كادت الساحة الفنية السعودية أن تكسب في صفها كاتباً جديداً عليها قديماً على الصحافة، إذ قام الكاتب السعودي صاحب زاوية «أضعف الإيمان» داود الشريان بكتابة أكثر من حلقة لمسلسل «طاش ماطاش»، تميزت بروح خاصة، وعالجت أفكاراً جديدة، إلا أنه فوجىء كما فوجىء الجميع بعدم بث أحدى الحلقات التي كتبها ضمن حلقات شهر رمضان 1421ه وكان موضوعها عن البطالة والقبول في الجامعات مما أثار استغرابه وتساؤلاته حول أسباب منعها، فهل توقف الكاتب داود الشريان عن الكتابة بسبب منع هذه الحلقة أو لأسباب أخرى؟ وهل يفكر في العودة للكتابة الدرامية مرة أخرى؟ وكيف ينظر إلى المناخ السائد في الساحة الفنية الآن؟ كانت هذه الأسئلة وغيرها كثيرة موضع حوارنا معه في هذا الحوار: * قمتم سابقاً بكتابة أحد النصوص الدرامية لمسلسل «طاش ما طاش» ولكنه منع من البث التلفزيوني، وبعد ذلك لم نشاهد لكم نصوصاً أخرى، فهل هذا احتجاج أم موقف؟ لا هذا ولا ذاك، ، ليس احتجاجاً ولا موقفاً من المسلسل، بل هي المشاغل فقط، وسفري لفترة ليست قصيرة ما لم يتح لي الوقت الكافي للكتابة هذا العام، * هل كان منع عرض الحلقة التي قمت بتأليفها العام الماضي سبباً في عدم الكتابة هذا العام؟ أيضاً لم يكن هذا هو السبب، ولكن لم ترد على بالي فكرة محددة للكتابة عنها ولم يطلب مني شيء محدد كما جرت العادة، وكما أسلفت أن الوقت لم يسعفني لذلك، * وهل يضايقك منع بث الحلقة حتى الآن؟ نعم يضايقني مع إذاعة الحلقة ويثير استغرابي، فالحلقة تتحدث عن مشكلة البطالة التي يعاني منها المجتمع السعودي بنسبة كبيرة بين الخريجين والخريجات، والمشكلة واقع حقيقي ولم تكن من مخيلتي أو من بنات أفكاري، وعدم بث التلفزيون هذه الحلقة لا يعني أن مشكلة البطالة انتهت وأن كل الخريجين وجدوا فرصاً للعمل، وهذا موقف ليس له ما يبرره في ظل الشفافية التي ننادي بها والحرية التي بدأت إرهاصاتها تلوح في الأفق سواء في الكتابة الصحفية أو الدرامية، وأنا استغرب لماذا لم تبث الحلقة؟! * تواترت لدينا أنباء مفادها اتجاهك لكتابة السيناريو فهل حقاً تسعى حالياً لأن تكون سيناريست؟ مطلقاً، ، أنا فقط شاركت سابقاً عندما وجدت أن هناك موضوعاً يمكن معالجته تلفزيونياً بطريقة درامية ساخرة، ولكني لم استمر لأني لم أجد موضوعاً يثيرني للكتابة، فضلاً عن أن تنفيذ بعض ما كتبت لم يكن بالشكل الذي تخيلت، * هذا على الرغم من قدرتك على خوض هذه التجربة كونك كاتباً وصحافياً كبيراً، نعم واستطيع تكرار التجربة وقتما أشاء ولكن الأمر لا علاقة له بالكتابة الصحافية، ولا بد من وجود الشيء الذي يثيرك ويستفزك، وكما قلت لك لم أجد ما يحثني على المواصلة، لذلك لم أتحمس بالشكل الذي توقعته في البداية، * وهل ينقص الكتاب الكبار لدينا الحماس للدخول في هذا المجال؟ لا فالحماس موجود عند الكثيرين من الكتاب، ولكن ما أقصده أن الساحة الفنية لدينا حتى الآن غير مهيأة لجذب الكتاب إليها، ولم تقدم ما تقدمه الساحة الفنية للكاتب في مصر والبلاد العربية الأخرى، فالكاتب هناك له مكانته وله دوره في النص وتشكيل العمل ويحصل على ما يستحق معنوياً وإعلامياً ومادياً، أما عندنا فالكاتب ما زال مهمشاً، وبالكاد يجد اسمه مكتوباً على العمل، فضلاً عن أن نصوصه تغير دون إذنه، وتمنع حلقاته من البث دون علمه أو الحوار معه، وفي رأيي أن هذا التعامل يدل على أن الساحة الدرامية السعودية لا تزال حتى الآن تتصرف على طريقة الهواة، ضعف يحتاج لعلاج * ولكن هل تعتقد أن الابتعاد سيحقق لكم المكانة التي ترجونها؟ عناصر العمل كلها من إنتاج وممثلين وغيرهم لا زالت ضعيفة، واعتقد أن الحركة الفنية بحاجة إلى الوقت وإلى سنوات قادمة، ومن المفروض أن نمر أولاً بمرحلة سعودة النصوص الأجنبية العالمية إذ إنه من الضروري أن نحصل على النصوص الناضجة لمؤلفين عالميين ونقوم نحن بسعودتها أو بجلب مؤلفين أجانب لكي نحتك بمبدعين من الخارج، إضافة إلى أنه يجب أن يكون طاقم العمل من ممثلين ومخرجين ومصورين ومهندسي ديكور متسلحاً بالعلم ومتمكناً من ادواته بشكل جيد، وكون لدينا مخرجون متعلمون وبعض ممثلين مبدعين لا يلغي هذا المطلب الذي نتمنى له التقدم قياساً بباقي الحركات الفنية الاخرى مثل الحركة التشكيلية، ولا تنسى اننا عندما نتحدث عن الدراما في السعودية فنحن نتحدث عن خمس وعشرين سنة فقط وغيرنا يتحدثون عن تجربة امتدت لقرون، وخلاصة القول ان المساهمات تنسب الى مجموعة من الهواة بما فيهم نحن الكتاب ايضاً الذين نعاني من مشكلة فقدان الكاتب المثالي الذي نقتفي اثره وبالتالي تجدنا لانزال نتعلم، فالمتابع للاعمال السعودية لا يجد فيها ذلك التطور، فأنت عندما تقارن الاعمال الجديدة بالاعمال القديمة قبل خمس سنوات تجدها في بعض الاحيان تشابه بعضها، او تضعف عن سابقتها، الدراما فعلاً بحاجة الى دعم قوي ليس مادياً فقط بل الى مؤسسة ترعاها وتهتم بالكاتب والمخرج والممثل لكي نخرج عملاً ناضجاً ويملك القدرة على المنافسة عربياً، خدمية طاش * هل ترى ان ما يقدم من اعمال سعودية وبعضها من تأليف الممثلين انفسهم مثل طاش وخلك معي وغيرها يرضي طموح المشاهد؟ لا، ، ولكن هناك تجارب مرت في العالم العربي والغربي تجد فيها المخرج الكاتب او الممثل الكاتب وهذا ليس عيباً لانك تجد احياناً ممثلاً موهوباً وكاتباً في نفس الوقت وخير مثال على ذلك الفنان عبدالحسين عبدالرضا والفنان سعد الفرج، ولو اخذنا طاش ما طاش لوجدنا ان لديهم تجارب ناجحة جداً في التأليف مع انهم اخفقوا في حلقة او حلقتين ولكنهم في بقية الحلقات نجحوا نجاحاً كبيراً وصنعوا جمهوراً عريضاً وسمعة فنية متميزة وصلت الى منطقة الخليج، لكن مشكلة طاش ان يخرج احياناً من النسق الكوميدي ليقدم تراجيديا وهناك بعض الحلقات التي لا تجد فيها الاضحاك، الى جانب ذلك تجد طاش يتحول الى برنامج لعرض مشاكل «خدمية» مثل الهاتف وغيره وهذا ليس دور طاش، واعتقد انه لو اقتصر دور طاش ما طاش على «الاضحاك للاضحاك» لكان افضل لان الضحك قيمة فنية كبيرة واصبح سلعة نادرة، واذا استطاع احد ان يحققها بشكل جيد فهذا امر مهم، ولكن حلقات طاش ارهقت بكثرة المطالبات، ويبدو لي ان فريق العمل رضخ نزولاً عند رغبة المشاهد، وهذا الامر ربما يعود الى غياب النقد في الصحف وفي البرامج التلفزيونية، فأصبح طاش يتصدى لهذا الدور، وهو لا يستطيع ان يعالج كل شيء، ناهيك عن ان الدراما ليست فناً مباشراً مثل المقالة والتحقيق الصحافي، كاتب اجنبي * اشرت الى نقطة «الكاتب الاجنبي» التي تؤيدها مع ان كثيراً من الفنانين والمنتجين والمخرجين يشكون من ان فريق العمل غير سعودي فما بالك بالكاتب؟ انظر الفرق بين حلقات «مرايا» السورية او بعض حلقات ومواقف «مرايا» وبين اعمالنا وواقعنا، ، اعتقد انه لا يوجد فرق، بل انه من الممكن ان تكون حلقات «مرايا» سعودية بعد تغيير اللهجة، صحيح ان الكاتب السوري او المصري لا يستطيع ان ينقل لك مشكلة المواطن السعودي مع الهاتف او الجوال او المرور لانها ليست مشكلته ولا يستطيع ان يعالجها ولكن عندما يؤخذ قرار بان يكون مسلسلاً كوميدياً فان ذلك الكاتب يستطيع ان ينقل موقفاً انسانياً لانه ليس كاتب تقارير عن مشاكل الخدمات والقطاعات، وايضاً لاتوجد مشكلة لدى ذلك الكاتب اذا كان يتحدث عن نموذج انساني كالموظف الفاشل في عمله او الزوج في بيته، فكل هذه النماذج موجودة لدى البشر اما اللهجة فليست مشكلة، ان انفتاح العمل على الآخر في البداية فقط امر مهم ويجب التفكير فيه وفي جلب كتاب من الخارج لانه ليس بالضرورة ان يكون اي شخص يكتب في الصحافة قادراً على الكتابة للاعمال الدرامية فهي فن قائم بذاته، انطباعات نقدية * ماهو دوركم اذن في النقد الصحفي للاعمال الدرامية؟ سبق واشرت الى ان هناك نقصاً في كل ادوات العمل الدرامي، ونضوب وضعف شديدان في النقد الفني للاعمال الدرامية،ولا يوجد في ساحتنا ناقد متخصص، وفي معاهد الدراما والفن في العالم العربي التي يتم فيها دراسة الفن الدرامي هناك اناس يدرسون ليتخرجوا نقاداً وهولاء هم الذين يملكون ادوات النقد، اما نحن فكل الكتابات التي نكتبها لا تتعدى كونها انطباعات، وانا شخصياً لست ناقداً محترفاً، وفي المملكة لدينا مشكلة فالكتابة عندنا اما مدح واما هجوم بلا معنى وهذا الامر لا يساعد الفنان او المخرج في تطوير ادواته، فالناقد احد ركائز العمل الفني ومثله مثل المرآة التي تنقل بصدق سلبيات وايجابيات العمل الفني، وهو وسيلة لتطوير الاعمال الفنية المختلفة وغياب النقد الفني يشكل معضلة كبيرة، * ماهي شروطك للعودة للكتابة الدرامية مرة اخرى؟ عندما اكتب عملاً اشترط الا يحرف الا بإذني، ويجب ان يكون هناك اتفاق مسبق معي عند اجراء اي تغيير في النص اذا استدعت الضرورة الفنية الدرامية ذلك، فضلاً عن أن الرؤية في النص من حق الكاتب، وكثرة التعديلات تجعل الكاتب يقوم بدور الترزي الذي يعمل بيديه لا بعقله ومشاعره، نصوص مرحلية * هل تعتبر كتاباتك فوق مستوى الاعمال الدرامية السعودية مما يجعلك ترفض الكتابة لمسلسل ما؟ نصوصي جزء من مرحلة الدراما السعودية، وربما من اضعفها، ولازال اتعلم، بل واستفدت كثيراً من التعامل مع فريق طاش ما طاش، وفي تقديري ان هناك مبادئ لابد ان نلتزم بها واهمها عند الكاتب عدم تغيير اي حرف في النص الا بالاتفاق معه لان النص يحمل فكر صاحبه، والحقيقة ان هذا ما يحدث بالفعل فهم لا يغيرون الا بعد الاتفاق مع الكاتب عدا بعض النوادر، ولكن المهم ان تتطور العلاقة مع الكاتب مستقبلاً، وينظر اليه كمبدع وشريك اساسي في العمل، لان الساحة الفنية لا يمكن ان تكبر دون كتاب، والعمل الدرامي يقوم على ثلاثة اضلاع الكاتب والمخرج والممثل واعطاء البطولة المطلقة لضلع واحد يلغي قيمة العمل ويفقده وهج الابداع،