فيصل بن بندر يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان.. الأحد المقبل    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف الشريف    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    لمحات من حروب الإسلام    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستعمار الجديد في المنطقة العربية.. وهمٌ أم مؤامرة؟
نشر في اليوم يوم 07 - 03 - 2013

ما حقيقة نظرية الاستعمار الجديد هل هى وهم أم مؤامرة وما هى أشكال هذا الاستعمار وهل يمكن مواجهته وهل تشكل ثورات الربيع العربى حائط صد ضد التوجهات الاستعمارية الجديدة وتتجلى أهمية هذه الأسئلة فى ضوء ما يبدو أنه عودة جديدة للاستعمار الى المنطقة العربية فى صور عديدة بعد أن فشلت الصورة التقليدية له وتأخذ هذه العودة أنماطا متعددة ومتنوعة بعضها ينتبه له العرب وبعضها الآخر يغضون الطرف عنه عامدين لأنهم لايمتلكون القدرة على مواجهته تاليا حصيلة رؤية خبيرين متميزين .
يبدأ الدكتور فخرى الطهطاوى رئيس مركز إدارة الأزمات بالقاهرة طرح رؤيته قائلا: أجل... يقينا أصبح الاستعمار بشكله التقليدي غير مجد لإعتبارات عديدة منها التكلفة الباهظة، الأمر الذي حدا بالفكر الإستعماري الى العمل على الدخول في عملية بحث معمقة لإبتكار صور أكثر تعقيدا للقوى الإستعمارية لمواصلة تسطير مسيرتها على صفحات تاريخ الإنسانية بدروب الإستغلال والمعاناة، ومن هنا ودون إطالة في التمهيد فإن أساس الإستعمار بكل أشكاله – قديمها وحديثها- وسلاحها القاسي هو منتج "الفكر" الإستعماري، وما العولمة التي يُنظر إليها، بدورها، وكأنها ظاهرةٌ طبيعيّةٌ حصلتْ من دون تدخّل أحد، وأدّت الى رفع الحواجز بين الدول، بحيث أصبح العالمُ "قريةً صغيرةً" غابت فيها العلاقاتُ السلطويّةُ وأصبحتْ للأفكار "أجنحُة تساعدها على الطيران." الا تجسيد لهذا المنتج ومن ثم فإنّ هذه النظرة إلى العولمة تمنعنا من فهم عمليّة صناعة الأفكار وإنتاج المعرفة وتسويقِها لمصلحة الاستعمار، ولمصلحة النخَب الاقتصاديّة في بلادنا. وأما اعتبارالعولمة "قوّةً ناعمةً" تسهّل النهبَ والاستعمار، فيسمح بتفكيك البنية التحتيّة لنقل المصطلحات والأفكار، بدلاً من الاعتقاد بأنّ هذه الأخيرة تسافر في شتّى الاتجاهات من دون أن تفرضها أيُّ جهةٍ معيّنة.
ويلفت الى أن البعض قد يرى أن الاسم –نظرية ما بعد الاستعمار- يعني أن هذه المدرسة الفكرية قد ولى عهدها وأهميتها بعد زمن الاستعمار، لكن الحالة التي يعيشها العالم الى الان كلها استعمار مباشر او غير مباشر. ان خطاب العولمة ما هو الا دليل على أن الضعيف سيبقى ضعيفا وتابعا للشركات العالمية والقوى الكبرى، مما يعني أن مشاكل العالم الثالث بالخصوص ما تزال باقية، بدون حلول، مما يستوجب طرح الاسئلة العميقة والعتيقة من جديد، ومن قبيل ذلك العدالة والحرية والديموقراطية: ما سبل العدالة في العالم؟ هل نموذج الديموقراطية والليبرالية والرأسمالية الغربية هي النموذج الوحيد الممكن ام ان هناك نماذج أخرى يمكن لثقافات العالم ان تساهم فيها؟...
ويتابع: إن المتابع لحركة تطور الفكر الإستعماري الحديث يلحظ حركة دؤوبة لعملية مراجعة فكرية وسياسية يشهدها الفكر الغربي والعالمي بشكل واسع، ليس فقط لان الغرب ما يزال يشكل ذاته بحسب تمدد أو تراجع فكره وسيطرته بل لان هناك مدارس فكرية ما تزال تتشكل من هذا الفكر ذاته أو تتشكل خارجه، أي ان هناك مدارس فكرية وفلسفية خارج نطاق هذا الغرب فكريا وجغرفيا، وأمثلة ذلك الفكر الاسلامي والفكر الهندي، أما الفكر الصيني فلا يبدو انه وجد له مكانا واسعا بعد في الساحة الاكاديمية الغربية والعالمية رغم أن الاهتمام بهذا البلد اقتصاديا ما يزال يستقطب الانظار يوما بعد يوم. لنعد خطوة الى الوراء.
ويشير فى هذا الصدد الى عدة مصطلحات من إنتاج العقل الغربي، وتُعتبر عمليّةُ نقل هذه الكلمات غير بريئة، بل جزءٌ من الاستعمار الأميركيّ الجديد الذي يرتدي عباءةَ العولمة، التي هي بدورها رديفٌ لاقتصاد السوق الحرّة، أو لما يُسمّى النظام الاقتصاديّ النيوليبرالي . ويعتمد هذا الاقتصادُ على تغييب القطاع العامّ، وتحويلِ الدولة من دولة خدماتٍ إلى دولة أمنيّة. وفي هذه الدولة يُترك المواطنون لرعاية أنفسهم، بينما تنهمك تلك الدولةُ أولاً في تهيئة المناخ لجذب الاستثمارات الأجنبيّة أيْ تسهيل عمليّات النهب؛ وفي تهيئة الموارد البشريّة للعمل عند المستثمرين ثانيًا في المحافظة على "الأمن" وقمعِ أيّ اعتراض على الظلم الناجم عن ذلك النهب، المترافقِ عادةً مع فتح الأسواق.
