ميز إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي المعروف باتفاق أوسلو الذي وقع في واشنطن في 13/9/1993م بين حالتين من حالات المشردين الفلسطينيين: حالة المرحلين أو النازحين وحالة اللاجئين. وقد عني بالأولى في حين أحال الحالة الثانية إلى مفاوضات الوضع النهائي. فقد ورد في المادة الثانية عشرة فقرة واحدة تتحدث عن عودة نازحي سنة 1967م، وكانت صيغتها غامضة للغاية، وهي تقول: «سيقوم الطرفان بدعوة حكومتي الأردن ومصر للمشاركة في المزيد من ترتيبات الارتباط والتعاون بين حكومة إسرائيل والممثلين الفلسطينيين من جهة وحكومتي الأردن ومصر من جهة أخرى للنهوض بالتعاون بينهم، وستتضمن هذه الترتيبات إنشاء لجنة مستمرة ستقرر بالاتفاق أشكال الدخول «modalities of admission» للأشخاص المرحلين من الضفة الغربية وقطاع غزة في 1967م، مع الإجراءات الضرورية لمنع الفوضى والإخلال بالنظام..». ووردت في اتفاق القاهرة التنفيذي «4 أيار/مايو 1994م»، الذي يرسم تفصيلات تطبيق اتفاق أوسلو، فقرة واحدة بشأن الموضوع نفسه تقول: «تقرر لجنة المتابعة «الرباعية» بالاتفاق إجراءات قبول الأشخاص المهجرين من الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك مع اتخاذ التدابير الضرورية لمنع الإخلال بالأمن وشيوع الفوضى». وعلى أساس هذه البنود، اجتمعت لجنة المتابعة الرباعية ست مرات حتى الآن للبحث في عودة النازحين. وقد عقد الاجتماع الأول في عمّان في 7 آذار/مارس 1995م، وقدمت الوفود العربية الثلاثة ورقة عمل بهذا الشأن أعدت بإشراف لجنة فنية تضم خبراء من الدول الثلاث، ودعت الأطراف العربية إلى إيجاد آلية، وتحديد جدول زمني لعودة النازحين بحسب قرار مجلس الأمن 237 لسنة 1967م، وقدم رئيس وفد الأردن «وزير الخارجية عبدالوهاب الكبريتي» اقتراحاً لعودة النازحين وفق المعايير التالية: أولا: إن لكل مواطن الحق في العودة إلى وطنه الذي خرج منه، بموجب مبادئ القانون الدلي. ثانياً: ضمان أولوية حق العودة للنازحين الفلسطينيين، والمبعدين ممن لا يتمتعون بالجنسية الأردنية، أو الذين يحملون جوازات سفر مؤقتة بجميع فئاتهم. ثالثاً: إن أي حل متدرج ينبغي أن يشمل جميع اللاجئين من دون استثناء، وأن تحدد أولويات للعودة إلى الضفة وغزة كما يلي: 1 جمع شمل العائلات. 2 عودة حملة التصاريح الإسرائيلية المنتهية «من 55 ألفاً إلى 90 ألفاً». 3 عودة المبعدين «1300 مبعد». 4 عودة من غادروا الضفة وغزة عبر المطارات والموانئ الإسرائيلية بوثائق سفر إسرائيلية، وفقدوا حق العودة إلى مكان إقامتهم الأصلي. 5 العائدون من الخليج بعد حرب سنة 1967م، ولم يتمكنوا من العودة إثر حرب الخليج، فبقوا في الأردن. وطرح رئيس الوفد المصري «وزير الخارجية عمرو موسى» في الاجتماع أن حق العودة ليس مسألة مطروحة للتفاوض، بل هو ثابت وأصيل، مدعم بمبادئ القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة، وطالب بإجراءات عملية سريعة. وردّ رئيس الوفد الإسرائيلي، وزير الخارجية آنذاك شمعون بيريز، عارضاً وجهة النظر الإسرائيلية، فدعا إلى الواقعية، وضرورة إيجاد حلول قابلة للتنفيذ، معتبراً أن مشكلة النازحين مشكلة إنسانية تتحمل مسؤوليتها الدول المعنية، إلى جانب إسرائيل، وأشار إلى أن الاتفاقات التي أبرمتها إسرائيل تنص على ضمان إيجاد حل دون الإخلال بالأمن والنظام، وأيد مبدأ تأليف لجنة متابعة لدراسة جميع الجوانب الفنية لمشكلة النازحين، مشيرا إلى أن إسرائيل لا تعترف بالعدد الذي يعتمده الجانب العربي «نحو 850 ألفاً، إضافة إلى المبعدين»، وقال أن من واجبات اللجنة التي يقترحها: تحديد عدد النازحين الذين يرغبون في العودة. تحديد عدد النازحين الذين قرروا البقاء في الدول التي يقيمون فيها. التوصل إلى «إجماع» على الطريقة الفضلى لحل مشكلتهم «رافضاً بذلك قرارات الشرعية الدولية». واقترح بيريز دعوة هيئة دولية تتولى إحصاء النازحين، ووضع برنامج لعودتهم بمعدل 4 آلاف 5 الاف شخص سنوياً. وأضاف يقول: إنه لن يسمح بالدخول للمناطق «الضفة