التاريخ يقول ان شارون منذ عشرين عاما أرسل قواته إلى لبنان تماما كما أرسلها الآن إلى الضفة الغربية لمحاربة الإرهاب على حد زعمه، وفي الحالتين كانت النتائج سلبية بالنسبة لشارون. فقبل عشرين عاما حاول شارون إعادة ترتيب الجغرافية السياسية للمنطقة من خلال غزو لبنان، ولكن النتيجة كانت كارثة بالنسبة لإسرائيل وفلسطين ولبنانوالولاياتالمتحدة ولعملية السلام ككل، ويجب ألا ينسى الجميع درس هذه التجربة سواء وسطاء السلام أم أطراف الصراع في الضفة الغربية حاليا. فالظروف في المغامرتين العسكريتين متشابهة بصورة كبيرة بل إن نفس الكلمات والاسباب التي جعلت أمريكا مقتنعة تماما بأسباب الإسرائيليين للهجوم على لبنانوالضفة الغربية هي نفس الأسباب وهي اقتلاع جذور الإرهاب، كما أن ردالفعل العالمي الغاضب جاء متشابها، وهو ما دفع صحيفة إسرائيلية وفي محاولة منها للتعبير عن تشابه الموقفين إلى نشر عنوان يقول «شارون وعرفات: الجولة الثانية». عرفات الآن كما كان الحال في لبنان، محاصر بقوات شارون رئيس وزراء إسرائيل حاليا، ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية تبدو وكأنها تعرضت لزلزال مدمر نتيجة الهجوم الإسرائيلي، ومرة أخرى تبدو الولاياتالمتحدة بدون تأثير مع إسرائيل وبصورة غامضة وكما قال أحد الكتاب الإسرائيليين: «يجب على الناس أن تتذكر أن التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كانت مأساة والمرة الثانية ستكون مأساة فائقة». في إبريل عام 1982 كان عرفات يعيش في مقره ببيروت في لبنان حيث كان انطلاقا من هذه الدولة يقوم بمهاجمة القوات الإسرائيلية في الجولان المحتلة وشمال إسرائيل، وكان شارون في ذلك الوقت وزيرا للدفاع في إسرائيل، واراد طرد منظمة التحرير الفلسطينية التي يقودها عرفات من لبنان وطلب من وزير الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت ألكسندر هيج ضوءاً اخضر للقيام بغزو لبنان، ولم يقل هيج نعم ولكن الأكثر أهمية أنه لم يقل له لا. فقد قال فيليب حبيب المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط في ذلك الوقت لشارون:«اننا في القرن العشرين ولا يمكن غزو دولة بمثل هذه الطريقة». لكن فيليب حبيب كان مثل انطوني زيني الذي يقوم بنفس الدور نيابة عن حكومة بوش حاليا لم يكن حظه جيدا مع شارون. و بعد أقل من شهرين وفي السادس من يونيو عام 1982 اقتحمت القوات الإسرائيلية الحدود اللبنانية على ظهر الدبابات وكان مساعدو شارون يعتقدون أنه يمكنهم تطهير لبنان مما يسمونه إرهابا في خلال أسبوع وبخسائر لن تزيد عن 100 جندي، فقد كانت عملية سلامة الجليل محددة وتهدف إلى إقامة منطقة عازلة بعمق 25 ميلا في جنوبلبنان. وبأوامر من رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت مناحم بيجين كان يجب التوقف بعيدا عن بيروت، ولكن بعد خمسة أسابيع من العمليات انطلق وزير دفاعه شارون إلى ضاحية بعبدا في بيروت في سيارة مدرعة بدعوى اعتقال عرفات ومحاكمته، يقول نيقولاس فيلوتس مساعد وزير الخارجية الأمريكية وسفير أمريكا في مصر خلال حكم ريجان: «ان شارون ضل طريقه إلى بيروت، فقد كان الهدف المعلن لغزو لبنان هو إقامة نطاق أمن في جنوبلبنان ولكنه قرر حل المشكلة الفلسطينية بالقوة العسكرية أي تصفيتهم». وفي لبنان كما حدث في الضفة الغربية قامت القوات الإسرائيلية بتمزيق وثائق الفلسطينيين وكشوف المرتبات وملفات المدارس والمؤسسات العلمية، كما تم تدميرالبنية التحتية وأجهزة الكمبيوتر وقتل الأبرياء وتم تفجير المنازل وتجريفها ومحاصرة مخيمات اللاجئين وأجمع الخبراء بعد ذلك أن شارون في الوقت الذي قال فيه انه يسعى لتدمير الروح الفلسطينية فإنه أنعش الإرهاب. تقول جوديت كيبر خبيرة شئون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية