1. ترهيب المجتمع من عواقب الغزو الثقافي، أو التفلّت الأخلاقي، أو هدم اللغة، أو البعد عن الدين، أو تجاوز الحد في الرفاهية.. أو غيرها.. أمور أشاعت التشاؤم بين الناس.. كما غرست الخوف من المستقبل والتوجس من المحيط.. وكلها وضعت الفرد في إطار المهدد بالانحراف والاجتياح والاستلاب والإثم والمرض والحزن.. فأثقلت روحه وأشغلت تفكيره.. وحَدَّت من حركته وأفسدت شهيته للحياة.. وأصبح شخصاً مرتبطاً بالهموم والخطيئة وبؤس المصير. 2. عبر قرون طويلة وفي كل المجتمعات كان يرتفع دائماً خطاب يحذِّر ويشوِّه ويُقْصي.. حتى صار الناس يرون ذلك الخطاب نوعاً من التنبيه لأخذ الحيطة والحذر.. وكان أقوى وسائل الترهيب هو التهديد والتحذير من «فقدان الهوية».. ولم يتفق أحد على طبيعة الهوية التي قد يفقدها الناس.. هل هي التي تنظر إلى الماضي أم التي تنظر إلى المستقبل؟ 3. الواضح أن الخطاب العام لترهيب المجتمع وتخويفه من الغزو الثقافي كان ولا يزال محاولة للدفع نحو حماية ما تركه لنا أسلافنا وليس دفعاً لبناء فوق ما بنى أسلافنا.. وهذا الاتجاه في التفكير لم يجنِ على روح العامة فقط، بل جنى على النخب من المفكرين في المجتمع.. وأصبحوا مسكونين بذات هاجس الخوف والتهديد.. وهذا أدى بدوره إلى أن يتحول المجتمع بكليته من حالة السير إلى الأمام إلى حالة الانكفاء.. واتخاذ وضعية المدافع الذي لا يبرح مكانه خوفاً من عدو يتربص به ويكتفي بصد سهامه! 4. حينما يُشَرْعَن العرف المجتمعي أو تُشَرْعَن قوانين حماية الثقافة على اعتبار أنها مُسَلَّمات لا يجوز أن تُمَس.. هنا تعاق المعرفة.. وبالتالي فإن المفكر يُغَلِّب هاجس الهوية على هاجس المعرفة.. ويغلِّب هاجس العادات على هاجس التمدن.. فتصبح رؤاه وأفكاره محض اجترار للسابقين! 5. ثقافة المجتمع هي أحد أهم المحددات لمستوى معيشة ذلك المجتمع.. وهي التي تدفعه أو تحد من انطلاقته.. والثابت أن الشعوب والمجتمعات التي لديها وعي ثقافي عصري تتمتع بمستوى معيشي مرفه.. يفوق كثيراً المجتمعات التي حباها الله بالموارد الطبيعية لكنها محدودة الوعي الثقافي العصري. 6. ترهيب المجتمع جعل المفكر ينظر إلى النتائج لكنه لا يفكر بالسبب الذي وَلَّد النتيجة.. لذلك فهو يدور في دوائر سطحية ونادراً ما يلامس الجوهر.. ومن يحاول فعل ذلك يلقى عنتاً شديداً يجعله لا يعود إلى ذلك الأمر مرة أخرى.. وبسبب هذا صار المجتمع العربي يتحرك في ذات المساحة الضيقة.. ويعيد إنتاج ما تم إنتاجه سابقاً. 7. الروح الخائفة تكون قلقة متوترة مترددة تؤذي الروح المفكرة.. وبالتالي تؤذي إمكانات ووسائل النهوض الحضاري لأي مجتمع.. ويصبح المجتمع بكليته ضعيفاً قابلاً للاستلاب.. متاحاً للشد والجذب.. تتقاذفه الأمواج يراوح مكانه ولا يتقدَّم إلى الأمام.