سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
االلاجئون الفلسطينيون في مرحلة مفاوضات الحل النهائي - لأردن سبق الدول العربية إلى الاعتراف بالأمر الواقع للاجئين . التركيز على حق العودة إلى الدولة الفلسطينية والتعويض 1 من 4
بعد مرور نصف قرن على إقامة دولة اسرائيل على ارض فلسطين، وإقتلاع مئات الآلاف من الفلسطينيين من وطنهم وبيوتهم، بدأت حديثاً المفاوضات بين الجانبين لتقرير الوضع النهائي لنحو اربعة ملايين لاجئ فلسطيني يعيش ثلثهم في الاردن. ويتوقع الاردن ان تتمخض عن هذه المفاوضات تسوية وسط ما بين تحقيق حلم الفلسطينيين بالعودة الى قراهم ومدنهم التي اجبروا على مغادرتها في العام 1948، واصرار اسرائيل على عدم السماح لهم بالعودة الى ما وراء الخط الاخضر. ويعتبر الاردن ان الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون على ارضه هم مواطنون اردنيون من اصول ومنابت فلسطينية، وان سقف التوقعات هو تعويضهم وتعويض الدولة الاردنية على استيعابهم مع احتمال عودة نسبة محدودة منهم الى الدولة الفلسطينية المتوقع اعلانها مع انتهاء مفاوضات الوضع النهائي. وفيما ترغب اسرائيل في إغلاق ملف اللاجئين بأسرع وقت ممكن بسبب امتدادها العربي الذي يحول دون تسوية سلمية دائمة في المنطقة، يؤكد مسؤولون فلسطينيون على ان المشكلة اكثر تعقيدا على صعيد "توطين" الفلسطينيين المقيمين في كل من سورية ولبنان مقارنة بوضعهم في الاردن اذ حصلوا على حقوق المواطنة القانونية. ولا يستبعد الاردن ان تشمل التسوية الدائمة توطين اعداد كبيرة من اللاجئين في اماكن اقامتهم الحالية مع اعادة تأهيلهم وتحسين اوضاعهم من خلال آلية لدفع التعويضات الشخصية وتقديم مساعدات دولية للدول المضيفة. ويرى مسؤولون اردنيون ان الحكومة العمالية برئاسة ايهود باراك اكثر مرونة في موقفها من تسوية مشكلة اللاجئين مقارنة بالحكومات الاسرائيلية السابقة. إذ انها تعتبر تسوية مشكلة اللاجئين اختصاراً للمسافة التي تفصل ما بين الوضع الحالي المعلق وإغلاق ملف النزاع مع الفلسطينيين، فيما سعت الحكومات الاسرائيلية السابقة الى تأجيل المشكلة لتكون آخر بند على جدول اعمال مفاوضات الوضع النهائي. وترى الحكومة الاردنية ان باراك يستسهل حل مشكلة اللاجئين لغياب البعد النفسي لديه مقارنة مع اسحق رابين الذي كان مسؤولا شخصيا بصفته قائدا عسكريا عن بعض اعمال التهجير التي مورست ضد الفلسطينيين خلال الحرب، بينما كان باراك في السادسة من عمره في العام 1948 وكان اللاجئون جزءاً من الواقع على الارض قبل تخرجه من المدرسة الابتدائية. ويقول مسؤول ملف اللاجئين في السلطة الفلسطينية اسعد عبدالرحمن: إن اسرائيل اقترحت عودة مقننة لعدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين يتراوح ما بين 50 الى 150 ألف لاجئ من دون اعترافها بحق العودة لجميع اللاجئين، وإنما استنادا "لاعتبارات انسانية" تتم الموافقة على طلبات لم الشمل، إضافة لإمكانية تخفيف حدة التطرف الاسرائيلي في ما يتعلق بقضايا المستوطنات والحدود والمياه ضمن الحل النهائي، وذلك مقابل موافقة الفلسطينيين على إغلاق ملف اللاجئين الى الابد وعدم المطالبة بالسيادة الكاملة على القدس. وبالنسبة لمن تبقى من اللاجئين، تقترح اسرائيل إنشاء منظمة دولية بديلة من وكالة