الإجابة هنا لا تحتمل قواميس، فالمعنى العلمي ل«الوجدان» مرتبط بمعنى آخر هو «المزاج». أي عندما تسأل صاحبك مثلاً: ما رأيك بمآلات «كورونا»؟ فيجيب: أنا «متفائل»! فالتفاؤل هنا هو «مزاجه». أما إحساسك «أنت» تجاه «صاحبك» من خلال تعبيراته وتصرفاته التلقائية بأنه «يائس» في حقيقة الأمر، فهذا هو «وجدان» صاحبك. «المزاج» هو ما يقوله الفرد عن إحساسه، و«الوجدان» هو شعوره الداخلي، الذي يلاحظه الآخرون من خلال أقواله أو أفعاله. وكثيراً ما يتطابق المزاج مع الوجدان. ولكن توجد أيضاً حالات يفترق فيها المزاج عن الوجدان! قد يبدو الأمر محيراً، فأن تُظْهِر غير ما تبطن يعتبر «نفاقاً». وفي ذات الوقت؛ عندما يكون فرد ما؛ غارقاً في الفقر والعوز؛ ويُظْهِرُ أنه مكتفٍ بدخله؛ ولا يحتاج هو أو عائلته معونة من أحد؛ فهذا ليس نفاقاً؛ إنما «عزة نفس»! وهذا النوع من التناقض بين المزاج والوجدان يضر صاحبه وحسب؛ ولا يضر أقاربه أو رفاقه أو المجتمع الذي يعيش فيه؛ بل ربما يحفزه لشحذ هممه وتحسين وضعه! «عزة النفس» هذه ليست غريزة ولا موهبة، إنما نتاج مجموعة القِيَمْ التي اكتسبها الفرد من خلال تربيته العائلية والمجتمعية. وهي امتداد لتاريخه وتاريخ مجتمعه وكيفية تفاعله مع الموروث المعرفي والأخلاقي للبشر. وأجمل تعبير؛ أطلق على مجموعة القيم تلك هو «الثروة الوجدانية» للمجتمع والفرد. عندما حمل سقراط سراجه المضيء في النهار اعتبروه مجنوناً، وعندما سئل عن السبب قال: أريد أن أرى «إنساناً»! ... ضحكوا منه في بداية الأمر؛ ولما تمعنوا بكلامه؛ وعرفوا أنه تنبيه للقوم؛ أن الإنسان هو من لديه «ثروة وجدانية»؛ أي مجموعة قيم ترسم مسار حياته؛ ومن ليس لديه تلك الثروة فقد تخلى عن «إنسانيته»؛ وخاصة في زمن سقراط؛ حيث تم تقسيم البشر إلى عبيد وأسياد! الثروة الوجدانية للفرد والمجتمع ليست ثابتة. فهي إما أن تنضج وتزدهر وإما أن تتراجع. والتراجع يؤدي إلى إنكار الآخر سواء كان فرداً أو مجتمعاً أو البشر ككل. وإذا اضمحلت الثروة الوجدانية لدى أي فرد أو مجتمع إلى الصفر، يكون قد هجر إنسانيته وتوحش. فلا يتوانى عن الغدر والقتل وإثارة الفتن والنعرات والحروب والأزمات ...الخ. وكلما اضمحلت «الثروة الوجدانية»؛ ازدادت الوحشية كماً ونوعاً. لأول مرة في التاريخ يصبح «الوجدان»؛ أو مجموعة القيم الأخلاقية الموروثة من آلاف السنين؛ أو الضمير الإنساني المتراكم عبر الزمن؛ ضرورة لا بديل لها لتجاوز الأزمات. فاستطاع البشر تجاوز أزمة مرض الجدري سابقاً بثلاثة ملايين دولار فقط، لأن ذلك كان موقفا جماعيا أخلاقيا لحماية البشر. أما اليوم تصرف المليارات لتسييس «كورونا» وإعاقة نجاح البشر في القضاء عليه. وإذا استمر استنزاف «الثروة الوجدانية» من أجل تحقيق أرباح، فمآل البشرية هو الهلاك لا محالة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ما تبقى من «ثروة وجدانية» لدى البشر كافٍ لإنقاذهم من الهلاك؟ ** ** - د.عادل العلي