صعوبات موجات الربيع
ويرى الطهطاوى أن أهم الصعوبات التي تلاقيها محاولات – موجات الربيع العربي في طريق تحقيق طموحاتها المشروعة لإعادة بناء مجتمعاتها علي الحرية والعدالة وصيانة كرامة المواطن والوطن- إعادة طرح الاسئلة الكبرى –كما تحاول ذلك نظرية ما بعد الاستعمار مثلا- تنبع من الشعوب ذاتهم الذين تحاول النظرية الدفاع عنهم وحمايتهم فالشعوب ترى في النموذج العالمي الحالي نموذجا يحتذى وترمي الى محاكاته للتقدم رغم أنها تعاني منه اللاعدل واللامساواة. فكيف تقنع الشعوب بالصواب؟؟ أما الصعوبة الثانية فهي أن النظام الحالي لن يترك التغيير يجري على حسب هوى المغيرين والمفكرين المتسائلين!
ويبقى السؤال المحوري وعلي العقل العربي التصدي له في قابل الأيام : هل ستتمكن موجات الربيع العربي من تحقيق طموحاتها في العدالة الإجتماعية خارج سياق النظام الإقتصادي العالمي، أو في الديمقراطية حتى ولو على غرار النموذج الغربي !! وما البديل؟ وهل نحتاج الى بديل أصلا؟ إنها مشكلة العقل العربي الذي تجمد لحقب!!
وهنا أجدني –يقول الدكتور فخرى الطهطاوى - أمامَ تعليق طريفٍ، في هامش كتابٍ تُرجم مؤخرًا إلى اللغة العربية، بعنوان "الجمهورية الإمبراطورية، في سياسة الدول العنصرية"، لمؤلفه (أوليفي لوكور غرانميزون)، حيث يورد مقولةً "استعمارية" لعالِم متخصِّص في "الاقتصاد" أساسًا، هو (شارل جيد)، ومما ورد فيها: "إنه ينبغي تجريد السكان الأصليين – في المستعمَرات – من أملاكهم، لأسباب المنفعة العالمية!".
ويعلِّق صاحب الكتاب (أوليفيي) على صاحب المقولة (شارل)، متحديًا أن نقدِر على تصنيف مقولته ضمن علم معيَّن، فيقول: "تُرى إلى أيِّ مادة – تخصُّص – تنتمي هذه المقولة؟ إلى الاقتصاد؟ أم التاريخ؟ أم القانون؟ أم الفلسفة السياسية؟".
حقيقة النظرية
ويقول الدكتور يسرى العزباوى الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية فى مستهل رؤيته: أنه وبعيدا عن نظرية المؤامرة أن تعمل الدول الغربية على تحقيق مصالحها ولكن الأهم كيف يتصدى لها قادة وساسة المنطقة العربية لمواجهة هذا التدخل والتغول فى الأمور السياسية والشأن العربى الداخلى، بل على العكس ساعدت بعض الأنظمة على زيادة هذا النفوذ فى الداخل وفى المنطقة العربية ,وما يحدث الآن فى منطقتنا العربية ليس استعمارًا ولكن محاولات جديدة من قبل العالم الغربى لإضعاف الدولة العربية لصالح الكيان الإسرائيلى، وهذا مخطط له منذ فترة ليست بالقصيرة تحت دعوى مشروع "الشرق الأوسط الكبير" أو ما أطلقته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "الفوضى الخلاقة". فلا شك أن الدول الكبرى تسعى إلى فرض هيمنتها المطلقة على بلدان الشرق الأوسط وإضعافها وتقسيمها إلى دول كارتونية أو مجهرية، لكي يسهل عليها الاستيلاء على ثرواتها، ولكي لا يشكل عقبة أمام مساعيها الرامية إلى تطويق روسيا والصين.
و يضيف العزباوى : يرى البعض أن السياسة التي دأبت الولايات المتحدة وابرز الدول الغربية على تطبيقها في الشرق الأوسط طوال العشرين عاما الأخيرة يمكن توصيفها بسياسة الاستعمار الجديد. وبحسب هذا الرأي تقود هذه السياسة تدريجيا إلى إضعاف السيادة الوطنية لبعض دول المنطقة وخلق الانقسامات الداخلية الطائفية أو الإقليمية وتفضي في الاحتمال الأقرب إلى إعادة تفصيل وترسيم الحدود عمليا. وتندرج هذه السياسة تماما ضمن الاستراتيجيات المرسومة في الغرب، بما فيها استراتيجية العالم الأمريكي "برنارد لويس"، والمقدم المتقاعد في الاستخبارات العسكرية الأمريكية "رالف بيترس"، واضع الخريطة سيئة الصيت للحدود الافتراضية المفروضة قسرا على الشرق الأوسط مستقبلا ,لكن معارضي هذا الرأي بشأن سياسة الدول الغربية حيال الشرق الأوسط يعتقدون أن بلقنة أو لبننة المساحات الواسعة - لو كتب لها أن تقع - بمعنى تجزئتها وفقا للفوارق الطائفية أو العرقية، إنما تجري بحكم ضعف دول الشرق الأوسط نفسها من الداخل، وذلك بسبب تشوه الأفكار القومية وتفسخ النخب السياسية وفساد المؤسسات الحكومية هناك. ولذا فمن المستبعد أن تكون للغرب مصلحة في تغيبب الاستقرار أو تفشي الفوضى في المنطقة.
ويختتم العزباوى رؤيته قائلا : ربما تكون الثورات العربية – على المدى البعيد- حائط صد حقيقى لهذه الاستعمار إذا استطاعت مواجهة التحديات الداخلية والدخول فى إعادة بناء حقيقى للاعتماد على الذات والاستقلال صنع القرار الداخلى. وهناك عدة طرق لمواجهة التغول الخارجى أو استعمار المنطقة منها ما يلي:
- تفعيل دور جامعة الدول العربية على الصعيد الإقليمى والدولى
- وضع رؤية حقيقية لإقامة شراكة عربية عربية على أرض الواقع وليس على الورق
- تفعيل دور الشباب العربى على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
- حل جميع قضايا الأقلية فى المنطقة العربية
- تفعيل دور منظمات المجتمع المدنى على ا لمستوى الداخلى والخارجى لمواجهة اختراقه من الخارج
- إقامة مشروعات عربية كبرى فى بلدان الربيع العربى للخروج من الأزمات الاقتصادية والسياسية التى تواجها
ويطالب الدكتور العزباوى لمواجهة الاستعمار الجديد بضرورة عقد مؤتمرسياسى عربى جديد يشارك فى وضعه النخبة السياسية والمثقفة مع العامة لضمان تكاتف الجميع حوله.