الغوث، وظيفتها تقديم تعويضات للاجئين والدول المضيفة لهم . ويقول عبدالرحمن ان طروحات توطين اللاجئين متعددة، ومنها ما يقترح توطين اللاجئين في منطقة الازرق الاردنية والاخر يتداول توطينهم في منطقة الرمادي العراقي، وهي طروحات مرفوضة من القيادة الفلسطينية. ويؤكد وجود تنسيق مكثف على مختلف المستويات مع الحكومتين المصرية والاردنية في مواجهة الطروحات الاسرائيلية. ويؤكد مسؤولون اردنيون على ان رئيس الوزراء الاسرائيلي يرغب بالتوصل الى تسوية لمشكلة اللاجئين كجزء من الاتفاق - الاطار الذي من المقرر ان يوقع بعد اقل من اربعة اشهر. ويرى باراك ان هذا هو الطريق الوحيد لطمأنة الرأي العام الاسرائيلي بأن الاتفاق سيضع نهاية للنزاع مع الفلسطينيين وسيزيل مخاوف عميقة من ان سياسة "الخطوة خطوة" التي يتبناها الفلسطينيون ستؤدي الى دمار دولة اسرائيل. ويعتبر باراك ان اتفاقا يترك مسألة اللاجئين مفتوحة في المستقبل لا يمكن ان ينجح لأن اسرائيل ستظل تواجه مطالبات اضافية بالتنازل ما قد يؤدي الى فقدان الثقة بحكومته. وتضم مشكلة اللاجئين ثلاثة جوانب اساسية هي الاعتراف التاريخي بمسؤولية اسرائيل عن المشكلة، وحق العودة، والتعويضات. وسيطالب الفلسطينيون ومن ورائهم الاطراف العربية المعنية اسرائيل الاعتراف بمسؤوليتها الاخلاقية عن خلق مشكلة اللاجئين في العام 1948 وبحقهم من حيث المبدأ في العودة الى اراضيهم. وسيطالبونها تعويضهم عن ممتلكاتهم الضخمة التي تركوها وكانت اساس بناء وتطوير دولة اسرائيل بينما حكم على اصحاب الارض والممتلكات الاصليين بالفقر والمعاناة والحرمان في مخيمات اللاجئين. وتقول الحكومة الاسرائيلية ان خطة باراك لتسوية مشكلة اللاجئين هي الاستجابة للمطالب الفلسطينية مع المحافظة على المصالح الاسرائيلية في إطار مجموعة من الخطوط الحمر. وفي خطابه في الكنيست قبل أكثر من اسبوعين، أعرب رئيس الوزراء الاسرائيلي عن "اسفه للمعاناة الشديدة" التي تسبب بها النزاع للفلسطينيين، لكنه قال بأن هذا الاسف لا يعني بأي حال شعورا بالذنب او الاعتراف بالمسؤولية عن النزاع ونتائجه. وفي تموز يوليو الماضي تحدث ايضا عن الاعتراف بالمعاناة، ما فسر أنه محاولة لبناء الثقة نحو الفلسطينيين عشية مفاوضات الوضع النهائي وتحضير الرأي العام الاسرائيلي للتسوية المقبلة. وقال: "ليس لدينا ما نخجل منه، ولسنا الملامين وحدنا، لكن المعاناة التي ترتبت على الفلسطينيين... هي مسؤولية تاريخية ولا بد من قول الحقيقية". وتلوم بعض الاوساط الاسرائيلية العرب لخلقهم مشكلة اللاجئين بشنهم حرباً ضد اسرائيل لمنعهم من إقامة دولتهم اليهودية، ما تسبب بالدمار للشعب الفلسطيني. وبعد الحرب، تقول تلك الاوساط ان الدول العربية زادت من معاناة اللاجئين برفضها استيعابهم كمواطنين، وأبقتهم في المخيمات. ويعرف باراك ان هذا موقف يفتتح به المفاوضات على رغم معرفته بأن اسرائيل ستتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية التاريخية في إطار الوضع النهائي. وجاء قرار وزير التعليم يوسي ساريد بإدراج فصل عن مذبحة كفر قاسم في منهاج تعليم التاريخ في المدارس الاسرائيلية كخطوة اخرى نحو تهيئة الرأي العام الاسرائيلي لتقبل الموقف الرسمي الجديد. ويرفض باراك بالكامل عودة اللاجئين الي فلسطينالمحتلة عام 1948، على اساس