كم هو رائع أن يفتش المجتمع بكل قنواته الإعلامية ومنابره الخطابية ومهرجاناته الثقافية عن كل نقطة ضوء يمكن أن تنير عقول الجيل وترتقي بفكره وتعيد تشكيل ثقافته الهشة التي أصابتها عوامل التعريه من قناة قضائية.. وإنترنت.. ومجلات فنية همّشت اهتمامات الجيل المعاصر وعزلته عن ثقافته الأصيلة.. تداعيات حرّكتها بداخلي أحرف كاتبنا القدير إدريس الدريس.. ها هو زمن الوجع يطل علينا حاملاً ثقافة القشور أو الانهزام والانخذال.. الجيل مصاب بالهوس والانغماس في فضاء الفن يزحف على رصيف الحب! وقنوات فضائية تنكأ جراحنا وهي تفتح ألف باب للهوى تحت مظلة الغرام.. عبر وجوه صفراء.. تنضح بالإغراء.. وجوه أثقلها المكياج وأتعبها الإخراج.. آه منكَ يا جميل.. يا عاشق بثينة.. فقصائدك الولهى تقف على استحياء عند باب كل قناة فضائية.. تحرق أوراقها الغزلية.. لم يعد للحب بقية! وأنت يا قيس.. يا ابن الملوّح.. ألجم صهيل أشواقك.. فآهاتك التي حرثتْ أرض الشعر قصرت عن الوصول إلى هامة الحب الآسن الذي نراه يمتطى في كل مسلسل يبيع مفردات الهوى ويعرض تباريح النوى.. أرهفي السمع.. يا قبيلة عذرة.. فلقد سرق منك «المخرجون» حكايات الغرام.. في سباقهم وراء الأفلام.. ولم تعد بثينة لوحدها.. فلقد امتلأت مرايا الزمن المكلوم بألف بثينة.. وألف جميل.. وبألف قتيل في ساحِ الحب ذليل.. آه منك.. أيها الفن المسقي بالذبول.. ملأت أذهان الجيل بأحلام الهوى.. سحرتَ عقولهم بصور الجميلات.. ومشاهد الهيام.. ومواقف العشق.. في حوار الانكسار.. شنّفت مسامعهم بأغانٍ فريدة تسافر في أعماقهم وتستحوذ على أفئدتهم.. تهزّ مشاعرهم الفتية.. وتغتال عواطفهم النديّة.. وتذرهم يلهثون فوق رصيف الحب يستجدون العابرين.. يستعطفون السائرين.. وقد سكن الخدر العاطفي عيونهم المرتعشة! آه.. من زمن الفتن.. دموع الرجال فيه رخيصة.. من أجل الهوى.. ومن أجل قصة حب نبيل وخدّ أسيل.. الحب لا يحتاج إلى دليل!! أبشروا.. معشر القوم.. كثر المطربون في الأمة.. وتدفّقت أنهار الأفلام.. رقصت ريشة الأحلام.. وبحّت حنجرة الإعلام وهي تقول: أبشروا.. فالحب في أمتي بخير.. فقد نطقت أفواه ممثلي الغفلة: الحب يصنع المعجزات.. عجبي.. من هاتيك البشرى.. أمتي التي كانت أبية.. لم تزل بالحب غنية.. ولن تكون بالحب شقية.. آه.. يا إدريس.. أثرتَ دموعنا الخرساء.. حرّكت أحاسيسنا البلهاء.. عفواً.. أيها الكاتب الكريم.. شخّصت الداء.. بمقالتك العصماء.. حول قنوات الفضاء.. ارفق بنا أيها الكاتب المبجّل.. عذراً.. أخي.. فما عادت مطايانا تحملنا إلى التراث الأصيل.. ولا الأدب النبيل.. جنحتْ بنا ركائبنا.. أنخناها عند باب اللهو والهزل.. بحثنا عن أشعار الغزل.. وعن مناظر يضحّ منها الخجل.. عفواً أخي.. دعنا نلملم بقايا مشاعرنا.. وبوح ضمائرنا.. لأن القوم قد سئموا صهيل النصح.. وما نهضوا.. ولم يبق إلا تلك الأوراق الحبلى بالاحتراق..