دبلوماسيون وأكاديميون سعوديون وعرب ل :
تظل معادلة القوى الامبريالية العظمى التي تحكم العلاقات مع الدول المستضعفة، تحمل شعار من لم يردعه سيف القوة للإستعمار فإن دواءَه الاختراق والاستلاب الفكري والثقافي، لتظل دائما تسير في الركاب، وتقديم خيراتها قرباناً للولاء والطاعة لتنعم أنظمتها الحاكمة بسراب الأمن والاستقرار، إلى أن تفاجأ مع أول عاصفة احتجاج مجتمعية، بأنها خرجت من اللعبة، وحلت مكانها قيادات جديدة صنعتها القوى العظمى على عينها.. تلك هي ملامح قضية الاستعمار بصفته إرث قديم جديد، وتلك هي آراء بعض الدبلوماسيين والأكاديميين السعوديين والعرب ل اليوم:
فقدان البوصلة
من جانبه قال السفير الجيبوتي محمود راشد غالب مدير إدارة المجتمع المدني بالجامعة العربية، يخطئ من يظن أن عهد الاستعمار قد ولى الأدبار، فربما يكون قد انحسر عسكريا في معظم الأقطار العربية، إلا أن آثاره ما تزال قائمة في العديد منها، وباتت هناك من الدول العربية ما تجمع بين الاستقلال النسبي في مواجهة المجتمع، ولكنها في الوقت ذاته ربما افتقدت للشرعية أو رضاء المواطنين، والذي زاد من حدة ظهوره على السطح فشل و إخفاق تجارب التنمية، وما صاحبها من تخلّي الجهاز الإداري للدولة عن مشروعه التحرّري. وأوضح راشد، أن السلطات الحاكمة في المجتمعات العربية قد أفقدت للبوصلة الصحيحة في تقدير الموقف، وبدلا من السعي لبناء جسور الثقة والتواصل واكتساب السلطة للشرعية الجماهيرية، إذ بها تجنح إلى طريق القهر، وتمد حبال التحالف مع الطبقات الرأسمالية ضمن التبعية للسوق العالمية، بشكل فتح الباب أمام التغلغل الخارجي للأقطار العربية وخاصة الاختراق الأمريكي والغربي خلال الفترة الأخيرة. مشيراً إلى وجود علاقة بين الأزمات التي تعيشها بعض المجتمعات العربية، وبين التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي، وما خلّفته من تداعيات سواءً كانت مباشرة أو غير مباشرة على مكانة الدولة وقوتها أمام المجتمع وفي محيطها الإقليمي أيضا، الأمر الذي ترتب عليه دخول بعض هذه الدول العربية في دائرة مفرغة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن بروز عدد من التنظيمات التي تميل إلى العنف والخروج على القانون.
عبث فكري
من جانبه أكد الدكتور خالد الربيع الأكاديمي السعودي، أن ميراث الاستعمار القديم لاتزال آثاره موجودة في كثيرٍ من المظاهر داخل المجتمعات، خاصة ما يتعلّق بالجوانب الثقافية واللغوية، التي تكاد لاتنفك إلا بجهد العقلاء والراسخين في العلم ، ولتقريب المفاهيم إلى الأذهان بصورة أكثر وضوحا ما أحدثته دولة كفرنسا من عبث في ثقافة وحضارة الشعبين المغربي والجزائري، وأمام قوة المقاومة الوطنية لشعبي الدولتين لم يكن هناك من سبيل لقوى الاستعمار الفرنسي سوى الانسحاب، لكنه ترك معضلة بين الدولتين الشقيقتين، ونفس الحال اتّبعه الإحتلال الاسباني في المغرب أيضا. وأوضح أن ملف إرتباط الثقافة بجذور ميراث المد الاستعماري من القضايا التي تفرض نفسها بقوة وتحتاج إلى وقفة شجاعة من أصحاب الفكر المستنير والمثقفين لتبني مواقف واضحة تتفق وحالة الحراك التي تشهدها المجتمعات العربية في الوقت الراهن، ورغبتها في التحرر من كل أشكال الاستبداد السياسي والإفلات من جاذبية الوصاية الثقافية للآخر، والتي ظل يعاني منها العقل العربي ، الذي سئم من مؤامرات الحملات التي تلو الأخرى بهدف تنميط عقله و استلاب هويته وطمس معالم خصوصيته.
أشار الربيع إلى أهمية وضع استراتيجية قطرية على مستوى كل دولة وأخرى جماعية على مستوى منظومة الجامعة العربية لتعضيد العقل العربي الذي يعيش حالة نفسية استثنائية اليوم، لم يعد قادرا على ملازمة موقعه الدفاعي أو التحصن خلف جدار الخوف ومقاومة رواسب الاستعمار القديم، ومشاريعه الراهنة من أجل الاختراق الثقافي الذي صار واقعا ملموسا يفرض نفسه بالقوة.
تخصيب عقول المثقفين
من جانبه أكد المهندس أيمن الجندي الأمين العام للإتحاد العربي لتنمية الموارد البشرية، إن التاريخ لايزال يحمل بين طيات صفحاته تلك الحقبة الاستعمارية المشينة، التي استنزف خلالها خيرات المجتمعات التي احتلها، وحتى يضمن ديمومة ذلك كان يعمد إلى إحكام قبضته على الإنسان بالتدخل في تشكيل عقله بما يخدم أهدافه وأطماعه الاستعمارية.
وأوضح أنه حينما حان وقت تحرّر بعض الدول العربية من الاحتلال ، ، وخرجت دباباته ومعداته وأسلحته ، ظن المواطن العربي أنه قد تخلص من الشيطان وقبر ماضي الاستعمار ودفنه للأبد، لكنه سرعان ما اكتشف أنه مازال ضحية للوهم القاتل ، وأن النسيم الذي استنشقه وملأ به عقله و قلبه وخلاياه قد كان ملوّثاً ببقايا الإشعاعات الاستعمارية التي ظلت متجذرة في التربة الوطنية وراسخة في عقول بعض النباتات الطفيلية التي تغذت بالسماد الاستعماري، وعملت لسنوات طويلة على توطين جراثيمها اللغوية في عقل الإنسان وإقناعه بكون حياته لا تستقيم بدون تلك البضاعة الاستعمارية الفاسدة.