انها خط احمر سيصر عليه في اتفاقات الوضع النهائي. وكان ابلغ الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الالماني غيرهارد شرودر الذي التقاه الشهر الماضي بذلك الموقف. وقال إنه سيوافق على عودة اللاجئين الى الاراضي الواقعة تحت سيادة السلطة الفلسطينية، لكنه اشار الى ان الفلسطينيين لا يملكون البنية التحتية التي تؤهلهم لاستيعاب اعداد كبيرة من اللاجئين. وترفض الدول العربية المضيفة للاجئين وخصوصاً الاردن مطالبة اسرائيل بالاشراف على عودة اللاجئين الى الاراضي الفلسطينية وتحديد اعدادهم، وهو ما يتوقع ان يشترطه الجانب الاسرائيلي في المفاوضات. وعلى رغم المواقف المعلنة، تعترف الدول العربية ان معظم اللاجئين المقيمين لديها ستتم اعادة تأهيلهم في اماكن اقاماتهم الحالية في اراضي السلطة الفلسطينيةوالاردن وسورية ولبنان. وتتوقع مصادر اردنية رسمية ان يتم تأسيس هيئة دولية لتعويض وتأهيل اللاجئين بمساهمة اسرائيلية مع تحمل المجتمع الدولي العبء المالي الاكبر. ويذكر ان اسرائيل تعارض دفع تعويضات شخصية لاصحاب الاراضي والممتلكات الفلسطينية على اساس ان ذلك سيعزز الفجوة الاجتماعية بين الذين كانوا من اصحاب الاراضي والممتلكات من جهة، والمزارعين الفقراء من جهة اخرى. وتصر اسرائيل على المطالبة بأن تتركز التعويضات على تأهيل اللاجئين وتفكيك المخيمات الفلسطينية وبناء مساكن دائمة وخلق فرص عمل للاجئين وتطوير خدمات الضمان الاجتماعي لهم. وتطالب اسرائيل أيضاً بأن تكون ترتيبات التعويض نهائية وليست مفتوحة لمطالبات مستقبلية فضلاً عن مطالبتها بالاشراف على آلية تصريف اموال التعويضات كأداة للضغط السياسي والاقتصادي. وفي المقابل، يطالب الاردن الى جانب السلطة الفلسطينية بالجزء الاكبر من مخصصات التعويضات بوصفه الدولة الأكثر تضرراً من مشكلة اللاجئين التي يعيش على ارضها نحو مليون ونصف المليون لاجئ. وذكر وزير الخارجية الاردني عبدالاله الخطيب خلال زيارته الاخيرة الى اسرائيل ان الاردن يتحمل عبئاً اقتصادياً كبيراً نتيجة استيعابه للاجئين بعد حرب 1948 والنازحين بعد حرب 1967. ويقول مسؤولون اسرائيليون ان تعويض الاردن بشكل كبير يتوافق مع مصالح اسرائيل، وكذلك تقديم تعويضات لسورية ولبنان بهدف اعادة تأهيل اللاجئين. وتتراوح التقديرات للمطالبات بالتعويض ما بين ثلاثة وستة بلايين دولار بحسب مسؤولين اسرائيليين و670 بليون دولار بحسب الخبير الفلسطيني سليم التعمري، الذي يطالب اسرائيل بتعويض الفلسطينيين على املاكهم التي تركوها ومعاناتهم والعائدات الاسرائيلية التي تأتي من الاراضي التي سيطروا عليها نتيجة للاحتلال. ويقول الباحثان يوسي البر وخليل الشقاقي اللذان نشرا تقريراً مشتركاً عن مشكلة اللاجئين ان حجم التعويضات يتراوح ما بين 15 و20 بليون دولار. وفي عام 1951، قدرت الاممالمتحدة قيمة الاملاك التي هجرت بحوالي 120 ألف جنيه فلسطيني، وهو ما يعادل 4،3 بليون دولار بأسعار اليوم. وفي تموز من العام الجاري عقد مؤتمر في اوتاوا تحت رعاية الحكومة الكندية عن التعويضات كجزء من حل مشكلة اللاجئين بمشاركة باحثين فلسطينيين واسرائيليين. وفي التقرير النهائي اعترفت اسرائيل بجزء من المسؤولية عن مشكلة اللاجئين بالاشتراك مع المجتمع الدولي بوصفها المستفيدة الاولى من الاراضي والبيوت