للشاعر صالح الحربي تجربة طويلة مع الشعر.. فمنذ بداياته الأولى والشاعر الحربي يحاول تجسيد لغة الموقف الواضح من الأشياء.. تلك التي لا توائم بين حدث وآخر إلا انها تظل متفردة في خروجها نحو القارئ.. الديوان الجديد للشاعر الحربي جاء عنوانه «أرى نسوة يسقين الجثث» فجائعياً لا يتحدث عن الموت بوصفه حالة مألوفة ومعتادة للإنسان والحياة إنما صور «حالة الموت» في جل قصائد الديوان على هيئة مشاهد يقينية تنبثق من قلق وفاجعة تعيد حتى الموتى الى الحياة على هيئة كوابيس مقلقة في القصائد.. «أرى نسوة حفاة يتجهن نحو القبور .. ينبشن قبري» ففي هذه المقاطع الشعرية يحاول الشاعر الحربي ان يعيد الموت من جديد.. ليرسم فيه ومن خلال هذا الفضاء القاتم.. لينجح في تشكيل إضمامة زاخرة من المفردات التي تشكل فضاء المأساة، والفاجعة.. لتأتي الجملة الشعرية مختطة لفاعلية الفزع.. ذلك الذي لا يمكن ان يولد الاجمالية واحدة تتلخص في صياغة وجه الحزن ولا غيره.. لينسج ومن خلال هذا التشكل الدامي حالة عامة.. قد تكون فضاءً إنسانياً خالصاً تتوارد فيه الخواطر، وتتقاطع فيه التجارب وتتحد فيه المشاعر ليظل المرادف اللفظي «لجمالية الحزن» هو ما يثير في الشاعر كوامنه اينما ذهب في البلاد والعواصم التي طاف بها.. ليخرج وجه المرأة ساخراً حزيناً، مؤذياً يحمل اشد معاني اللوعة. وفي هذه الرحلة المضنية والشاقة للبحث عن الذات تتقاطع تجربة الشاعر الحربي مع الغربة راسمة هذا الفضاء الحزين: «في غربة الليل تنهش الجنادب أوردة القلب تنفجر أوعية الدم.. يغيب القمر..» «الديوان ص 55» ويعتمد الشاعر في كتابة نصوصه على الومضة الشعرية المقتضبة جداً.. تلك التي تكرس رغبة الشاعر في التقشف والتخفف على القارئ من اجل ان يقبل على القصيدة ليأخذ المعنى من أقصر السبل لينجح «الحربي» في ايصال خطابه الى المتلقي من خلال هذه البرقيات الشعرية المكثفة والمختصرة دون إخلال. وما يلاحظ على ديوان الشاعر الحربي هو الإكثار من الاهداءات وتضمين المقطوعات الخارجة عن نصوص المجموعة.. فليته قدم الاهداء في اول صفحة من الديوان او آخره ليتسنى للقارئ لقاء النص الشعري دون تدخل من الشاعر ولعل أبرز تلك المداخلات هي تواجد المرأة بشكل فاضح يسجل كل مواقفها، ومشاهدها بوصف إلماحي لم يصرح به الشاعر.. لكنه طرق لمفردة المرأة التي تقارب دائماً بين القصيدة والأنثى على خطو بعض الشعراء، وعدو بعض الرجال حينما يدميهم حوافر الشعر بحثاً عن ألق الحياة. إلا ان الشاعر يخرج من بين ركامات الأنثى شعراء ثلاثة.. محمد بنيس ، حسن نجمي، محمد الأشعري.. ليهدي الأول ومض القصيدة الآتية من همه اللاعج: «طاولة المقهى التي احتضنت نظارته الطبية، وقلمه الحبر أصبحت.. حبلى بقصائد مترجمة..» «الديوان ص 41» وليقدم للشاعرين الآخرين نفحة الود.. وهياج عاطفة اللقاء، وحميمية الصداقة.. لتأتي القصيدة الأخرى محملة بوهج الاهداء الى الشاعرة فوزية ابو خالد وهي على هيئة رسائل الى الأنثى بوصفها كائناً يتقاطع دائماً مع القصيدة في حضور مبهم. جاءت كلمة الأديبة سارة الخثلان على الغلاف الأخير للديوان شهادة في حق الشاعر الذي يمسك بالقلم والريشة فإضافة الى كونه شاعراً فهو فنان تشكيلي لتورد «الخثلان» رؤيتها الخاصة والتي تتلخص بتداخل معطيات المشهد الفني بالمشهد الشعري لدى الشاعر صالح الحربي. يقع ديوان «أرى نسوة..» في نحو «134 صفحة» من القطع العادي اشتمل على العديد من القصائد التي سبقت بعدد من المقاطع الشعرية وجاءت لوحة غلاف الديوان لوحة للفنانة السعودية رضية برقاوي، ويعد هذا الديوان هو التجربة الثانية للشاعر بعد ديوانه «أسماء وحرقة الأسئلة».. وللشاعر تجربة في مجال الفن التشكيلي والمقالات والمشاركات المنبرية في العديد من المناطق. إشارة: * أرى نسوة يسقين الجثث «شعر» * صالح الحربي * دار الكنوز الأدبية بيروتلبنان * الطبعة الأولى 2001م