أضاف الجندي: إنه قد آن الآوان من أجل نهضة حقيقية في بنيان المجتمعات العربية وخاصة في أوساط المثقفين، الذين قد يشارك العديد منهم بقصد أو حسن نية في الترويج لثقافة المستعمر القديم في ثوبه المتهالك، ومحاولة ضخ دماء الحياة فيه بالإسعافات الأولية لإنعاش دورتها الدموية حتى تظل حية نابضة مؤثرةً في عقولنا حاضرةً في وجداننا معششةً في خلايانا، وهكذا تساهم تلك النخبة المتثقفة في تقديم خدمة مجانية لثقافة المستعمر التي أنبتت فيهم بذور التبعية ،وبثت فيهم روح الانهزام و الخضوع ، وجعلت منهم تماثيل بشرية مستلبة غير قادرة على التمرد أو التغيير.
سيف القوة
من جانبه حذر السفير على جاروش مدير الإدارة العربية بالجامعة العربية، من ظاهرة تغلغل الفكر الإستعماري في ثوبه الجديد عبر صناع القرار في بعض المجتمعات التي تخضع لما يشبه حالة الوصاية، ومن ثم يكون هناك تدخلات ربما غير مباشرة في توجيه بوصلة القرارت السيادية، مقابل أن تقوم هذه القوى الامبريالية الاستعمارية الجديدة بتوفير حماية وغطاء لهذه الأنظمة طالما ظلت مذعنة للإملاءات، وإن كانت التجارب أثبتت عدم دوام شهر العسل بين هذه الأنظمة وتلك القوى الاستعمارية الجديدة، التي تحرص دائما على مد القنوات والجسور مع أطراف أخرى داخل المجتمع وجعلها في حالة الاستعداد الدائم لتكون البديل الجاهز في الوقت المناسب.
أضاف: إن المشروع الذي تطرحه القوى العظمى على المنطقة يشبه حالة (الدومينو الديموقراطي )، التي تستهدف محاولة إخضاع الوطن العربي لهيمنة تلك القوى العظمى تحت شعارات برّاقةٍ تلعب على أوتار ومشاعر الإنسان العربي المعذب، وقد أكتوت بعض المجتمعات والدول العربية بنار شعارات هذه النظرية، التي لاتستهدف في حقيقتها سوى استكمال مشروع الإخضاع والاستيلاء على باقي الأقطار العربية الأخرى بذات الأسلوب والوسائل غير العسكرية، وهذا يؤكد لنا أن الأهداف الاستعمارية تظل واحدة ولكنه يلجأ لتنفيذها إلى وسائل متنوعة، أي أن من لم يخضع بالسيف يكون الاختراق والاستلاب الفكري دواءه.
*مصنع الرجال
من جانبها أكدت الدكتورة شيخة سيف الشامسي الإماراتية مدير عام منظمة المرأة العربية، أن للمرأة دورا حيويا في التصدي للاستعمار في ثوبه الجديد عبر قنوات الغزو الفكري والثقافي، وذلك من خلال موقعها المحوري في الأسرة وداخل النسيج الاجتماعي، ومحورية دورها الأساسي في عمليات التنشئة، وكحضانة للقيم الاجتماعية والأخلاقية، ومن هنا تأتي ضرورة حماية المرأة العربية من الاستلاب الفكري كقضية قومية ومصيرية للأمة ككل.
وقالت الشامسي :إن ما يقوم به الاستعمار الجديد عملية (استلاب) وليست (غزو) ، باعتبار أن المعنى الأول هو الذي قد تحدث عنه ابن خلدون في مقدمته التي رأى فيها أن المغلوب يكون مولعا بتقليد الغالب، ومن ثم فلا ينبغي أن نفترض أن هناك بالضرورة مؤامرة متعمدة ضد ثقافتنا، إنما يجب أن نقرّ بأن حالة الوهن الحضاري التي نعايشها هي السبب الأهم وراء حالة الهشاشة الثقافية و(القابلية للاختراق) التي يستخدم في وصفها مصطلح (الغزو الثقافي).
ورأت أن مواجهة حالة الاستلاب الثقافي لا يصح أن تكون دفاعية سلبية، إنما يجب أن تكون بنائية إيجابية، بمعنى أننا لن نقول للناس احذروا هناك غزو فكري، ولن ننفق كل جهودنا في محاولات صدِّ ومنع ما نعتبره آثارا سلبية لثقافات مغايرة أو حتى لثقافات تقليدية مشوهة، إنما الأهم أن نعمل على بناء ونشر ثقافة جديدة ورصينة ، تتميز بالأصالة من ناحية وبالانفتاح من ناحية أخرى، حينذاك تكون الذات أكثر قوة ورسوخًا ، ويكون التواصل مع الثقافات المغايرة، من ثمَّ، صحيّاً وطبيعياً ، يتحيّز في إطار التثاقف والتفاعل الحضاري البنّاء، لا الغزو الفكري والاستلاب.
هل ثمّة حديثٌ عن خيانة؟ ربما!
‏ارجع علماء دين والمهتمون أسباب التدخل الاجنبى فى شئون أى بلد للخيانة وتوافر المناخ الذى يساعد على التدخل الاجنبى، من وجود عملاء وتفكك الجبهة الداخلية مؤكدين ان الاسلام قد سبق كل القوانين والمواثيق الدولية فى التأكيد على سيادة الدول وعلى عدم التدخل فى شئونها الداخلية، واحترام خصوصياتها.
«اليوم» طرحت هذا التساؤل على مائدة نخبة من علماء الدين والمهتمين : كيف يرى علماء الدين التدخل الاجنبى وكيفية مواجهته؟ ولماذا صمت بعضهم عنه أو تأييدا له؟.
