من النصوص لزياد الذي اكتفى بهذا الاسم وحقيقة في البداية كنت اتساءل عن سر الاكتفاء باسم رمزي وهي حالة نادرة في عالم كتاب القصة ولكن بعد قراءتي لنص حبل الغسيل علمت السر الخطير الذي يقبع وراء ذلك وبسبب هذا السر والذي حقيقة هو مرض يعاني منه الكثير اعرض عن التعليق على نصوصه. نوف عبد الرحمن السحيمي دمعة من قلب الصحراء النص الوحيد الذي وقع بين يدي لنوف السحيمي وحقيقة بالرغم من ترهل النص في بعض اجزائه الا انه يمثل نصا جيدا للقصة القصيرة الواقعية.. وفيه معالجة لقضية تؤرق الكاتبة كثيرا، وتميز النص بدقة الوصف والاهتمام بالجزئيات وتوظيف المفردات بشكل جيد.. ولم يخل من لغة ساخرة ونظرة نقدية لكل ما حول الراوي الذي هو محور هذا النص فمن حنين السيارة التي تطل الرحمة الى المعقد الذي ينتظر كل صباح الى ساعة المنبه بجرسها المتبجح المعترض على نومها.. الى الطابور الغبي.. لغة مشبعة بالسخرية والاعتراض على واقع مزعج اسلوب رشيق وكلمات تتناسب مع الحالة هي ابرز سمات هذا النص وهو يبشر بقدرة جيدة وكاتبة قادرة على كتابة اكثر احترافية. عبد الرحمن القرني نص «المجنون» خارج دائرة الزمن في مدخله وهو متماسك البداية غارق بالافعال الماضية التي تكشف عفوية التعبير والكتابة وهذا ما يميز الكاتب المتمكن عن من سواه فهي مجرد سرد لاحداث بفعل ماض لا تكاد تخلو منه جملة في النص اذا استثنينا البداية الجيدة. بينما حبكة القصة وما يسمى بالعقدة جاءت بنسق جميل وتطور جيد في الحدث ولكن كثرة شخصيات النص يعد عيبا تقنيا اذا ما كان النص قصة قصيرة حيث ان زمن القصة القصيرة محدود جدا وكذلك شخصياتها.. رهام عبد الله العطني «الحرمان» نص يفيض تقليدية ويزدحم بالاحداث المتتابعة فمن النجاح الى السفر للقرية ثم الاصابة فالمرض ثم السفر للعلاج كل هذه الاحداث لا يمكن للقصة القصيرة ان تحويها فالقصة القصيرة تقتصر على حدث واحد على الاكثر تدور حوله وترتكز عليه القصة. الفكرة التي يناقشها النص جيدة وهي ذات هدف محدد يسعى لايجاد وعي اجتماعي بما يتعرض له الاطفال لغة النص جيدة ومعبرة عن الفكرة بشكل كاف وان كانت البداية بفعل ماضي هو «ركضت» يضعف كثيرا من قوة البداية ولا اعلم لماذا لم تقل الكاتبة «تركض» فهي لا تغير شيئا بالنسبة لسياق القصة بل تحولها برمتها الى المضارع وهو ما يرتقي بالنص ويتيح مساحة اكبر للتعبير. حامد عوض العنزي في «مجموعة السود» لحامد العنزي سرد اخباري يحتاج الكثير من العمل لاعادة صياغته بشكل يتلاءم وما يسمى بالقصة القصيرة فعبارات ك«في احدى الفترات سرت بانحاء الرياض إشاعة» و«كان الشباب يخوف بعضهم البعض» «فمثلا» عندما يجتمعون يتفقون انهم يتكلمون ثم مفردة «واضافوا» هي اخبارية لا تكاد تمت للقصة القصيرة بصلة وكذلك المباشرة في السرد وعدم حصر القصة في زمن محدود وحدث او فعل تتمحور عليه القصة والقصة القصيرة ليست مجرد ورقة او ورقتين تكتب عليها ما شاءت بل ان القاص مطالب بتكثيف النص والاكتفاء بأقل قدر من العبارات لوصف حالة وليس نقلها من حالة القصة القصيرة لحالة الحكاية التقليدية. شيرين الرفاعي كثير من الشفقة هذا النص يكاد يكون اكثر النصوص التي عرضناها هنا نضجا من حيث الحبكة القصصية واللغة وتكامل شكلها كقصة قصيرة.. ولكن ظل الفعل الماضي هو الفعل المسيطر وهي ملاحظة تكررت في كل النصوص التي تطرقنا لها ولا اجد مبررا لتلك الحالة التي تستدعي الفعل الماضي سوى انها حالة