والقطاع» لمن لا ترغب فيه إسرائيل..!! وانتهى الاجتماع الأول للجنة الرباعية بالاتفاق فقط على تأليف لجنة دائمة ذات طبيعة فنية لا سياسية، مهمتها تحديد عدد النازحين، وأماكن إقامتهم، وتطلعاتهم. وأعرب المندوب الفلسطيني الدكتور نبيل شعث عن خيبة أمله لعدم اتخاذ أي إجراء ملموس يتناول عودة النازحين. واقترح الجانب المصري في ما يتعلق بتعريف النازح اتخاذ قاعدة البعد الجغرافي لا قاعدة تاريخ مغادرة الأراضي المحتلة، شرط أن ينسحب هذا التعريف على النازح وزوجته ونسله «أطفاله وأحفاده» إن وجدوا، على أن تحدد للعودة مدة 3 أعوام 5 أعوام، وتتحمل إسرائيل خلالها المسؤولية القانونية والمالية «التعويضات»، والمساهمة في تكلفة عمليات الاستيعاب داخل وطنهم. وانفض الاجتماع من دون اتفاق. أما الاجتماع الثالث للجنة فعقد في عمّان في 13 أيلول/سبتمبر 1995م، واقتصرت وقائعه على تبادل الاقتراحات من جديد، واستمرار الاختلاف بشأن تعريف من هو النازح. وكان من المفترض عقد الاجتماع الرابع للجنة الفنية في إسرائيل في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 1995م، لكن ذلك لم يتم بسبب اغتيال اسحاق رابين. وعُقد الاجتماع الخامس للجنة في حيفا في 3 كانون الثاني/ يناير 1996م، واستر الجدل فيه بشأن تعريف كلمة «نازحون»، ولقي هذا الاجتماع تجاهلا شبه كامل من الصحافة العربية، ويبدو أنه انفض من دون أية نتائج. وعُقد الاجتماع السادس في القاهرة في 12 شباط/فبراير 1996م، وحدث فيه تغير في الشكل من دون المضمون، اذ اقترح الوفد المصري آلية جديدة للتفاوض بعد فشل الجولات الأربع السابقة التي تركزت حول تعريف «من هو النازح»، وتقضي الآلية الجديدة بمناقشة الحجج التي يطرحها كل من الطرفين العربي والإسرائيلي بشأن جميع البنود المطروحة في جدول الأعمال، بدلا من التفاوض في شأن كل بند على حدة، وعدم الانتقال إلى أي بند آخر من دون بت البند الأول والاتفاق عليه، والبنود المقصودة أربعة هي: تعريف من هو النازح، تحديد أرقام النازحين وفق أسس مرجعية يتفق الطرفان عليها، آلية العودة وترتيباتها، الجدول الزمني لعودة النازحين، وتم بموجب هذا الاقتراح التوجه نحو تداول الآراء بشأن قضيتي تحديد من هو النازح والجدول الزمني للعودة. وأسفر هذا الاقتراح المصري الجديد عن تأليف لجنة فرعية «جديدة» لحصر أعداد النازحين من خلال البحث في مصادر البيانات المتاحة، ومنها: بيانات الدول العربية المضيفة للاجئين، وبيانات الأونروا، وبيانات الصليب الأحمر، والتقدير الإسرائيلي لعدد النازحين. ومن اللافت للنظر هنا أن الصحافيين المصريين الذين نقلوا أنباء الاجتماع السادس عن المصادر الرسمية المصرية أوردوا نقداً صريحاً لما ورد في اتفاق أوسلو بشأن موضوع النازحين، فقالوا: «تستند إسرائيل في تعريفها للنازح، وفي تقدير الأعداد، على اتفاق أوسلو، الذي تحدث عن عودة الذين «تشردوا» بعد حرب العام 1967م شرط «عدم الإخلال بالأمن»، وهو سند يشكل عقبة أمام المفاوض العربي لأنه يعتمد تعريفاً قاصراً وجزئياً للنازح، وأعطى الإسرائيليين ميزة التحقق من الملف الأمني للعائد، وتحاول الأطراف العربية تجاوز صيغة الاتفاق الجزئية بطرح القرارات الدولية في هذا الشأن كأسس مرجعية نصت على حق العودة دون قيد أو شرط». وهكذا، يكون قد مضى على اتفاق أوسلو أكثر من ثماني سنوات، ولا يزال البحث في عودة النازحين «المتفق عليه رسمياً» يراوح عند نقطة تعريف من هو النازح، والاختلاف بشأن العدد، واستنكار الطلب العربي بأن يشمل العدد الأبناء والأحفاد، مع إصرار إسرائيل على قاعدة الإجماع، وتجاهل قرارات الشرعية الدولية، وحتى لوتم الاتفاق كاملاً على جميع نقاط الاختلاف،وبحسب الرقم الإسرائيلي لعدد النازحين، فإن عودتهم ستستغرق أربعين عاماً، ويحدث هذا في قضية متفق عليها ومشمولة في ثلاثة اتفاقات وقعتها إسرائيل مع مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن، فكيف ستكون الحال في قضية مختلف بشأنها هي قضية اللاجئين منذ سنة 1948؟ *كاتب وصحفي فلسطيني /الرياض