تعميق الانتماء
بداية يقول الدكتور محمد أبو ليلة استاذ الدراسات الاسلامية باللغة الانجليزية فى كلية اللغات والترجمة بجامعة الازهر بالقاهرة: ان التدخل الاجنبى فى شئون أى بلد أمر مرفوض ، فى شريعة الاسلام وفى الشرائع الوضعية وأننا كعلماء دين نشجب تلك التصرفات ونطالب الشعب بفهم تلك الحقيقة التي تهدف اليها الجهات الخارجية وهي تدمير ذلك البلد الذى يريدون التدخل فى شئونه .‏ وأضاف: إن مخاطر التدخل الأجنبى لا تهدد استقلال الإرادة السياسية لدول المنطقة فحسب، بل تهدد أيضا وجودها، وتدفع المنطقة إلى حال من الفوضى والانهيار، الذي يمهد لمزيد من التدخل الأجنبي، ويقضي على البقية الباقية من وحدة الأمة وقدرتها على المقاومة.
وحول كيفية مواجهة التدخل الاجنبى؟ قال الدكتور ابو ليلة: إننا ندعو حكومات الدول الإسلامية والعربية كافة إلى العمل بالشريعة الإسلامية، والالتزام بمرجعيتها، وتحقيق التلاحم مع شعوبها، بما يبث روح الثقة، ويرسخ الشورى، والاعتراف بالرأي الآخر، المتفق مع مسلمات الأمة وثوابتها، مما يعمق الانتماء للبلد وأهله، ويسد الثغرات والفجوات، فالتهديد الخارجي لا يمكن أن ينفذ إلا من خلال هذه الثغرات، أو من خلال النخب الدائرة في فلك الخارج ، والملتزمة بمشروعها ونموذجها. وعن صمت بعض العلماء عن التدخل الاجنبى أو تأييده، قال الدكتور أبو ليلة: لم يوجد أى عالم دين يؤيد التدخل الاجنبى، أو يصمت عنه والتاريخ خير شاهد على ذلك، فالذين ثاروا ضد الاستعمار والتدخل الاجنبى ودعوا لمقاومته فى سائر البلدان الاسلامية العربية كان العلماء فى مقدمتهم، لأنهم يدركون أن الحفاظ على أمن الوطن أمانة، وان التاريخ قد سجل بكل فخر واعتزاز احتضان العلماء لكل الحركات الجهادية ضد التدخل الاجنبى لبلاد العرب والإسلام، ولا يوجد قطر عربي أو إسلامي عرف احتلالا أجنبيا إلا وكان الدعاة أول من تحرك لشحذ همم العرب والمسلمين للدفاع عن حوزته، والتاريخ يسجل أن أول حركات الجهاد في فلسطين إنما قادها العلماء والدعاة إلى الله عز وجل.
الخونة والعملاء
ومن جانبه يقول الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون الاسبق بجامعة الازهر وعضو هيئة كبار العلماء: إن التدخل الاجنبى فى شئون أى بلد يرجع سببه للخيانة وتوافر المناخ الذى يساعد على التدخل الاجنبى، من وجود عملاء وتفكك الجبهة الداخلية مؤكدا سبق الشريعة الاسلامية لكل القوانين والمواثيق الدولية التى تؤكد على سيادة الدول واحترام خصوصياتها وعدم التدخل فى شئونها الداخلية. وعن كيفية مواجهة التدخل الاجنبى؟ ، يقول الدكتور عثمان:
لابد من ازالة دواعي الانقسام والتباعد والخلاف، التي يحرص العدو على غرسها بين الحكومات وشعوبها، وأن يقبل الجميع على بناء الذات، والالتفات إلى متطلبات البناء والتنمية، وبناء الفرد والمجتمعات القوية المتماسكة.
مؤكدا على ضرورة العمل على وحدة الكلمة، ونبذ الشقاق، وتغليب مصالح الأمة، والحفاظ على وحدة البلاد، التي بها تحفظ الحرمات، ويعم الأمن ، فإن الخير في الوحدة والائتلاف، والشر في الفرقة والاختلاف، كما قال تعالى «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم». وحول صمت بعض العلماء عن التدخل الاجنبى أو تأييده، قال: إن العلماء والدعاة والمفكرين هم الذين يوجهون الأمة في الأزمات، ويكشفون لها ما التبس عليها من الحق، وغيابهم عن الأحداث هو غياب للحق، الذي معهم، وغياب للعقل والحكمة، وإن من واجبهم الذي ينتظر منهم هو تبصير المجتمع بحقيقة وخطورة التدخل الاجنبى فى الشئون الداخلية للبلاد.
جوهر التحديات
أما الدكتور ناجى عبدالباسط هدهود وكيل معهد الدراسات والبحوث الآسيوية بجامعة الزقازيق، فقد أكد أن التدخل الاجنبى فى شئون أى بلد له دوافع وأهداف لافتا الى ان التدخل الأجنبى فى شؤون المنطقة يمثل جوهر التحديات والمعضلات بها. ودعا هدهود الدول الإقليمية إلى توحيد الجهود للحيلولة دون حدوث تدخلات أجنبية، مشددا على ضرورة التعاون بين الدول العربية فى هذا الصدد. وأضاف إن التدخل الأجنبي تتعدد أشكاله ، فتارة يكون تحت غطاء الديمقراطية وبرامج للاصلاح، وتارة يكون تحت شعار حماية الاقليات وحقوق الانسان...الخ.
وقال: إن المنطقة العربية باتت اليوم على فوهة بركان في ظل وجود مشروع لرسم خارطة جديدة يهدف لإخراجها من دورها المحوري لصالح مشروع تشارك فيه قوى اقليمية تريد بسط النفوذ والهيمنة فى المنطقة العربية.
واختتم الدكتور هدهود قائلا: إن هناك شعوبا تطالب بالتغيير وتحتاج إلى حريات وديمقراطية ولكن على جميع العرب والمسلمين التفكير مليا حتى لا تكون هذه المطالب فرصة لتنفيذ أجندات الآخرين التي تنزف منها دماء وتستهلك فيها إرادات.