نفسية واجتماعية تجعل علاقتنا بالماضي كفعل كبيرة جدا لدرجة ان الكثير من الكتاب يجدون انفسهم منساقين دون شعور في التعبير بصيغة الماضي. محور القصة شخصية ليلى المصابة بالاعاقة الحركية في قدميها الذي عبرت عن حالتها الكاتبة بشكل جيد اما الشخصية الاخرى فهي عبد الرحمن الذي مثل لها الحبيب المنتظر ورغم وجود فجوة في التعامل مع الحالة النفسية لشخصيته حيث انسحب بلا مبالاة من قبل الكاتبة مكتفيا بتمنياته لها بالصحة وكان ينبغي ان تكون هذه اللحظة هي ذروة النص في التعبير لابراز امكانيات الكاتبة ولكنها قفزت من ذلك لتجعل هذه اللحظات مجرد زمن هامشي ولتذهب لمشهد آخر هو مشهد ليلى وهي تزحف باتجاه البحر وهذا اعطى انطباعاً للقارىء بأن تلك التي تزحف هي سلحفاة تريد ان تعود الى عالمها لان الكاتبة اخلت هذه اللحظات من العاطفة واكتفت بحركية الصورة اذا ما استثنينا عبارة «واخذت تزحف وتزحف تاركة رمال البحر مجروحة خلفها» التي اعطت لهذا المشهد بعضا من العاطفة التي افتقدها.. ولكني ما زلت اتساءل عن هذه الفجوة التي تجاهلتها الكاتبة بين قول عبد الرحمن: تعالي ردي لي الفرحة التي طالما فارقتني.. وقوله: اتمنى لك الصحة الدائمة. فاطمة السلامي النص «ترنيمة» من النصوص التي تكاملت فيها مواصفات القصة القصيرة فالحوار جاء فيها موظفا توظيفا مكملا وفاعلا لمحتوى النص واقتصار النص على شخصيتين جعل السيطرة سهلة على باقي ادوات القصة. فاطمة السلامي قد تكون نجما قادما في سماء القصة السعودية لوضوح النضج وفهم ماهية القصة القصيرة وعدم وجود خلط بين القصة القصيرة وغيرها من الفنون.. ومما يجب على الكاتبة تلافيه مستقبلا هو الفعل الماضي الذي يظهر من حين لآخر في ثنايا النص. عبد الرحمن الخريف في نصه «دموع الكتب» محاولة لا بأس بها.. فهي تبدأ بداية مهزوزة من خلال جمل مرتبكة حيث يقول الكاتب «ولكن ما هذا؟ اني ادوس على شيء.. كأنه كتاب! هل هو كتاب فعلا؟ اضأت النور فاذا به كتاب هذه العبارات الاستفهامية هي التي ستعطي انطباعا عن قدرات الكاتب الذي ما زال يتلمس شكل القصة القصيرة وهذه التجربة يجب ان تصقل بالقراءة في مجال القصة القصيرة كنصوص وكتب متخصصة في دراسة فن القصة القصيرة. ابراهيم شيخ مغفوري في نصه «خاطرة تعيده لاهله» بدا تقليديا جدا في سرده ولغته ولم يراعي الكاتب كثيرا من جوانب الشكل والمضمون للقصة القصيرة.. واللغة تحتاج كثيرا من اعادة النظر حيث تبدأ القصة وتنتهي خلال عشرين يوما وهي فترة زمنية لا تتناسب مع القصة القصيرة وكثرة الاحداث لم تعط انطباعا بأن ما نقرأه هو نص للقصة القصيرة بل على العكس هو ملخص لرواية يسرده الكاتب على عجل متجاهلا كثيرا من ادوات القصة القصيرة. مناور صالح الجهني «احزان.. الطفولة» هو اسم النص الاخير الذي نناقشه في هذه الاسطر وفيه يظهر جليا الخلط الكبير الذي يحدث لدى البعض بين قيم الرواية والقصة القصيرة فالتفاصيل التي تحملها الرواية هي حالة ترهل وتوسع لا تحتملها القصة القصيرة وفي بداية نصه يفصل الكاتب ويدخل في سرد روائي وكأنما يستعد لولوج رواية مقدما لها وهنا ينبغي ان ننبه للخلط الذي يحدث لدى الكثير من المبتدئين عند كتابتهم للقصة القصيرة.. ونص احزان الطفولة عبارة عن سرد لا يحمل كثيراً من الجهد وهذا هو الفرق بين الحكاواتي وكاتب القصة القصيرة الذي يهتم باللحظة ويسلط على الحدث الصغير الكثير من الضوء ليكشف خفايا اللحظة. [email protected]