في زمن الاسترخاء الفضائي الذي هيمن على مدار المعرفة واستبد بملامح الثقافة ذابت هوية القصيدة العربية الفصيحة وخبتْ جذوتها التي طالما أشعلتْ قناديل القدوم.. عذراً ان حملت حقيبة الشجن.. واسقيت أحرفي مشاعر الوجع.. محاولاً ان ازيل غبار الدمع من أهداف القصيدة الفصحى التي أضحت حبيسة الانزواء.. أسيرة الانطواء تئن تحت وطأة العزوف.. تضج من هذا الضيم الذي يكاد يغتال ملامحها العربية الأصيلة.. ويلقي بها في غياهب النسيان.. آه منك يا زمن. حينما تزهد الأذواق تحت سقف الاحتراف.. اعذريني يا ابنة الخليل حينما أفارس قراءة خجلى في فضائك العابق بنكهة الشعر وشذا القافية.. وامنحيني شيئاً من ملامح البوح.. وفاءً في زمن العقوق.. يا ذات الدواوين.. والحزن الدفين.. عفواً إن نكأت جراحك المسترخية.. وأثرت دموعك الخرساء.. فأنا لم أزل أقرأ مفردات الشكوى في جبين صمتك.. اتهجّى رسوم خيالك المسافر في ذاكرة الزمن.. ومضيت أفتش لك عن موقع في الخريطة المكتظة بدوائر الثقافة المترهلة.. أبحث لك عن حضور.. وآفاق ظهور.. فأعود حاملا خفي حنين.. أتأبط خيوطا من الهواجس المواجمة.. فليس ثمة بوح يواكب شجن الموقف.. آه منك ايتها القصيدة الفصيحة وانتِ تبحثين عن صهيل مشرف وعن حناجر تشتعل بوميض القافية وببريق الشعر الأصيل الذي يعبّر عن هموم الأمة ويصور آلامها.. يحكي لغة آمالها.. ولا غرو فقد كان الشعر ديوان الأمة وسجّل تاريخها وحاوي ماضيها المشرق.. ترى ما الذي جعل الشعر بضاعة زهيدة في زمننا هذا.. ما الذي أحاله إلى قطعة من سواد.. وأراق المداد.. في عصر مترهل نحن أحوج فيه إلى بوح شعري نبيل يعيد تشكيل ذواتنا التي خدّرها صخب العصر ويعمق احساسنا بقضايا الأمة.. ترى هل تعطلت أذواقنا واختلت معايير وجداننا.. وذابت ملامح انتمائنا الأدبي.. فوق صفيح فضائي ساخن.. جعل الثقافة الفضائية تسحب البساط من تحت أقدام الشعر الفصيح.. أم ان تيار الشعر الشعبي في مداراته المختلفة سرق دوائر الاهتمام.. واستبد بنزعاتهم الشعرية؟ ولم أزل ألوك أسئلة الصمت: هل أصبحت مطالب الحياة ومسؤولياتها لا تنسجم مع طقوس الشعر الذي يحتاج إلى جو خاص.. لا يتواكب مع اتجاهات العصر المثخن برسوم الضجيج..؟ لماذا غدا الشعر وجبة معلبة غير مرغوبة في أطباق المجتمع.. الذي يمارس هجرا موجعا وعزوفا حادا عن أمسيات الشعر الفصيح.. وكأنه موضة قديمة وعادة مستهلكة لا تتفق مع «الفكر المتحضّر»! ايهِ يا ابنة الخليل.. ايتها القصيدة المتوغلة في أعماقي.. المسافرة في فضاء شجني.. هل تنصتين لأصداء بوحي.. وترقبين دوائر ذاتي.. وتجيبين عن همسي.. فالقوم قد زهدوا في الشعر.. سئموا الوزن والقافية.. أدبروا عن كل قصيدة آتية.. عذراً قصيدتي العربية سأبحث عنكِ في المرايا.. افتش الزوايا.. أسائلكم يا قومي.. وأسألكم أيها القراء لماذا قسونا على القافية.. وعزلنا الشعر عن مطايانا.. فإن قالوا: هناك أمسية شعر.. تثاقلنا وألجمنا ضمائرنا.. أغلقنا دوائرنا.. لتغدو مواكب الشعر تدور.. في قاعة بدون جمهور.. آه يا هاتيك الجسور.. التي حملت تصفيقاً ملتهباً لروائع المتنبي.. وإبداع أبي تمام.. ولم تزل دواوين الشعر الفصيح تئن تحت وطأة النسيان.. ومضيت استحث الخطى.. أحاوركم يا قومي.. رجالاً ونساء.. لماذا غاب الشعر عن موائدكم.. وانزوى عن ملامحكم.. اجيبوني يا قراء «عزيزتي الجزيرة» هل تساؤلاتي جديرة؟ محمد بن عبدالعزيز الموسى بريدة