كثر النقاش والحوار عبر الصحافة والفضائيات عن الحرب الفكرية الغربية والغزو الثقافي الغربي وكيف يتم التصدي له: خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها أمريكا للحادي عشر (11) من سبتمبر وما ثار حولها من إرهاب وحرب فكرية غربية انتهت بتسليط الضوء على العالم العربي واتهامه في أحداث التفجيرات الأخيرة بالولايات المتحدة وقيادة الكثير من المسلمين العرب المقيمين هناك في الغرب للمساءلة والتحقيق وهم أبرياء: كما ان الواقع الإعلامي العربي الحالي يعكس بكل أسف عدم تفرغ الإعلاميين والمثقفين لصد الغزو الثقافي الغربي على الإعلام العربي وبناء على هذا ا لواقع يرى الحادبون على فكر الأمة وثقافتها وجوب إحداث تغيير جذري في سياسة الإعلام العربي، وطرق إدارته، ومعايير الالتحاق به، حيث ان المشكلة لاتنحصر في إتقان الأساليب الحديثة وإنما تتجاوزها إلى إعداد الأساس السيكولوجي والاجتماعي لهضمها دون عسر، وهذه من مهمات الإعلامي الذي يقنع الجمهورو على تقبل وسيلته، ويبين قدرتها في صياغة الأمة وفق منهجها الثقافي والفكري والحضاري. وإن كان كثير من المتابعين يقرر ان المثقفين العرب والمسلمين المعاصرين ليس لهم دور مميز في رسم تصور واضح يقود إلى تأصيل العمل الفكري والثقافي، سوى محاولات ضئيلة ومتفرقة ومتباعدة . كما ان إسهامات الأكاديميين الإعلاميين البحثية والعلمية في تصحيح مسار الممارسة والفعل الإعلامي إسهامات ضعيفة إن لم تكن معدومة وليست لهم مشاركات واضحة في بناء المستقبل الإعلامي الذي يتطلع إليه المجتمع عبر فكر وثقافة تميزان هويته وتؤكدان ذاته وذلك لأسباب كثيرة ليس هذا مجال ذكرها! كما أنه في فترة من الفترات ليست بالبعيدة ارتفعت صرخات لمثقفينا ومفكرينا ان أنقذوا الهوية العربية الإسلامية بالعودة إلى المنابع وحماية المضامين الاجتماعية ولكن هذه الصيحات لم تجد التجاوب الفاعل بل وقف كثير من المثقفين عند حد التمرد على الثقافات الوافدة، ورفض المدارس الأجنبية بسماتها ومنهجياتها الغربية التي تحمل «السم» في الدسم، ولم يتبع هذا الرفض (فعل) قوي يحد من تقدم الثقافة الاستهلاكية الوافدة ومن تغلغلها في مجتمعاتنا. إن التفكير في إيجاد البديل الثقافي المنافس والنابع من تراثنا ومن تركيبتنا الثقافية والاجتماعية والروحية سيعزز ذاتيتنا ويحدث تأثيراً كبيراً في عقليات الجمهور وأنماط سلوكهم، وسينسحب هذا على كل أنشطة المجتمع بما فيها الإعلام لأن الإعلام هو القناة التي ينفذ من خلالها الإبداع والعطاء المميز، بل هو أهم مجال يتيح للمثقفين توصيل رسالتهم إلى الجمهور. إن دور المثقف والأديب يرتبط ارتباطاً وثيقاً ومحكماً: بدور الإعلامي وإذا تضافرت الجهود في هذا المنحى فسيتوافر لنا مناخ ثقافي صحي يدفعنا إلى مزيد من الإنتاج والإبداع مع تقديم أعمال درامية وأطر ثقافية تنمي ذاتيتنا وتدفعنا إلى الاعتزاز بهويتنا والخروج بها إلى دائرة أرحب. ولكن متى نخرج من عباءة الانبهار والتواكل كي نتغلب على الجمود والركود؟ كيف نشجع المبادرة ثم الفعل؟ إن مثقفينا كي يحولوا المجتمع من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإبداع أمامهم في رأيي قضية أساسية واحدة، هي قضية الجدية علي مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعات، الجدية في صياغة المشكلات التي تواجه مجتمعاتنا الجدية في التخطيط لتجاوزها، والجدية في تنفيذ الخطط المرسومة وتحقيق الأهداف وإعداد وتدريب الأفراد المقتدرين في كل فنون العلوم ومجالات الاهتمام كما ان حشد الطاقات الثقافية والفكرية لمواجهة التحديات يقودنا في الطريق الصحيح إلى تأكيد الهوية العربية والإسلامية وحل الصراع الثقافي والحرب الفكرية الغربية. وفي هذا الإطار لابد من تناغم العمل الثقافي مع الإعلامي وان يتحرر كلاهما من النزعة الذاتية، وألا يتناقضا ويتنافرا، لئلا يصطدم الجمهور العربي بأعمال ثقافية مشوهة لا علاقة لها بقيمه ولا بتطلعاته كما ان شعور المفكر والمثقف بالحرية والأمن: حرية الفكر والتعبير والأمن السياسي والاقتصادي يوفر له مناخاً رائعاً للعطاء، ويفجر طاقاته الإبداعية الكامنة وفي هذه الحالة يستطيع ان يقدم من خلال وسائل الإعلام أعمالاً رصينة وجليلة تستضيء بها المجتمعات العربية ويهتدي بها المجتمع الإنساني عموماً.