أقبل عليّ رجلٌ لا أعرفُهُ، تظهر ُعليه ملامحُ النصبِ، وبعدها تكشّفتْ عليه آثار ُاللغوبِ، قائلاً: « نعقتُ لأياسين ويهاً ما هذا العمل الذي تقومون به! - وهم قد جمعوا عُتَلاء لكي يتسلقوا الكتائلَ لجني ثمارها مع أنّ الطّرقَ لم ينضجْ ثمرُهُ- ثمّ وقفتُ قائلاً: «اللُّجُّ أقربُ إلى رقابِكم من الثمرِ إلى أيديكم، دعوه حتّى ينضجَ لتأكلَ منه الأياسينُ والحيواناتُ مع الطيورِ، فإنَّ الحرَّ قد اشتدّ وهيجُهُ، والمطرَ قد انقطعَ هزيمُه، والدراهمَ قد فنت عند أكثرِ الأياسينِ، فإنّ في تركِهِ فوائدَ، وفي جنيهِ عوائدَ، وفي أكلِهِ فوارقَ، والّذي ينفعُ النَّاسَ بقاؤه لا يقطع. قالوا: هذا الثمرُ لهذا الكهلِ، قد وهبه ذاك الهَرِم بعد إلحاحٍ، ليقدمه لضيفٍ قد حلّ به، ولا يجد ما يقدمه له غيره، مع أن في جنيه رجزاً، وفي تقديمه سَغَبَاً، لكنَّه الكرمُ ينادي، والمروءة تتدفقُ من جناباتِ أجا وسلمى»، فإذا رغدُ العيشِ يغشى الأياسين بعدَ تقديمِ ما جُنِي وقد صحبته بشاشةٌ مرسومةٌ، وكلماتٌ عذبةٌ، تُظهرُ ملامحَ الكرمِ الحقيقي، تلك هي مكارمُ الأخلاقِ يحبها اللهُ ورسولُهُ». وقد أخذَ الرجلُ قسطاً من الراحةِ ثمَّ وجهتُ له الكلامَ، قائلاً: «إنَّكم طائيون في ألفاظِكم العشرة، وفِي حبِكم لما ينفعُ النَّاسَ، وكرمِكم، ومساعدتِكم للمحتاجِ، وإغاثتِكم للملهوف، وتوقيرِكم للكبيرِ، وشفقتِكم على الضعيفِ، تلك هي المروءة المروءة» قال: «يا هذا إنَّكم لتنطون ما لا ينطي غيرُكم»، ثمّ تبسمتُ، وقلتُ : «زدها فإنَّها طائيَّةٌ، فإنَّ المكرماة تتزايدُ» ثمّ تبسّمَ، وَقَالَ: «زدها فإنّها طائيةٌ». الحاشية: نعقت: صحت. أياسين: جمع إنسان عند طيء. ويهاً: بالتنوين، للتعجب. عُتلاء: جمع عتيل وهو الأجير. الكتائل: النخل الطويل الذي بعد عن الأيدي. الطّرق: النخل الطويل. اللُّجُّ: السيف. فنت: فنيت بحذف الياء. الهزيم: صوت المطر الشديد. الرجز: العذاب. السَغَب: الجوع. الرغد: العيش الواسع. أنطى: أعطى على لغة طيء. المكرماة: بإبدال تاء الجمع هاء في الوقف عند طيء. ** **