المعنى في أن اللغة العربية مرتبطة بالقرآن الكريم، محفوظة بحفظه وباقية ببقائه هو الرابط التعبدي، ولا أعتقد أنه يشمل علوم الرياضيات والطبيعيات والتقنيات وغيرها مما تزدهر بزيادتها الحياة الدنيا وتضمر بضمورها. هذا الربط التعبدي يتماهى مع استحواذ النحاة وعلماء اللغة على اللغة العربية وتقييدها اجتهاداً أو تمصلحاً، بقواعد النحو والصرف والاعراب. هل ينكر أحد أن هذا الربط الفقهي النحوي للغة بقيود الماضي يعتبر من أهم عوامل تعطيل العربية عن التجديد والتحديث لتكون قادرة على استيعاب العلوم الحديثة ؟. أصبحت اللغة العربية في أحوالها اليوم عجوزا هرمة ينفر منها أبناؤها وبناتها من الأجيال الشابة. ما يتكرر من ندوات ومقالات ومحاضرات ومواعظ تحث على الاهتمام بلغتنا الغراء الفرعاء الفاتنة المعطاء إلى آخر الأوصاف الإغرائية لا يقدم ولا يؤخر، فذلك مجرد بكائيات حسرى على اختفاء اللغة العربية من العلوم بأنواعها، ومن ألسنة الأجيال الشابة. هذا الواقع النادب المتحسر يشمل أيضاً جهود وزارات الثقافة والإعلام والتعليم والداخلية والخارجية في كل الدول العربية. معظم أو كل مؤتمراتنا وندواتنا العلمية في الداخل والخارج تدار وتقال وتطبع وتوزع باللغة الإنجليزية. نعم، القصور العلمي والبحثي والإبداعي عند أهل العربية جزء من أسباب الشيخوخة التي حلت بلغتهم، لكن يوجد أسباب كثيرة أخرى، وفي نظري أهمها الصعوبة البنيوية المتوارثة للغة العربية. تخطيت شخصياً السبعين وأكن حباً طاغياً للغتي الأم وقرأت بها كثيراً وكتبت، لكنني ما زلت أعاني صعوبات حقيقية في التخاطب والكتابة بدون لحن أو كسر أو ارتكاب خطأ فادح في حق الفاعل والمفعول به ومعه ومن أجله وحروف الجر والنصب والجزم والعطف وكان وإن وأخواتهن، ناهيكم عن نصب المفعول المقدم على الفاعل، وإنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ. لم تعد اللغة الإغريقية ولا اللاتينية ولا السنسكريتية لغات حية وإنما تحولت إلى أوعية اشتقاق عند أهلها لمصطلحات حديثة علمية وأدبية، وهذا هو المصير المتوقع للغة العربية باستثناء استعمالها في العبادات. كليات ومعاهد اللغة العربية ومدارس التعليم الأولي في كل الأقطار العربية مستمرة في تعليم اللغة التي تحدث بها امرؤ القيس الكندي وقس بن ساعدة الإيادي، بالرغم من اختفاء استعمال هذه اللغة التلقينية من الشارع والحانوت والبيت، وأهم من ذلك اختفاؤها من المؤتمرات والندوات العلمية والتقنية. انطلاقاً من هذا الواقع ما هو المطلوب، كبديل للمحاولات المملة اليائسة من قبل الجهات الرسمية المعنية لإبقاء اللغة العربية على قيد الحياة ؟. أعتقد أن المطلوب هو تجميع العدد الكافي من اللغويين والأدباء وعلماء الطبيعيات والتقنيات، وتكليفهم بالأوامر المغلظة بمهمة تشذيب وتبسيط وتمشيط وقصقصة الزوائد والتهدلات من لغتنا العربية الفصحى المتوارثة، ليخرجوا لنا بلغة وقواعد وتصريفات أسهل فهماً ونطقاً وكتابةً بحيث يروق فهمها واستعمالها للعرب والأجانب، ومن ثم تطبيقها في التعليم الأولي كلغة المستقبل. جمع المثنى المذكر والمؤنث وجمع التكسير والمذكر السالم والمؤنث السالم والمفعول به ومعه ومن أجله لم تعد صالحة لمواكبة العصر كمنافس للغة الإنجليزية.