التي تركها اللاجئون. ومن أبرز المصاعب التي واجهت محادثات اوتاوا كانت مسألة تمويل صندوق التعويضات. وقدر الخبراء ان المجتمع الدولي لن يكون متحمساً جداً لدفع هذه المبالغ لتمويل عملية السلام في شكل يتجاوز ما تم الالتزام به حتى الآن تجاه السلطة الفلسطينية من خلال آلية الدول المانحة، فيما تعاني الدول العربية من ازمات اقتصادية من حيث خفض حجم مساعداتها الخارجية في موازناتها الوطنية. وسيتطلب ايجاد مصادر اضافية للتمويل جهداً كبيراً على المستوى الدولي. وتقترح بعض الاوساط الغربية ان يشمل التعويض إخلاء مستوطنات يهودية مقامة في الاراضي الفلسطينية وتسليمها للفلسطينيين ومشاركة شركات اسرائيلية في مشاريع اعادة تأهيل اللاجئين. يذكر ان مجموعة العمل للاجئين التي ترأسها كندا منذ العام 1992 تهدف الى تحسين الاوضاع المعيشية للاجئين في اماكن اقاماتهم الحالية اكثر منها الى معالجة مشكلة حق العودة. واسست المجموعة حتى الآن قاعدة معلومات عن اللاجئين برئاسة النروج اضافة الى برنامج لم الشمل الذي يتم بالتنسيق مع فرنسا. وبحسب الحكومة الكندية، تم جمع 90 مليون دولار في إطار برنامج "تطبيق السلام" الذي ترعاه وكالة الغوث في مخيمات اللاجئين ومشاريع اخرى مثل بناء المدارس ونوادي الشباب والعيادات التي تتبرع ببنائها بعض الدول الغربية. وتنص اتفاقات اوسلو على ان مصير لاجئي حرب 1948 يؤجل الى مفاوضات الوضع النهائي، مع السماح بعودة الاشخاص النازحين نتيجة حرب عام 1967، والذين تم تهجير غالبيتهم من الضفة الغربية الى الاردن. وتم ضمن اتفاق اوسلو تشكيل لجنة رباعية تضم ممثلين عن اسرائيل والسلطة الفلسطينيةوالاردن ومصر لبحث اوضاع النازحين. واجتمعت اللجنة للمرة الأخيرة عام 1997 لكن الجانب الاسرائيلي واصل المماطلة في المحادثات متفادياً اتخاذ أية قرارات. وفي اتفاق شرم الشيخ الاخير، تقرر تجديد نشاط اللجنة الرباعية، وكان من المقرر ان تجتمع في بداية تشرين الاول اكتوبر الماضي. لكن الاجتماع تأجل في ضوء رفض اسرائيل اقتراحاً تقدم به وزير الخارجية المصري عمرو موسى لافتتاح احتفالي للمحادثات عن اللاجئين في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية بدلا من رؤساء الوفود. وتمت محاولة اكثر جدية لبدء محادثات عن النازحين على اساس اتفاق ابو مازن - بيلين نهاية العام 1995، الذي لم تعترف به اسرائيل أو السلطة الفلسطينية. وينص الاتفاق على عدم عودة اللاجئين الى الاراضي الاسرائيلية وان تكون عودتهم الى الدولة الفلسطينية محدودة. ويسمح الاتفاق للدولة الفلسطينية بمنح جوازات سفر للاجئين بمن فيهم الذين يقيمون خارج اراضيها . كما ينص الاتفاق على حل وكالة الغوث واستبدالها بهيئة للتعويضات وإعادة التأهيل تحت رعاية السويد. وفي الشهر الماضي زار رئيس الوزراء السويدي غوران بيرسون اسرائيل وأكد تمسك حكومته بالاتفاق. من جانبه، يرى الاردن ان ضمان حق العودة والتعويض يجب ان يكون اساس حل مشكلة اللاجئين مع ضمان حريتهم في ممارسة او عدم ممارسة ذلك الحق، مع الفصل ما بين تعويض الاشخاص وتعويض الدول. وفي ضوء استبعاد موافقة اسرائيل على عودة اللاجئين الى اراضيها واعتراف الدول العربية والمجتمع الدولي بدولة اسرائيل، فإن سقف الحل يبدو اكثر وضوحاً مما تبدو عليه الامور عشية انطلاق المفاوضات.