على الرغم من تفرُّد الأديب الأميركي الشهير آرثر ميلر في صنعته الأدبية التي عكسها نتاجه وتاريخه الأدبي الذي امتد لقرابة الواحد والستين عامًا حصد خلاله جوائز أدبية عدة، كان منها جائزة بوليتزر عن فئة الدراما وجائزة نقاد الدراما عن عمله الأكثر شهرة «وفاة بائع متجول»، وهي تلك المسرحية التي ترجمت لأكثر من عشرين لغة عالمية بعد أشهر قليلة من نشرها، بل ولا زالت إلى حينه تدرَّس وتعرض حول العالم. بل إن تأثيرها الأدبي الفني قد ألهم العديد من رموز الأدب في العالم وتقاطع معها نصيًا الكثيرون منهم، لعل من أبرزهم الروائي المصري الشهير نجيب محفوظ؛ إلا أنه ورغم ذلك لا يمكن بأي حال أن نصف ميلر - كحالة أدبية ماثلة للعيان - بأنه قد كان صنيعة امرأة. وعلى الرغم أيضًا من قيمته الفنية المقدرة بين أقرانه من أدباء عصره باعتباره روائيًا ومسرحيًا من طراز خاص، إلا أن هذه القيمة الأدبية كانت تختزل إلى قدرها الضئيل حين يحضر إلى مناسبة اجتماعية ما، بمعية زوجته الشقراء مارلين مونرو التي كانت تعتبر أيقونة صناعة السينما في هوليوود، في العصر الزاهي للفن السابع. فقد كانت شهرة مارلين الطاغية قد جعلتها محظ الأنظار أينما حلت. وهي تلك الشهرة التي فتحت لها أبواب البيت الأبيض من خلال الصداقة التي جمعتها بالرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي وأخيه المدعي العام روبرت كينيدي. وهذه الشهرة الاستثنائية لمارلين قد جعلت من آرثر ميلر مجرد تابع لا متبوع أو كما كان يُنظر إليه من قبل الطبقة المخملية الأميركية، بأنه «زوج الست» ليس إلا. فميلر في حالته الأدبية وعلاقته الزوجية القائمة مع مارلين مونرو، لم يكن - في تقديري - وراءه امرأة تدفعه للمصاف الأُول كي يكون عظيمًا، وإنما عوضًا عن ذلك فقد كانت أمامه امرأة عظيمة تتهافت عليها الأضواء إنما حلت، وأضحى هو من يسعى للحاق بهذه الحواء الفاتنة الجاذبة. كانت حياة ميلر العامة مليئة بالإثارة ومدعاة للدخول في حالة من الصدام مع الحكومات الأميركية المتعاقبة، خاصة إنه قد كان ينشط في مجال الدفاع عن الحريات وينتقد السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، فكان من تداعيات ذلك أن شملته حملة لجنة تحقيق النشاط المعادي لأمريكا وقاده صيته ككاتب تقدمي وناشط في مجال حرية الرأي والتعبير إلى المحكمة في عام 1956م، جراء إدانته للأنظمة القمعية في بلدان العالم، وفي الوقت ذاته نتاج إدانته للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خاصة في ما يتعلق بحقوق الإنسان. إن تعقيدات حياة ميلر نتاج نشاطه الاجتماعي والسياسي في مجال الديمقراطية والحريات، قد صحبته إثارة أخرى جعلت من حياة هذا الرجل الأدبية عرضة للمخاطر. وتمثل ذلك تحديدًا في زيجته الفاشلة من مارلين مونرو، وهو زواج كانت قد لحقته الشائعات من لحظاته الأولى، حيث أشيع حينها أن زواج آرثر ميلر من مارلين مونرو، ما هو إلا محاولة منه للتمويه على مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي كان يلاحق نشاطاته اليسارية. وفي تقديري بأن الرجل لم يستطع استعادة توازنه النفسي إلا بعد أن انفصل عنها في العام 1961م، أي قبل عام من تاريخ انتحارها أو نحرها من قبل أجهزة استخبارية بعينها، كما يعتقد المؤمنون بنظريات المؤامرة. الأمر الذي جعله -أي ميلر- يصل لصفاء الذهن والاستكانة النفسية ويتمكن بالتالي من تحقيق وجوديته الأدبية، لامتدادية زمنية طويلة انتهت برحيله في العام 2005م. ما أريد أن أصل إليه، إنه ليس وراء كل رجل عظيم امرأة، وإن كان الأمر في بعض الأحيان كذلك، فيقيني بأن تلك المرأة لن تكون سوى الأم في الغالب. فهي على الأرجح، أي الأم، من تريد لوليدها أن يقف ذات يوم على قمة العالم. وفي حالة أديبنا آرثر ميلر، فإن الرجل هو من صنع مجده وأصّل لوجوديته، ولم يكن مجده وشهرته نتاج أي امرأة تذكر. ** **