وحول رؤيته لكيفية مواجهة التدخل الاجنبى؟ . قال الدكتور هدهود: يجب على الدولة أن تحد من هجرة الأجانب إليها، ممن يكونون أرضية ممهدة للتدخل الاجنبى، وفرض الامتيازات لهم .. الخ . ويجب أن تحذر الدولة من الشخصيات المشبوهة التي تحل على أرضها – سواءً ممن يدعون الإسلام أم من غيرهم - ويكون لها نشاط مريب في بث الأفكار المنحرفة بين شباب البلاد، مما يكون عاقبته شرا. وأكد الدكتور هدهود أن ما بذله علماء الدين من جهد مخلص للتعريف بقيم ديننا السمحة والتصدي لأى تدخلات أجنبية في شؤون العالم الإسلامي إنما هي آفة تفتت وتبعثر جهود الوئام الوطني ومن ثم آمال تلاحم الأمه الإسلامية.
سؤال صعب.. وإجابة أكثر إيلاماً
تعرف موسوعة ستانفورد للفلسفة أن الاستعمار هو "ممارسة الهيمنة والتي تتضمن إخضاع شعب لشعب آخر" وتحاول الموسوعة أن تفرق بين "الاستعمار" و"الإمبريالية" بأن تصف الأخرى بأنها "السيطرة السياسية والاقتصادية على دولة تابعة" وقد ظهرت في الأدبيات الغربية كتابات واسعة حول كلا المفهومين ولكن ما يهمنا هنا هو "الاستعمار" الذي بدأ استخدامه كما تقول الموسوعة للتعبير عن المستوطنات أو "المحتلات" التي أسسها الأوروبيون في بلاد أخرى لإسكان مجموعات من مواطنيهم كما فعلوا في أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزلندا والجزائر والبرازيل وغيرها. ولكن الإمبريالية فهي قيام دولة بالسيطرة على دولة أخرى وإدارة شؤونها دون إسكان عدد كبير من مواطنيها في تلك الدولة المحتلة . وفى إطار هذا الموضوع كان لنا السؤال الآتى :هل صحيح أن الشعوب العربية واجهت استعماراً محلياً بدلاً من الشكل التقليدى ؟وفيما يلى التحقيق التالى :
فى البداية يقول المفكر الإسلامى الدكتور حسن عباس زكى وزير الاقتصاد الأسبق :العجيب فىما يحدث فى العالم الآن هو أن الاستعمار غزا ثلاثة أرباع الكرة الأرضية ونهب ثروات الدول المستعمرة وأخذ منتجاتها الزراعية والصناعية والمنجمية وموادها الخام بأبخس الأسعار ولم يسمح لها بأن تسنفيد من أى زيادة فى الأسعار على مدى عشرات السنين وحكم هذه البلاد حكم العبيد بل وأباد نسبة عالية من سكان أفريقيا لإجبارهم على أن يكونوا عبيدا له وأوقف تقدم هذه البلاد حضاريا وسياسيا واقتصاديا فى الوقت الذى تقدمت هذه البلاد بأموال المستعمرات وابتدعت واخترعت واستفادت من كل ذلك نتيجة ابتزازها أموال وأرصدة هذه البلاد .ثم تركتها وهى خاوية على عروشها مهلهلة خاسرة الجانب مفقودة الهوية خزائنها فارغة وتعليمها إما مربوط بالدول المستعمرة أو لم يبن على قواعد أصيلة ولا يشجع على التقدم ونحن الآن فى أشد الحاجة إلى لم الشمل والتعاون الإسلامى اقتصاديا وماليا وتجاريا .مشيرا التخلف الاقتصادى فى البلدان الإسلامية لا خلاف عليه فى الوقت الحاضر والمظهر الأساسى لهذا التخلف وقد تجلى بوضوح فى إخفاق معظم تلك البلدان فى أن تكون لها آلية نمو ذاتية نابعة من داخلها ولقد نتج هذا التخلف من تمزق النظام الاجتماعى للمجتمعات الإسلامية بسبب الهيمنة الأجنبية الطويلة ولقد أدى شلل المؤسسات السياسية الاقتصادية والاجتماعية إلى عجزها عن الوفاء بحاجات الناس وإحداث تطور حقيقى فالاستعمار هو سبب حدوث عملية التخلف الاقتصادى حيث إن الاستعمار كان سببا فى عملية التخلف وتدهور اقتصاديات العالم الإسلامى .لقد حرص الاستعمار على عدم السماح للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية أن يلعب دورا فى إحداث عملية نمو ذات جذور محلية بل لقد حرص على أن تحدث التنمية الاقتصادية على يد أنواع عديدة من المؤسسات الغريبة عليها من الخارج .
المفاهيم الخاطئة
واشار الدكتور رفعت عزوز أستاذ مشارك بكلية التربية بالعريش جامعة قناة السويس قائلا : الاستعمار الاكبر الثقافات الوافدة علينا وهى اشد فتكا من اى استعمار آخر وكل محتل ومستعمر بارث ورثه عبر الاجيال واصبح غير قادر على التخلى عنه .وان الاستعمار المحلى الذى نئن منه هو الثقافات الخاطئة التى ترافقنا ليلا ونهارا والتى فتحنا لها نوافذ منازلنا بدون فلترة أو تنقية فنالت منا جيلا بعد جيل وصرنا محتلين من قبل الثقافات الغربية او المحلية ولعل اقرب ما يقال نحن امة مستهلكة لامنتجة تعال نتساءل: هل يوجد لدى العرب منتج غزا العالم فى اعتقادى لايوجد هل يعلم القارئ الكريم ان دولة بحجم فلندا هى اول من صنعت الموبايل نوكيا كم ربحت منه وكم خسرنا باستعماله السيء .
كم مستهلك عربى له ؟ الاجنبى فى رحالاته يحمل كتابا قبل اى شىء لذلك يقرأ فيبدع ونحن نحمل فى حقيبة سفرنا ما يغذى البطن فقط ويملؤها فخمدت ونامت الافكار فقل الابداع تجاوز الحواجز النفسية والمفاهيم الخاطئة سبيلنا لبناء جسور التفاهم والتعايش والتقدم والتميز.
