منذ أن ختم الله تعالى الأديان كلها بالإسلام والكتب السماوية كلها بالقرآن الكريم، وهذا الكتاب المنزل هو محط اهتمام المسلمين وغير المسلمين بالتفسير والتحليل والسعي إلى فهمه وتمثله من المسلمين والوقوف على أسرار تأثيره في النفوس من غير المسلمين. والتركيز هنا مخصص لمحاولات فهم القرآن الكريم من أولئك الذين لا ينتمون إليه، ولا يتحدثون لغته العربية، مما أدى إلى قيام محاولات لترجمة معانيه إلى لغاتهم تعود إلى سنة 1141م حينما بدأ بطرس الكوني هذا الجهد، الذي تلاه مباشرة محاولة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية، وقام بها جمع من رهبان ريتينا، وقيل إن هذه الترجمة قد أحرقت. ثم يأتي جورج سيل ويترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية الذي أثنى على القرآن الكريم، لكنه نفى أن يكون وحيا من عند الله، بل أكد على أنه من صنع محمد صلى الله عليه وسلم، وجاءت ترجمات معاني القرآن الكريم التالية له في معظمها دالة عليه متأثرة به. وعلى أي حال فالبحث في تاريخ الترجمات التي قام بها الرهبان ثم الرهبان المستشرقون، ثم المستشرقون بحث شائق، وليس هذا مجال التوسع فيه، إلا أنه غلب على ترجمات معاني القرآن الكريم من قِبَل غير أهله أنها ترجمات اتسمت بالنظرة السلبية تجاه الوحي، وتجاه من نزل عليه الوحي عليه الصلاة والسلام هذه النظرة التي قال عنها واحد منهم وهو «روم لاندو» «إننا لم نعرف إلى وقت قريب ترجمة جيدة استطاعت أن تتلقف من روح الوحي، والواقع أن كثيراً من المترجمين الأوائل لم يعجزوا عن الاحتفاظ بجمال الأصل، فحسب، بل كانوا إلى ذلك مفعمين بالحقد على الإسلام، إلى درجة جعلت ترجماتهم تنوء بالتحامل، ولكن حتى أفضل ترجمة ممكنة «لمعاني» القرآن في شكل مكتوب لا تستطيع أن تحتفظ بإيقاع السور الموسيقي الآسر على الوجه الذي يرتلها به المسلم ولا يستطيع الغربي أن يدرك شيئا من روعة كلمات القرآن وقوتها إلا عندما يسمع «آيات» منه مرتلة بلغته الأصلية من كتاب الإسلام والغرب ترجمة منير البعلبكي بيروت دار العلم للملايين، 1962م. ص 37. نقلا عن مصطفى نصر المسلاتي، الاستشراق السياسي في النصف الأول من القرن العشرين طرابلس: إقرأ، 1986م 57 58. وهذا يؤكد أهمية قيام المسلمين أنفسهم بمهمة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات العالم، كما قام به بعض أبناء هذه الأمة مؤخراً، وكما يقوم به مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ولله الحمد والمنة، حيث بلغت ترجمات معاني القرآن الكريم إلى أكثر من أربعين لغة وهذا جهد يذكر ويشكر. والأصل أن تكون هناك ترجمة للمعاني واحدة بكل لغة، قصدا إلى الحيلولة دون الاختلاف في المعنى باختلاف في اللفظ، وهذا يأتي في ضوء وجود أكثر من مئة وعشرين ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى لغات العالم، بعضها مكرر في لغة واحدة، قام بها عدد من المستشرقين، وبعض المسلمين كالإنجليزية ثم تتركز الترجمة في اللغة الواحدة بترجمة واحدة بفضل من الله تعالى الذي تكفل بحفظ هذا الذكر العظيم: {إنَّا نّحًنٍ نّزَّلًنّا پذٌَكًرّ $ّإنَّا لّهٍ لّحّافٌظٍونّ} [الحجر: 9] ثم إلى هذه الحكومة المباركة بإذن الله تعالى التي يعد هذا المجمع من مآثرها المحمودة المأجورة، وذلك باهتمام مباشر من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رعاه الله وبمتابعة مباشرة من معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وزميلي الأستاذ الدكتور محمد سالم بن شديد العوفي الذي أكرمه الله تعالى بأن يكون أمينا عاماً للمجمع، فكان دأبه وفقه الله على تنويع إصدارات المجمع من المسموع والمطبوع بالقراءات المشهورة، ثم العناية بترجمة معانيه عناية لغوية دقيقة تسعى إلى إكمال ما يمكن إكماله ولنا أن نتصور الآثار التي يجنيها المسلمون وغير المسلمين من هذه الجهود المباركة المخلصة بإذن الله تعالى في إخراج هذه الترجمات الأصيلة البعيدة عن اللمز الذي اتسمت به ترجمات معاني القرآن الكريم التي قام بها المستشرقون ثم لنا أن نتصور ما سيناله المعتنون بكتاب الله تعالى من الأجر والمثوبة في الدنيا والآخرة كلما اتسع نطاق الإفادة والاستفادة من كتاب الله تعالى الذي {لا يّأًتٌيهٌ پًبّاطٌلٍ مٌنً بّيًنٌ يّدّيًهٌ وّلا مٌنً خّلًفٌهٌ تّنزٌيلِ مٌَنً حّكٌيمُ حّمٌيدُ } [فصلت: 42] . وفي وقفة تقويمية لمسار ترجمة معاني القرآن الكريم يعقد المجمع ندوة بعنوان «ترجمة معاني القرآن الكريم تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل» في المدة بين 10 12/2/1423ه تهدف إلى الاطلاع على ما يبذل من جهود في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم في مختلف أنحاء العالم والبحث عن وسائل لتطوير ترجمة معاني القرآن الكريم وتحسينها والرقي بها إلى الأفضل بالإضافة إلى أهداف أخرى بما في ذلك عناية المملكة العربية السعودية بهذا الأمر من خلال جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. وقد جاءت هذه الوقفة لتأييد هذا التوجه في تنظيم الندوات التقويمية للأعمال الجليلة النافعة مثل هذه الأعمال التي يقوم بها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، وحيث تخطت العناية بالطباعة بمفهومها الفني، فلعل المجمع يمد اهتماماته كما هي الآن ممتدة ولله الحمد فيتحول الاسم إلى مجمع الملك فهد للعناية بالمصحف الشريف، لتشمل العناية الطباعة والتسجيل والترجمة والدراسات والبحوث والندوات والمؤتمرات وغير ذلك مما يدخل في مفهوم العناية بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأعان الله المعتنين بكتاب الله تعالى المتمثلين إياه في حياتهم الخاصة والعامة وكان الله في عون الجميع. * وزير العمل والشؤون الاجتماعية