ومركزالدراسات الاستراتيجية والدولية ان بوش يبدو أنه لا يفهم حقيقة الشخص الذي يتعامل معه اليوم أي شارون، فشارون قائد مدرعات يتصرف دائما على هذا الأساس. فلم يكن أحد سيدينه لو أنه أرسل عناصر من القوات الخاصة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة لمطاردة من يعتبرهم إرهابيين ولكن الغزو الشامل بالصورة التي حدثت في الضفة الغربية يضر بمصالح إسرائيل وكذلك أمريكا على المدى الطويل، المسئولون الإسرائيليون يرفضون المقارنة بين لبنان وفلسطين ويقولون ان العمليات الاستشهادية الأن تستهدف قلب إسرائيل وليس أهدافا إسرائيلية في دول أخرى. والواقع، فإنه في الوقت الذي كان فيه الكثير من الإسرائيليين يعارضون غزولبنان فإن استطلاعات الرأي حاليا تشير إلى أن 75% من الإسرائيليين يؤيدون الهجوم على الضفة الغربية. لقد حاصرت إسرائيل بيروت لمدة 70 يوما واحتلت الجنوباللبناني لمدة 18 عاما، واسفرت الحرب عن مقتل الآلاف أكثر من نصفهم من المدنيين ودمرت صورة إسرائيل كدولة يمكن أن تتعايش مع العرب، وقد أسفرت عن إخراج عرفات ورجاله إلى دول عربية أخرى، ولكن الحرب أدت إلى أن ينظر العرب إلى أمريكا كعدو مشترك مع إسرائيل وبخاصة لأن العملية تمت بشكل كبير أثناء الوقت الذي كان ريجان يتصل فيه برئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت مناحم بيجين للشكوى من التدمير وسفك الدماء بدون داع. وقد صرح ياسر عرفات بعد أزمة حصار بيروت لأحد الصحفيين الأمريكيين بأن هذه الحرب علمت الفلسطينيين أن عدوهم الحقيقي هو الولاياتالمتحدة والتي يجب محاربتها ليس لأن القنابل التي تقتلهم صناعة أمريكية ولكن لأنها تغمض عينيهاعما يحدث. بعض كبار مستشاري الرئيس ريجان دعوا إلى التحدث مع القادة العرب بلهجة حادة وإعلان إسرائيل كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في صراعها مع الاتحاد السوفيتي ومن بين هؤلاء المستشارين نائب وزير الدفاع الأمريكي الحالي بول ولفيتز. من ناحيته تردد الرئيس جورج بوش في التدخل في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ولكن عندما تدخل واجه انتقادات حادة باعتبار تدخله جاء لأن العمليات الاستشهادية الفلسطينية تعتبر من وجهة نظره إرهابا وبالتالي هدفا من أهداف حربه ضد الإرهاب وكذلك بسبب حاجته لمساعدة الدول العربية المعتدلة في أي عمل عسكري أمريكي ضد العراق، ومن بين كبار مستشاري بوش حاليا ولفتيز ورودمان وبيرل وهم نفس مستشاري ريجان الموالين لإسرائيل قبل عشرين عاما. والمفارقة أنه في الوقت الذي جاب فيه عرفات العالم كرئيس دولة بعد إخراجه من لبنان فإن شارون دفع مستقبله المهني كسياسي في إسرائيل بعد مذابح صبرا وشاتيلا، ففي آخر أيام حصار بيروت ذبحت المليشيات الموالية لإسرائيل أكثرمن 700 فلسطيني في المخيمين تحت سمع وبصر القوات الإسرائيلية بل ومساعدتها أيضا، وهو الأمر الذي دفع إحدى المحاكم الإسرائيلية إلى تحميل شارون مسئولية غير مباشرة عما حدث في صبرا وشاتيلا واضطر للاستقالة ولكن يبدو أن عرفات أراد إنقاذ ما تبقى من المستقبل السياسي لشارون دون قصد عندما رفض التوصل إلى اتفاق نهائي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود باراك فانفجر العنف مرة أخرى ليختار الإسرائيليون أرييل شارون الذي يدعو إلى ترحيل كل الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن. الخلاصة أن شارون ربما يكون قد نجح في هزيمة عرفات في الضفة الغربية كما هزمه في لبنان قبل عشرين عاما ولكن قليل جدا من الإسرائيليين هم الذين يعتقدون أن شارون استطاع هزيمة ما يعتبرونه إرهابا والسؤال الذي يلح على الكثير من الإسرائيليين عندما يرون ما يحدث في الضفة الغربية حاليا ويتذكرون لبنان هو «كيف يمكن منع التاريخ من تكرار نفسه؟».