القريب العاجل
وأوضح الدكتور السيد محمد الديب وكيل كلية اللغة العربية جامعة الأزهر قائلا : فلا يمكن قبول هذا التوصيف وهو وقوع بلدان هذه الشعوب تحت وطأة الاستعمار المحلى ذلك أن الدول المعنية بالربيع العربى قد انتفضت شعوبها لرفع ما وقع عليها من ظلم بين وما يمكن أن يسمى احتلالا داخليا لأن اختلاف كلمة المستعمر على المحتل خطأ.لأن المستعمر هو من يسعى إلى تعمير الأرض وتطهير النفوس لكن الذى يحدث الآن أن المستعمر بصورة عامة يحول خيارات الوطن ومواهبه لمصلحته كما كان يحدث فى مصر سابقا وذلك يوم أن كان المستعمر الانجليزى يشجع الفلاحين على زراعة القطن لخدمة أغراضه وأهدافها الانتفاضية. إذ كان للمستعمر الأجنبى وجه قبيح يخفى وراءه ابتداعا زائفا لأنه جاء لتعمير البلاد ونشر الثقافة والعلم وإحياء الحضارة .وأن المحتل فهو الذى حل فى وطن غيره من أجل مصلحته وأن أدعى غير ذلك ونعتقد أنه لا موضع ولا وجود بما يسمى احتلالا أو استعمارا داخلىا من خلال إحلال القيادات الجديدة محل القيادات القديمة التى صار الناس عليها ومن الواضح والثابت أن الحكام القدماء الذين ثارت الشعوب عليهم قد كانوا يزيلون الأوضاع بما يخدم مصالحهم غالبا أو كثيرا وكانوا يجرفون الأوطان من صناعة قيادات يمكن أن تكون مدربة وتنهض بالمسئولية فى حالة زوال أو انتهاء تلك العادات القديمة كانوا يحدثون فى الوطن ما يمكن أن يسمى تجريفاً من خبرات والكوادر والعلماء والساسة الذين يمكن أن ينتظر منهم تحمل المسئولية فلما قامت الشعوب ثارت على الأوضاع ظهر ما بمكن أن يوصف بالفراغ السياسى نتيجة عدم وجود كوادر مدربة يمكن أن تتولى المسئولية وتحمل الراية بصورة يرضى عنها معظم الناس لكن هذه الحالة لم تدم كثيرا وسوف تكتسب هذه القيادات الجديدة فى البلدان العربية الخبرة والجنكة السياسية بما يؤهلها فى القريب العاجل فى أن تنهض فى المسئولية على أفضل صورة ولما كانت الشعوب العربية قد حررت إرادتها أصبح لكل من اشترك فى هذه الثورات يملك رغبة وطموحا فى الوصول إلى سدة الحكم ولكن الوضع يحتاج إلى التكاتف والتعاون واحترام ارادة الجماهير والسعى إلى التغيير بلا تدمير والمعاونة فى النصح والحوار ومقاومة الخارجين على القانون حتى تعتدل السفينة وتمخر عباب البحر فى هدوء وانتظام .أن الحياة السياسية التى تعيشها بلدان الربيع العربى التى تعانى من الاضطراب لكن الأمل كبير وأن تستقيم الأمور وتهدأ الأحوال وتتحرك الشعوب وبالتالى فلا يمكن أن يوصف الذين تولوا المهمة فى بلدان الربيع العربى بأنهم محتلون أو مستعمرون جدد والله يوفقنا لخدمة الوطن والحياة .
القوى الاستعمارية
وقال الدكتور أحمد عبدالدايم محمد حسين استاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة: قبل أن يأخذ الاستعمار عصاه ويرحل عن البلاد العربية المستعمرة، رتب الاوضاع المحلية بما تلائم ظروفه ومتطلباته من كل بلد يرغب فى تركه. فرتب دولاب العمل فى تلك البلاد لخدمته وخدمة اهدافه ومشروعاته. ولو نظرت الى كل البلدان المستعمرة فى النصف الاول من القرن العشرين ستجد هذا الأمر قائما. لهذا فإن البعض يرى أن ثورة 25 يناير ما هى الا بمثابة استقلال ثان عن الاستعمار. بمعنى أن الاستقلال الاول هو رحيل الاستعمار بشكله التقليدى، والاستقلال الثانى هو رحيل الاعوان والعملاء الذين رتبهم المستعمرون لخدمة اهدافه فى المنطقة. وليس شرطاً أن يكون رأس النظام عميلا أومصنوعا من قبله مباشرة، بل ما يعنيهم هم الممسكون بزمام البلد والوزارات، لانهم الاهم. ففى ايديهم كل شيء ومصالحهم مع القوى الاستعمارية القديمة. يحظون بالمناصب الدولية فى كل المجالات، ويستحوذون على ثروات البلد وعلى الجوائز الدولية كمقدمة لتبوئهم المناصب المهمة فى الداخل. وكل المشاكل التى نراها الآن على الساحة الساسية هو رقصة الموت الأخيرة من قبل هؤلاء المتحكمين فى مصير البلاد والعباد. نتمنى ان تستقل بلادنا العربية استقلالا نهائيا، وان تملك مصيرها بيدها وان يكون استقلالا نهائيا لا رجعة فيه. لكن هذا لن يتم الا بجهود جبارة، بكشف الشبكات العنكبوتية التى تسيطر على بلادنا وخيراتها ومقدراتها. ولعل بقاء الاسد فى الحكم فى سوريا حتى الان والشبكة التى صنعها تقتل وتذبح فى الناس دون حساب يصلح مثالا جيدا لهذا الذى جرى فى الماضى ونرى خيوطه فى الحاضر والمستقبل. فالثورة السورية كشفت لنا بشكل مباشر الدور الذى لعبه الاستعمار القديم فى امساك تلك الفئات بسدة البلاد التى رحل عنها واهمية الحافظ علىها بشتى الصور مهما بلغت التكلفة.
الحقيقة الأخرى
ومن جانب آخر أكد جول المجول العلي من دولة العراق : ان ثورات الشعوب وتحركها وخاصة في الأقطار العربية ينطلق من كون ان هناك ظلما وتعسفا واستبدادا ومصادرة للحريات وحرمانا وتخلفا وانتهاكا لحقوق الإنسان وفقدان الخدمات الأساسية للمواطن ، وتسلط حكام على رقاب هذه الشعوب دون مراعاة لأبسط حق من حقوقهم الأساسية في العيش الكريم والكرامة والعدالة الاجتماعية والأمن الاجتماعي والحرية . مما دفع هذه الشعوب للثورة وهذا حق مشروع لها لانتزاع حقوقها المهدورة على ايدي حكام ظالمين.
وأن هذه الثورات وهذا الحراك الشعبي في بعض من جوانبه قد استثمر من قبل قوى سياسية متربصة وذات أجندات أجنبية ، حيث قامت هذه القوى باغتنام فرصة غياب القوى الوطنية والقومية التقدمية او ضعفها وتصدرت المشهد لتقود عملية التغيير السياسي بعد ان أطاحت هذه الشعوب بهؤلاء الحكام . والحقيقة الأخرى هو ان سبب الفرقة التي نراها الان في أكثر من قطر عربي والصراعات والعنف والانقسام الذي حصل بعد الإطاحة بالحكام كما حدث في تونس او مصر او ليبيا او اليمن ، هو ان هذه القوى السياسية المتربصة قد سمحت لنفسها بقيادة الفترة الانتقالية وأصدرت الدساتير والقوانين واجرت الانتخابات طبقا لارادتها وبما يضمن مصالحها في الهيمنة والتسلط خاصة وأنها أحزاب وحركات متعطشة للسلطة وثيوقراطية أي ذات أيديولوجية دينية صرفة . في حين ان احد اهم أهداف الثورات هو إقامة نظام تعددي ديمقراطي عادل بعد فترة انتقالية يوضع فيها الدستور والقوانين وبناء المؤسسات بطريقة محايدة من قبل حكومة تكنوقراط مستقلة تحقق مصالح الشعب بأجمعه وليس مصلحة حزب بعينه.
والمشروع الأمريكي الغربي الصهيوني الاقليمي الذي يستهدف تفرقة الشعب العربي في جميع أقطار امتنا العربية ، يرتكز في تحركه لاستهداف الأمة على محورين :المحور الأول : هو زرع الفتنة الطائفية في المنطقة والتي بدأت بمجيء الخميني للسلطة عام 1979 وبدعم غربي واضح ، وشنه الحرب على العراق وبتعاون تام مع أمريكا والكيان الصهيوني حيث اشترى نظام الخميني السلاح من إسرائيل بما قيمته 6 مليارات دولار أي ما يعادل 60 مليارا بالقيمة الحالية للدولار من خلال مايسمى فضيحة ايران كونترا .ويقابل هذا المحاور الطائفي جناح آخر من الطائفية ممثلا بحركة الإخوان المسلمين والتيار التكفيري المرتبط والمسير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بصورة او باخرى حيث هي من خلقت ودعمت هذا التيار لمحاربة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان وانقلب السحر على الساحر في بعض المحطات ولكنه لازال تحت السيطرة الأمريكية . إذن المحور الأول للمشروع هو محور الفتنة الطائفية ومحاولة تقسيم الأقطار على أسس طائفية وعرقية وقومية خدمة لإسرائيل ذات العقيدة العنصرية .
المحور الثاني : هو تقسيم الأقطار العربية اقتصاديا والهيمنة على ثرواتها الأساسية واضعافها وربط مصير شعوبها بمصير الاقتصاد الأمريكي الغربي ، كما حصل في العراق وليبيا .وهذا هو أساس التدخل والدور الأجنبي في زرع بذور الانقسام في داخل مجتمعاتنا العربية.
الشعوب العربية
وأكد الدكتور محمد طلابي عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والاصلاح بالمغرب : ان اسباب اندلاع الثورات العربية تعود بالدرجة الاولى الى تراكم القهر السياسي و الحقوقي والاقتصادي لدى الشعوب العربية والموجه اليها من قبل عدة جهات و هي الغزاة و الطغاة و الغلاة و الشتات والشهوات، مما ادى الى تراكم الوعي الذي ولد روح العزة لدى تلك الشعوب وتجسد ذلك في تحركات وتصرفات جمعية تجلت في خروجها الى الشارع نشدانا للديموقراطية. مبينا الشعوب العربية عاشت تحت وطأة قهر الغزاة وإلى التحكم الخارجي من قبل الدول العظمى على الخصوص الذي عانته و تعانيه الدول العربية شكل ثقلا نفسيا كبيرا على تلك الشعوب بحيث ان زعماء تلك الدول و من جراء تركيز جهودهم على الحفاظ على الكراسي و مصالحهم الشخصية ظلوا لقمة سائغة لدى دول خارجية هدفها الاساسي اضعاف الارادة العربية الاسلامية ولجم طموحات الشعوب العربية نحو النماء من خلال سلاحها المعروف و هو الاتفاقيات الجائرة التي شكلت عبئا ثقيلا على الشعوب العربية التواقة الى التحرر و الانعتاق من قبضة الاجنبي و تحكمه بحيث عرفت الفترة الاخيرة نموا لهذا التحكم الخارجي خصوصا بعدما استفحل الغلو الديني و العقائدي بظهور فئات تتبنى اسلاما متشددا .وهو ما ساهم في تكريس الطغيان لدى حكام الدول العربية و استبدادهم في حق شعوبهم على المستوى السياسي بإحكام قبضتهم على السلطة و تهميش المجتمعات في هذا الشأن. كما من جانب التحكم في الثروات غير ان الشتات الذي طبع الفكر العربي أخر كثيراً الربيع الديموقراطي إلى أن طفح الكيل.
وبدأت الشعوب تقدم ضحايا في الارواح من اجل صناعة تاريخ جديد لها، مفضلة الانسلاخ عن الشهوات و المصالح الفردية الخاصة و الضيقة تلك التي تحكمت كثيرا في صياغة القرار الجماعي الذي ولد الربيع الديموقراطي مسلحة بقوة العزة التي تعد اقوى من منطق المادة لأنها تحقق الادمية لكون الادمية قيمة عليا .وتراكم القهر لدى الشعوب العربية بفعل ثقل افرازات و تجليات الوضعية العربية الموسومة باستفحال الاستبداد من كافة المناحي احدث تراكما كميا في نفوس تلك الشعوب. مما ولد تغييرا كيفيا تجلى في الثورات الاخيرة و التي جاءت في سياق التوق الى الحرية و الانعتاق من التحكم و جعل السيادة في يد الشعوب .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.